قضايا وآراء

هات حَسَنَة وأنا سيدك!

أحمد عبد العزيز
"أسلوب أقرب إلى الابتزاز أو التوبيخ"- جيتي
"أسلوب أقرب إلى الابتزاز أو التوبيخ"- جيتي
مواضيع عديدة تزاحمت في رأسي، عندما شرعت في الكتابة، وآخرها عنوان المقال!

مصر الاسكندنافية!

تصريح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس وزراء الجنرال المنقلب ياسر جلال الذي إذا قرأته دون صورته، خُيِّل إليك أنك تقرأ تصريحا لرئيس وزراء إحدى الدول الاسكندنافية التي ترفل في السندس والإستبرق، ولا تتناول إلا "الأورجانيك" من الطعام!

"لقد أثبتت الدولة المصرية، منذ 30 يونيو، أنها دولة الحماية التي لا تدخر جهدا؛ لصون مواطنيها من الوقوع في براثن الفقر والعوز.. مصر لم تترك مواطنيها في العراء أمام موجات التضخم"..

"دولة الحماية".. "صون مواطنيها من الوقوع في براثن الفقر والعوز".. " لم تترك مواطنيها في العراء أمام موجات التضخم".. إنجازات عظيمة لا ينكرها ولا يجحدها إلا "أهل الشر".. والدليل على صدق مدبولي أن أكثر من ثلثي الشعب المصري باتوا تحت خط الفقر، والثلث الثالث (إلا مليونا) يكافحون لئلا يلحقوا بالثلثين!

"أكثر من 66 في المئة يعيشون تحت خط الفقر.. تقرير حديث للبنك الدولي يكشف ارتفاع معدل الفقر في مصر من 29.7 في المئة في 2019، إلى 33.5 في المئة في 2021، بحسب مقياس تعادل القوة الشرائية".. (نقلا عن الجزيرة- مصر).

الجدير بالذكر أن تعداد المصريين بلغ 110 ملايين نسمة.. احسب سعادتك مع نفسك كده، كم عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر، والذين يكافحون لئلا يلحقوا بهم.. وخلِّي المليون اللي واكلها والعة على جنب!

كذب.. بجاحة.. استخفاف.. اطمئنان مزيف ناشئ عن تسليم الناس بالأمر الواقع، أو "استسلامهم" لعجزهم عن إحداث تغيير بات حتميا!

الانقلاب عبر الصندوق!

"جماعة الإخوان نفَّذت أكبر وأخطر الانقلابات في مصر، وهو الانقلاب عبر الصندوق"!

هذا ليس قول حشاش أذهبت المخدرات عقله، على حصيرة قذرة في "غُرزة" بلدي.. ولا قول جاهل يظن نفسه سياسيا بين جهلاء أكثر منه جهلا.. ولا قول مُهرِّج أراد أن يطلق نكتة؛ لإنعاش الجمهور.. إنه قول شخص يحمل شهادة الدكتوراة في العلوم السياسية، ويرأس هيئة الاستعلامات المصرية المنوط بها التعامل مع الإعلام الخارجي، ورفع وعي الجماهير في الداخل، عبر حملات مدروسة بعناية! إنه "الدكتور" ضياء رشوان، الباحث، والمؤلف، والسياسي، ومقدم البرامج التلفزيونية، وحاجات تانية كتير!

"انقلاب عبر الصندوق"! مبلغ علمي أن التخطيط للانقلاب لا يكون إلا سرا (تآمر وخيانة يعني).. أما أن تدعو الهيئة العامة للانتخابات شعبا إلى الانقلاب على السلطة عبر صناديق الانتخاب، فهذا ما لم أسمع به إلا من الباحث المؤلف السياسي مقدم البرامج التلفزيونية رئيس هيئة الاستعلامات "الدكتور" ضياء رشوان!

إذا كان الإخوان "نفَّذوا انقلابا عبر الصندوق"، يا ضياء، فالحلف الصهيو-أعرابي نفَّذ انقلابا على هذا "الانقلاب"، عبر الجيش المصري العظيم، وزاد فحرَق الصندوق كمان! يا ريت كان فِضل "السندوء"، يا ضياء، وأي فريق يقدر يعمل انقلاب كل أربع سنين يتفضل!

إهانة للعقول، إهانة للعلم.. احتقار للمتلقي.. لكن "يعمل إيه التعليم في وطن ضايع"؟ زي ما قال طبيب الفلاسفة ياسر جلال!

"الإخوان اخترعوا الشماتة"!

هذا ما قاله عمرو أديب الإعلامي ذائع الصيت جدا أوي خالص، وأضاف: "لو أنا مت دي الوقت، هيشمتوا فيّا"!

