ملفات وتقارير

كيف سرقت "إسرائيل" تاريخ المنتخب الفلسطيني بتواطؤ من "الفيفا"؟

مشاركة الاحتلال تحت اسم "فلسطين" قبل النكبة كانت عملية سرقة واضحة للتمثيل- جيتي
مشاركة الاحتلال تحت اسم "فلسطين" قبل النكبة كانت عملية سرقة واضحة للتمثيل- جيتي
شارك الخبر
لفت المنتخب الفلسطيني الأنظار في انطلاقة بطولة كأس العرب بعدما تغلب على المنتخب القطري المضيف والمتوّج بلقب بطل آسيا، في مناسبة تتجاوز أهمية كرة القدم في السياق الفلسطيني كونها مجرد نشاط ترفيهي أو رياضي، لتصبح ساحة حيوية للهوية والتمثيل الوطني.

وتظهر السجلات الرسمية أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم انضم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" في عام 1998 فقط، ليكون من أحدث الاتحادات العالمية انضمامًا، إلا أن التاريخ يكشف واقعًا مختلفًا عمل فيه الاحتلال الإسرائيلي على سرقة تاريخ الاتحاد العريق ونسبه لنفسه، وذلك بتواطؤ من الاتحاد الدولي نفسه.


تاريخ الكرة في فلسطين
يمكن النظر إلى الهيمنة على التاريخ الكروي الفلسطيني كعملية سرقة مؤسساتية متعددة المستويات مثلما حصل ويحصل مع أراضي وتاريخ وتراث فلسطين، وبدأت هذه السرقة بمحاولة الاستيلاء على التمثيل الدولي عام 1931، ثم وصلت إلى ذروتها بسرقة السجل التاريخي وإلغاء المؤسسة بعد أحداث النكبة عام 1948.

دخلت كرة القدم إلى فلسطين رسميًا في مطلع القرن العشرين، وكانت المحطة الأولى في إرساء دعائم اللعبة عام 1908، عندما تم تشكيل أول فريق كروي في مدرسة الروضة بمدينة القدس، بحسب موقع الاتحاد الفلسطيني الرسمي.

وشهدت السنوات الأولى من فترة الانتداب البريطاني ازدهارًا ملحوظًا للكرة الفلسطينية، حيث تأسست العديد من الأندية الرياضية في معظم المدن بحلول العشرينيات، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والوطني، ومن أبرز هذه الأندية إسلامي يافا وإسلامي حيفا وعكا القومي وغزة الرياضي والأرثوذكسي.

اظهار أخبار متعلقة


وتأسس النادي الرياضي الأرثوذكسي في حيفا عام 1927، والنادي الرياضي الإسلامي في يافا عام 1926. مثّلت هذه الأندية قاعدة جماهيرية ووطنية، وكان قادتها أشخاصًا مثل عبد الرحمن الهباب، وهو من مؤسسي النادي الرياضي الإسلامي بيافا، ومن الناشطين في العمل الوطني حينها.


Image1_1220252164656558618106.jpg

وتأسس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في عام 1928 بمدينة القدس، وتم قبوله رسميًا في "الفيفا" بعد ذلك بعام، وكان هذا الاتحاد يضم في عضويته لاعبين فلسطينيين ويهود تحت إشراف بريطاني.

ولم يكن القبول بالتمثيل المشترك مبادرة لدمج رياضي حقيقي، بل كان ضرورة فرضتها الظروف على الحركة الصهيونية التي حاولت عام 1924 ضم اتحاد كرة قدم أسسته بشكل منفصل إلى "الاتحاد الدولي للرياضيين الهواة"، لكن مساعيها فشلت بسبب عدم تمثيل العرب والإنجليز واليهود بشكل متساوٍ فيه، بحسب كتاب "تاريخ الحركة الرياضية في فلسطين" للباحث عصام الخالدي.

Image1_1220252164832488700997.jpg
ونتيجة لهذا الفشل، اضطرت الحركة الصهيونية للدخول في الاتحاد الذي تأسس عام 1928 بتمثيل يشمل كل الفئات، بهدف تأمين موطئ قدم دولي عبر عضوية الفيفا، وكان الهدف الرئيسي لهذا التأسيس المشترك هو استغلال اسم "فلسطين" لخدمة الأجندة القومية الصهيونية، وليس تطوير كرة القدم للجميع.

