من على متن طائرته الخاصة، يتنقل المبعوث الأمريكي ستيفن
ويتكوف وحيداً تقريباً، بلا فريق دبلوماسي يُذكر، مستنداً إلى شبكة علاقاته في قطاع العقارات، ومحصناً بثقة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب.
لكن خلف هذه المهمة الدبلوماسية التي يُفترض أنها نبيلة، تتكشف شبكة مصالح تتقاطع فيها السياسة بعالم العملات الرقمية، حيث يتفاوض على صفقات تدر أرباحاً طائلة للعائلة، في ظل تساؤلات متزايدة حول تضارب المصالح، والضبابية التي تكتنف حدود الدور الرسمي والربح الخاص.
وتسلك الكاتبة لويز كالاغان الضوء على هذه القضية في تقريرها الذي نشرته في
مجلة التايمز٬ وترجمه موقع "عربي21"٬ حيث ترصد تفاصيل رحلة ويتكوف الشخصية المجهولة نسبياً التي تحوّلت إلى قناة دبلوماسية مباشرة نحو المكتب البيضاوي٬ مستعرضة التحديات، والاتهامات، والتحولات التي قد تعيد رسم مشهد السياسة الخارجية الأمريكية بعد فوز ترامب بولاية ثانية.
وفي مشهدٍ يُجسد ملامح الدبلوماسية غير التقليدية التي تنتهجها إدارة ترامب الثانية، يظهر ستيف ويتكوف، رجل العقارات الثري والمقرب من الرئيس، كلاعبٍ أساسي في ملفات شديدة التعقيد، تمتد من الحرب الإسرائيلية في
غزة٬ إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، مرورًا ببرنامج إيران النووي.
ويتنقل ويتكوف، البالغ من العمر 68 عامًا، على متن طائرته الخاصة، في مهمات دبلوماسية لا يُصاحبها سوى عدد محدود من المساعدين، مستندًا في كثير من لقاءاته إلى علاقاته التجارية السابقة، دون أن يتمتع بخبرة رسمية في العمل الدبلوماسي.
اظهار أخبار متعلقة
ويُعد ويتكوف من أقدم أصدقاء ترامب في قطاع العقارات بنيويورك، حيث تعود علاقتهما إلى أكثر من أربعة عقود، حين كان محاميًا شابًا، وترامب مطورًا عقاريًا صاعدًا من كوينز. واليوم، أصبح ويتكوف "قناة دبلوماسية شخصية" للرئيس، تتصل مباشرة بالمكتب البيضاوي، بحسب وصف التقرير.
علاقات مع بوتين وصفقات مشبوهة في الشرق الأوسط
ورغم هذا القرب من دوائر القرار، يواجه ويتكوف سيلًا من الانتقادات، أبرزها اتهامات بتمرير الرواية الروسية حول أوكرانيا، وتجاهل البروتوكولات الأمنية في اجتماعاته مع زعماء أجانب.
وفي آذار/ مارس الماضي، قال إن "الأغلبية الساحقة من سكان شرق أوكرانيا يفضلون العيش تحت الحكم الروسي"، وهو تصريح أثار جدلًا واسعًا. كما وُجهت له انتقادات لاستخدامه مترجمًا روسيًا رسميًا خلال اجتماعه مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وقال أحد المستشارين غير الرسميين في ملف السياسة الخارجية للرئيس: "من الجنون أن يدخل ويتكوف اجتماعات مع قادة كإيران وبوتين من دون مساعد، ومن دون إحاطة أمنية. أي رئيس عاقل كان ليُقيله فورًا"، مضيفًا أن استمرار بقائه في منصبه يطرح تساؤلات حول حُسن إدارة هذه الملفات الحساسة.
وفي المقابل، أكد مسؤول كبير في البيت الأبيض أن ويتكوف على تواصل دائم مع أعضاء بارزين في الإدارة، منهم وزير الخارجية ماركو روبيو ونائب الرئيس جيه دي فانس، مؤكدًا أن "إدارة ترامب لا تتبع الأساليب التقليدية، وتسعى إلى التفكير خارج الصندوق".
اظهار أخبار متعلقة
الابن يعقد الصفقات والأب يتفاوض
وفي تطور يُسلط الضوء على تضارب المصالح داخل الإدارة، بدأ زاك ويتكوف، نجل المبعوث الأمريكي، بعقد اجتماعات مع حكومات أجنبية٬ بينما يعقد والده مفاوضات دبلوماسية معها. لكن هدف الابن مختلف، إذ يروج لعملة رقمية أطلقتها عائلته بالشراكة مع عائلة ترامب، وقد تدر مئات الملايين من الدولارات.