لا أعرف من أين يأتي هؤلاء بكل هذه "البجاحة"، ولا أدري كيف يتعايشون مع جهلهم وجهالتهم بهذا القدر اللامحدود من الرضى عن النفس!

الإخوان لم يخترعوا الشماتة يا عمرو! ألم يبلغك قوله تعالى: "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"؟ ولما نقول: "قوله تعالى"، يعني هذا الكلام "قرآن"، يا عمرو، وليس اقتباسا من رسائل حسن البنا، ولا من ظلال سيد قطب!

-"فَقُطِعَ دَابِرُ.."= هلاك.. موت.. ذهاب بلا رجعة..

- "الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا..".. هذا وصف الله تعالى لمن يظلم، ويعلم أنه يظلم، ويصر على ظلمه حتى يهلك..

فهل كان قاضي الإعدامات شعبان الشامي عادلا يا عمرو؟! وإذا كان عادلا، فهل كل هذه الملايين التي تلعنه وتنعته بالظالم عميان وأغبياء، وأنت الوحيد اللي مفتَّح وذكي؟!

- "وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ..".. لماذا أتبع الله تعالى هلاك الظالمين بالثناء على نفسه؟ لأن هلاك الظالم المُصر على ظلمه، المُصَعِّر لملك الملوك خَدّه، راحة للمضطهَد الذي لا يملك دفع الاضطهاد عن نفسه وأهله.. وهذا هو الخير الوافر.. وهذه هي أعظم مواساة للمظلومين في الدنيا..

فكيف لا يُشكر اللهُ العادلُ على عدله الذي يتجلى في عقابه الظالمَ، أثناء انتزاع روحه انتزاعا، وقبل دفنه؟ وكيف لا يُشكر اللهُ اللطيفُ على لطفه بأن أزاح الشر من حياة المستضعفين؟ وكيف لا يُشكر اللهُ الحنَّانُ على جميل عطفه ومواساته للمظلومين المكلومين؟

اعلم أن الله تعالى هو الذي شرع لنا الشماتة في هلاك الظالمين، بل وعلمنا كيف نشمت.. ذلك، بأن نحمده سبحانه على هلاكهم: "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".

"وأنا لو مت"! لو مت! وهل عندك شك في إنك هتموت يا عمرو؟ أكيد هتموت.. كن على يقين من هذا.

هات حَسَنَة وأنا سيدك!

هذا هو عنوان جولة ترامب الخليجية! وهو وصف مصري لحال وسلوك ذلك المتسول المتكبر "عديم الذوق" الذي يطلب الحَسنة من المحسن بأسلوب أقرب إلى الابتزاز أو التوبيخ: احمد ربك؛ لأني سمحت لك تمد لي إيدك بحَسَنة.. آه.. أنا مبخدش (لا آخذ) حسنة من أي حد.. صحيح.. بتكلم جد..

شكر ترامب قطر على هديتها الثمينة له (طائرة فاخرة ثمنها 400 مليون دولار).. شكرها على طريقة المتسول المتكبر عديم الذوق، قبل بدء جولته: "هذه البلاد (دول الخليج) تتمتع بحمياتنا، ولولا الحماية الأمريكية لما كان لهذه الدول وجود اليوم"!

هكذا كان رد ترامب على "حسنة" قطر"، وعلى "حسنة" السعودية (تريليون دولار)، وعلى "حسنة" الإمارات (أكثر من تريليون دولار) تحت عنوان "الاستثمار"، وفي نظر "الخبثاء" ليست "حسنة"، وإنما "جزية" مقابل الحماية!

هكذا بِتنا نؤدي "الجزية" للروم، بعد أن كان الروم يؤدونها لنا، مع الفرق الهائل.. إذ لم أقرأ في التاريخ ما يفيد أن أمراء المسلمين تعاملوا مع الروم على طريقة "هات حسنة وأنا سيدك"! بل كان المسلمون يعتبرون حماية الروم "واجبا شرعيا" مقابل هذه الجزية، وكانوا يقابلونها (الجزية) بالعدل والإحسان، لا بالمَنِّ والأذى!

إن ما نحن فيه اليوم من ذُل وصَغار، ما هو إلا نتيجة طبيعية ومنطقية لسلوك الأمة الجمعي (حكاما ومحكومين).. كل منا "طاغية" في موقعه.. الأب في بيته، والسيدة مع الخادمة، والمدير في المدرسة، والمدرس مع الطلبة، والضابط مع المواطن، والوزير مع معاونيه، والرئيس أو الملك مع الوزراء.. فلا غرابة في أن يرسل الله من يطغى علينا، ويُخضع أعناقنا، وينهب أموالنا، ونحن له شاكرون..

في قلب هذا الطغيان، فار التنور، وكان الطوفان..

وهذا حديث آخر..

x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
التعليقات (0)

خبر عاجل