وبمجرد تأمين العضوية الدولية، شرعت الحركة الصهيونية في تهميش اللاعبين العرب، وسعت بمساعدة سلطات الاحتلال البريطاني إلى تصدّر النشاطات الرياضية العالمية، وهو ما أثار رد فعل لدى الفلسطينيين.

وفي عام 1931، انسحب الفلسطينيون من الاتحاد احتجاجًا على الهيمنة الصهيونية، واتجهوا إلى تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي، وكان ذلك في نيسان/ أبريل 1931.

كان هذا التأسيس رد فعل مباشرًا على الممارسات الصهيونية بشكل عام وعلى الهيمنة على الحركة الرياضية بشكل خاص، لاسيما أنه جاء بعد فترة وجيزة من اندلاع ثورة البراق عام 1929، مما يربط بشكل مباشر بين نمو الحركة الرياضية العربية وارتفاع الوعي القومي.

ورفضت "الفيفا" الاعتراف بالاتحاد الفلسطيني الجديد، باعتباره يدعو بشكل صريح إلى مقاطعة الرياضيين اليهود. وتضرر نشاط الاتحاد بعد اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، حيث اعتقلت بريطانيا الرياضيين وأغلقت العديد من الأندية، وتوقف عمل الاتحاد بشكل كامل تقريبًا في نهاية الثلاثينيات.

ولم يمنع غياب الاتحاد ظهور مبادرات للاستمرار في النشاطات الرياضية؛ ففي عام 1937 تأسس اتحاد عربي للأندية في حيفا، وفي عام 1944 تجددت انطلاقة الاتحاد الرياضي الفلسطيني.

سرقة الاسم
برغم انسحاب الفلسطينيين، استمر المنتخب اليهودي البريطاني باللعب تحت اسم "منتخب فلسطين"، وقد شارك هذا المنتخب مرتين في تصفيات كأس العالم، تحديدًا في عامي 1934 و1938، دون أن يضم في صفوفه أي لاعب فلسطيني.

يشير هذا الإقصاء الكامل للعنصر العربي في التمثيل الدولي إلى أن المشاركة تحت اسم "فلسطين" كانت عملية سرقة واضحة للتمثيل، وكان الهدف الرئيسي منها سياسيًا ودبلوماسيًا، وهو إظهار كيان دولي ممثل للشعب أمام العالم، رغم أن التمثيل كان أحاديًا وغير شرعي بالنسبة للغالبية السكانية.
وجاء رفض "الفيفا" الاعتراف بالاتحاد العربي الوطني (1931)، وتغاضيها عن الإقصاء العنصري الذي مارسه الجانب الصهيوني الذي لعب باسم "فلسطين"، ليُساهم بشكل مباشر في شرعنة الاستيلاء على الهوية الكروية الفلسطينية وتكريسها كأداة للمشروع الصهيوني، بحسب تقرير لمنصة "إطار" الفلسطينية.


Image1_1220252165131596328071.jpg

وأُعيد تأسيس الاتحاد الرياضي الفلسطيني في أيلول/ سبتمبر 1944، ولعب عبد الرحمن الهباب، الذي يُعتبر شخصية رياضية بارزة ومن مؤسسي النادي الرياضي الإسلامي بيافا، دورًا رياديًا وانتُخب سكرتيرًا للجنة المركزية للاتحاد، بحسب مقال للباحث الخالدي.

وكان من بين مجهودات الاتحاد في تلك الفترة العمل على عرقلة الجهود الدعائية للاتحادات الصهيونية في العالم، وتعزيز العلاقات مع الاتحادات العربية. سعى الاتحاد الرياضي الفلسطيني بجدية للانضمام إلى الفيفا، وطلب في عام 1946 السماح لفلسطين بأن تُمثَّل باتحادين وهما الاتحاد العربي الفلسطيني والاتحاد الصهيوني، إلا أن هذا الطلب رُفض مرتين.