ويشير التقرير إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد رفض بنوك كبرى التعاون مع أبناء ترامب في مشاريعهم المالية. وتحوّلت شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال" (WLF)، المملوكة بنسبة 60% لعائلة ترامب، إلى منصة لجمع الأموال من مستثمرين أجانب، تحت شعار "تفكيك قبضة المؤسسات المالية التقليدية". وقدرت تقارير أن الشركة حققت لعائلة الرئيس ما يصل إلى 400 مليون دولار حتى آذاو/مارس الماضي.
وكتب الصحفي جويل بولاك، من موقع بريتبارت المؤيد لترامب، أن ويتكوف يقدم صفقات "ضعيفة" في الشرق الأوسط، منتقدًا صلاته التجارية بالقطريين وتحركات ابنه في تسويق العملة الرقمية، ما قد يفتح الباب لتساؤلات قانونية وأخلاقية.
ماضيه العقاري ومسيرته مع ترامب
لطالما وُصف ويتكوف بأنه شخصية خارجة عن المألوف. فقد اعتاد في شبابه على حمل مسدس، وكان يحتفظ بنسخة من كتاب "اليهود الأقوياء" على مكتبه، وهو عمل أدبي يمجد عصابات نيويورك. وقد بدأ مسيرته بشراء عقارات متداعية في حي واشنطن هايتس، قبل أن يلتقي ترامب، في ليلة متأخرة بأحد مطاعم مانهاتن، ويشتري له شطيرة "لحم خنزير وجبن سويسري"، ما فتح بداية صداقة طويلة الأمد.
وقف ويتكوف إلى جانب ترامب في هزيمته الانتخابية عام 2020، كما دعمه ترامب في لحظات المحنة، لاسيما بعد وفاة ابنه أندرو بجرعة زائدة من الأفيون. ثم أصبح ضمن الدائرة الضيقة للرئيس، حيث يُعتبر من أكثر الشخصيات نفوذًا، وإن كان ذلك في الظل.
اظهار أخبار متعلقة
ويؤكد مقربون من ويتكوف أنه "بارع في تهدئة التوترات"، ويملك قدرة تفاوضية عالية اكتسبها من مسيرته في بناء ناطحات السحاب. وقال المطور العقاري دوناهو بيبلز، الذي يعرفه منذ عام 2011: "بناء الأبراج في نيويورك أمر معقد، ومن يعرف كيف يدير ذلك، يستطيع أن يدير الأزمات السياسية".
اتفاقات كبرى في الخليج وآسيا
وبينما يتصاعد الجدل حول تضارب المصالح، تتكشف تفاصيل جديدة عن علاقات ويتكوف التجارية والسياسية في الخليج وآسيا. فقد عقد الابن زاك صفقة بقيمة ملياري دولار مع شركة حكومية إماراتية يرأسها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، المعروف بلقب "شيخ التجسس"، تتعلق بشراء العملة الرقمية WLF. وبعد أيام، التقى ويتكوف الأب بالشيخ ذاته لمناقشة اتفاقية تتيح للإمارات الوصول إلى شرائح إلكترونية أمريكية متطورة.
كما التقى ويتكوف الابن مسؤولين باكستانيين، بمن فيهم رئيس الوزراء وقادة الجيش، للترويج للعملة الرقمية نفسها، مستندًا إلى دعم ترامب للشركة، وصفته نجل المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي.
البيت الأبيض يدافع
ومع تزايد الشكوك بشأن توظيف المنصب الرسمي لتحقيق مكاسب تجارية، نفت نائبة السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، آنا كيلي، أي صلة لويتكوف بشركة العملات الرقمية، مؤكدة أنه تخلى عن أصوله فيها ولا يؤدي أي دور تشغيلي. وقالت: "هذه الاتهامات تهدف إلى التشويش على إنجازاته، والتي شملت إطلاق سراح أمريكيين من غزة وروسيا".
وختمت كيلي بالقول: "الرئيس ترامب يثق ثقة كبيرة في ستيف، ويفتخر بعمله، وسيراهن عليه دائمًا لتحقيق رؤيته لأميركا أولًا في السياسة الخارجية".