قضايا وآراء

دماء الأطفال الفلسطينيين في ميزان السياسة الدولية!

محمد عماد صابر
"ما نراه اليوم هو جريمة إبادة موثقة، تُرتكب أمام عدسات الكاميرات"- جيتي
"ما نراه اليوم هو جريمة إبادة موثقة، تُرتكب أمام عدسات الكاميرات"- جيتي
لم يعد ما يحدث في غزة مجرد حربٍ أو عملية عسكرية، بل هو جريمة مستمرة بموافقة دولية، تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم، تحت حماية دبلوماسية، وبأدوات تمويل وتسليح غربية. ومع استمرار المجازر، وتعاظم أرقام القتلى من الأطفال والنساء، لا يبدو أن العالم ينوي الضغط الجدي على إسرائيل، بل على العكس، يتحرك باتجاه شرعنة القتل وشيطنة الضحية.

ومع تصاعد الأصوات الأوروبية المطالبة بوقف إطلاق النار ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب، خرجت فجأة إلى الواجهة حادثة مقتل "دبلوماسيين أجانب"، وبدأ الإعلام الغربي، كعادته، في توظيف الحادثة لخدمة الرواية الإسرائيلية. دون تحقق أو أدلة واضحة، بدأت الحناجر تعلو من جديد: "إسرائيل تحت التهديد"، و"الكيان في خطر"، وكأن العشرات من أطفال غزة الذين يقتلون يوميا لم يكن لهم وجود.

هذه الحادثة استُغلت بدقة لتغيير مسار النقاش الدولي، فبدلا من الحديث عن الجرائم اليومية في غزة، بات العالم مشغولا بملاحقة "المتورطين في الحادث"، وتراجع الحديث عن المساعدات الإنسانية، بل وتوقف الضغط الدبلوماسي لبعض الوقت. لقد كانت هذه الحادثة بمثابة طوق نجاة سياسي لإسرائيل، كي تفلت مؤقتا من لحظة المساءلة الأوروبية.

في خضم هذه الفوضى، أصدرت لجنة فرنسية ما قُدم على أنه "تقرير مستقل" يهاجم جماعة الإخوان المسلمين، ويتهمها بمعاداة السامية، والتطرف. ولأن توقيت التقرير لا يمكن فصله عن السياق السياسي، فإنه بدا كمحاولة واضحة لتقويض أي دعم شعبي أو مدني للقضية الفلسطينية

بل في خضم هذه الفوضى، أصدرت لجنة فرنسية ما قُدم على أنه "تقرير مستقل" يهاجم جماعة الإخوان المسلمين، ويتهمها بمعاداة السامية، والتطرف. ولأن توقيت التقرير لا يمكن فصله عن السياق السياسي، فإنه بدا كمحاولة واضحة لتقويض أي دعم شعبي أو مدني للقضية الفلسطينية، خاصة في فرنسا التي شهدت موجات احتجاج ضخمة ضد المجازر في غزة.

التقرير لم يتحدث عن الإبادة، ولا عن منع المساعدات، ولا عن قتل الأطفال، بل ركز على تصوير الإخوان -كأكبر حركات المقاومة المدنية- كتهديد داخلي للغرب، في مسعى لخلط الأوراق، وتحويل قضية فلسطين إلى ملف أمني محلي يخص مكافحة الإرهاب. وهكذا، صار الدفاع عن غزة تهمة، وصار الصمت عن القتل فضيلة سياسية.

الصمت الغربي جريمة مكتملة الأركان.. والمساعدات الانسانية سلاح في يد القاتل

في القانون الدولي، يُعد التواطؤ في جرائم الحرب، سواء بالصمت أو المساعدة اللوجستية أو الاستخباراتية أو المالية، جريمة بحد ذاتها. وبناء على تقارير منظمة العفو الدولية (Amnesty International) وهيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch)، فإن ما تقوم به إسرائيل من تدمير منهجي للبنية التحتية، واستهداف المدنيين، ومنع دخول المساعدات، يرقى إلى جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية.

وإذا كان القانون واضحا، فإن المواقف الغربية أكثر وضوحا في التناقض، فالدول التي تصدر يوميا بيانات "قلق" و"دعوات للتهدئة"، هي ذاتها التي تبيع السلاح، وتوفر الغطاء السياسي في الأمم المتحدة، وتمنع صدور قرارات دولية ملزمة. هذا الصمت ليس بريئا، هو مشاركة فعلية في الجريمة، عبر التسليح والدعم السياسي والاقتصادي والدبلوماسي.

يقف الغرب مدعيا الحياد، بينما يشارك فعليا في إبادة جماعية عبر التجويع. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما قالته لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة: "التجويع الممنهج يُعد جريمة حرب". إذا، فالصمت عنها مشاركة، والتواطؤ معها جريمة

تمنع إسرائيل دخول المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة منذ شهور، في حصار خانق يشمل حتى الماء والوقود. المنظمات الدولية -ومن بينها برنامج الغذاء العالمي- حذرت من مجاعة وشيكة، خاصة في شمال غزة. ومع ذلك، لا نرى أي تحرك حقيقي لفرض دخول المساعدات، بل تُمنع القوافل وتُقصف الشاحنات، وتُستخدم ورقة الغذاء كسلاح حرب لابتزاز السكان المدنيين.

أمام هذا المشهد، يقف الغرب مدعيا الحياد، بينما يشارك فعليا في إبادة جماعية عبر التجويع. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما قالته لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة: "التجويع الممنهج يُعد جريمة حرب". إذا، فالصمت عنها مشاركة، والتواطؤ معها جريمة.

بين الجريمة والصمت.. أين يقف العالم؟

إن ما نراه اليوم هو جريمة إبادة موثقة، تُرتكب أمام عدسات الكاميرات، وتُبرر تحت شعارات كاذبة عن "حق الدفاع عن النفس"، بينما الضحية تُقتل وتُحاصر وتُتهم في الوقت ذاته بالإرهاب.

لا يقف العالم على الحياد، بل هو طرف فاعل. فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة تموّل وتبرر، وتمنع المساءلة، وتشوه كل من يقاوم أو يدافع عن القضية الفلسطينية. إنهم شركاء حقيقيون، لا مجرد متفرجين.

بكل تأكيد لن يُغفر هذا الصمت، قد تنجح إسرائيل في تأخير العدالة، وقد تتمكن من ترويج سردياتها، لكن الحقيقة لن تُدفن. العالم، بمؤسساته و"حضارته"، سيتحمل وزر هذا الصمت، وستظل غزة شاهدة على لحظة فارقة في التاريخ، حين اختار العالم أن يكون في صف القاتل، وترك الضحية تنزف وحيدة. العالم شريك في الإبادة عندما تصبح دماء الأطفال الفلسطينيين رخيصة في ميزان السياسة الدولية.
التعليقات (0)

خبر عاجل