"النكبة الكروية"
بعد نكبة عام 1948 وقيام الاحتلال الإسرائيلي، دُمّرت مفاصل الحياة وتشتت الأندية الرياضية الفلسطينية، مثل أندية حيفا واليافاوية، مما أدى إلى تفكيك البنية التحتية الرياضية في معظم المدن المحتلة، بحسب مقال آخر للباحث الخالدي.

اظهار أخبار متعلقة


تُعد الخطوة التي اتخذها "الفيفا" بعد نكبة 1948 هي القمة في عملية السرقة المؤسساتية والتاريخية، حيث استبدلت الفيفا اسم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بـ"الاتحاد الإسرائيلي".

الأخطر هو ما تلا ذلك، حيث أضافت الفيفا لرصيد الاتحاد الإسرائيلي جميع المباريات السابقة التي لُعبت تحت اسم "فلسطين" قبل نشأة الاحتلال، وجرت عملية نقل سجلات الاتحاد الفلسطيني لعام 1928 إلى "إسرائيل"، ما سمح لها بادعاء جذور تاريخية سابقة لتأسيسها السياسي، في حين أن اللاعبين الفلسطينيين الذين أسسوا الاتحاد الأصلي كانوا قد تعرضوا للعنصرية والإقصاء.

هذا القرار لم يكن مجرد استبدال اسم، بل كان توثيقًا رسميًا للسرقة برعاية دولية، يخدم السردية الإسرائيلية بشكل كامل، وذلك بحسب ورقة بحثية.

وفي الفترة الممتدة ما بين 1946 و1998، تواصلت المحاولات الفلسطينية للحصول على اعتراف العالم عبر الرياضة، وقام الاتحاد الرياضي الفلسطيني بخمس محاولات للانضمام إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم، قوبل كل منها بالرفض، حتى عام 1998.

رغم الاعتراف الذي حصل بعد أكثر من 50 عامًا، إلا أنه لم يُترجم إلى سيادة حقيقية على الأرض. لا يزال الاتحاد الفلسطيني ممثلًا للأندية في قطاع غزة والضفة الغربية فقط، بينما يواصل الاحتلال فرض قيود دائمة ومستمرة على التنقل بين المحافظات الشمالية والجنوبية، ما أدى إلى عمل بطولتين للدوري والكأس في فلسطين تمثلان الضفة وغزة.

وخلال حرب الإبادة ضد قطاع غزة، تحولت ممارسات الاحتلال من الإعاقة اللوجستية إلى الاستهداف المباشر والتدمير الممنهج للحركة الرياضية والبنية التحتية. وأفاد رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب، في نهاية آب/ أغسطس 2025، بأن الرياضة الفلسطينية تعيش كارثة غير مسبوقة بعد فقدها 774 شهيدًا، جراء حرب الإبادة الإسرائيلية.

وأوضح الرجوب حينها أن "إجمالي شهداء الحركة الرياضية والكشفية بلغ 774 شهيدًا، من بينهم 355 شهيدًا من لاعبي كرة القدم، و277 شهيدًا من الاتحادات الرياضية، و142 شهيدًا من الكشافة الفلسطينية، إضافة إلى 119 مفقودًا".

"ميزان أعوج"
كان من أبرز شهداء الرياضة وكرة القدم في غزة لاعب منتخب فلسطين السابق، سلمان العبيد، الذي نعاه الاتحاد الأوروبي في منشور عبر منصة "إكس"، بعدما استشهد بنيران الاحتلال الإسرائيلي، أثناء انتظاره للمساعدات الإنسانية.

وجاء في منشور لـ"يويفا" عبارة: "وداعًا سليمان العبيد، بيليه فلسطين، موهبةٌ أعادت الأملَ إلى قلوبِ أطفالٍ لا يُحصَون، حتى في أحلكِ الأوقات".


وتجاهل المنشور أي ذكر لكيفية استشهاد العبيد، وعدم ذكر أي تفاصيل عن حرب الإبادة المستمرة، التي أودت بحياة أكثر من 70 ألف فلسطيني، بينهم المئات من الأسرة الرياضية، وأكثر من 320 شخصًا في عالم كرة القدم وحده، بين لاعبين ومدربين وإداريين.

وفي أبرز التعليقات على المنشور قال مساعد الذكاء الاصطناعي التابع لشركة "إكس": إنه "وفقًا لتقارير الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ومصادر إخبارية متعددة، قُتل سليمان العبيد برصاص القوات الإسرائيلية في 6 آب/ أغسطس 2025، أثناء انتظاره مساعدات إنسانية في جنوب غزة. ولم تُصدر إسرائيل أي رد فعل محدد على هذه الحادثة".

ورغم عدم اتخاذ الاتحاد الدولي والأوروبي الذي تنتمي له "إسرائيل" (بعدما طُردت من الاتحاد الآسيوي) إجراءات ضد الاحتلال الإسرائيلي بسبب حرب الإبادة، إلا أن تعامله كان مختلفًا في قضية روسيا وأوكرانيا. فقد بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، في تصعيد كبير للحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في عام 2014، وبعد ذلك بأربعة أيام فقط بدأت عقوبات "الفيفا" والاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" ضد روسيا.

قصة طرد "إسرائيل" من الاتحاد الآسيوي: متى ضحى العرب بكأس العالم رفضًا للتطبيع وما هي قصة "طرد الاحتلال من آسيا"؟

وتضمنت العقوبات استبعاد "الفيفا" لروسيا من كأس العالم، مع إعلان إيقاف كل المنتخبات الروسية الوطنية وأنديتها "حتى إشعار آخر"، وذلك في بيان مشترك مع "اليويفا".

وبناءً على هذا القرار، لم يتمكن منتخب روسيا من خوض الملحق المؤهل إلى مونديال قطر 2022 ضد بولندا، كما لم يتمكن منتخب السيدات أيضًا من المشاركة في كأس أوروبا الذي أقيم في إنجلترا في تموز/ يوليو من العام نفسه.


إلى جانب ذلك، تم إقصاء نادي سبارتاك موسكو، الممثل الوحيد لروسيا في المسابقات الأوروبية، وتحديدًا من الدوري الأوروبي "يوروبا ليغ".

وتضمن البيان المشترك أن "كرة القدم هنا متضامنة ومساندة كليًا لجميع الأشخاص المتضررين في أوكرانيا. يأمل الرئيسان (للفيفا واليويفا) في أن يتحسن الوضع في أوكرانيا بطريقة جدية وسريعة، من أجل أن تكون كرة القدم مجددًا عامل وحدة وسلام بين الشعوب".


وفي ذات اليوم، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية في بيان، أنه "من أجل حماية نزاهة المسابقات الرياضية العالمية، ومن أجل سلامة جميع المشاركين، توصي اللجنة الأولمبية الدولية الاتحادات الرياضية الدولية ومنظمي الأحداث الرياضية بعدم دعوة أو السماح بمشاركة الرياضيين والمسؤولين الروس والبيلاروس في المسابقات الدولية".

اظهار أخبار متعلقة


وبخصوص وسام الاستحقاق الأولمبي الممنوح لبوتين، قالت اللجنة الأولمبية الدولية في بيان: "إن المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية، بناءً على الظروف الاستثنائية للوضع، وبالنظر إلى الانتهاك الخطير للغاية للهدنة الأولمبية والانتهاكات الأخرى للميثاق الأولمبي من قبل الحكومة الروسية في الماضي، اتخذ قرارًا بسحب وسام الاستحقاق الأولمبي من جميع الأشخاص الذين يشغلون حاليًا وظيفة مهمة في حكومة الاتحاد الروسي".


ونتيجة هذه القرارات المستمرة حتى الآن، ومَنعت روسيا من المشاركة في مختلف البطولات، وأبرزها بطولة أمم أوروبا التي أقيمت في ألمانيا 2024، أصبحت البلاد في عزلة كروية ورياضية تامة.

وجاءت كل هذه العقوبات لتُضاف إلى التدابير الحالية المفروضة على روسيا منذ عام 2014، بعد ضم شبه جزيرة القرم، وعدم تنفيذ اتفاقيات مينسك.
التعليقات (0)