كتاب عربي 21

اليمنيون يفتقدون للعيد وتعز تموت عطشا والحروب العابرة تعد بالمزيد من الخراب

ياسين التميمي
"تمثل مدينة تعز أنموذجا صارخا للمدن الكبيرة العطشى في هذا العالم"- الأناضول
"تمثل مدينة تعز أنموذجا صارخا للمدن الكبيرة العطشى في هذا العالم"- الأناضول
لا شيء أكثر مرارة في اليمن هذه الأيام من العجز عن الشعور بالفرح في أقدس أعياد المسلمين وأعظمها على الإطلاق، عيد الأضحى المبارك.. لا يتعلق الأمر بانسداد الأفق السياسي أو باستمرار التوتر الأمني والاشتباكات المتقطعة وانفجارات الألغام والقنص المميت والاعتقالات فقط، ولكن هناك مظاهر لها علاقة مباشرة بعجز السلطة الشرعية وقوى ما دون الدولة المهيمنة في البلاد، وتتفاقم بشكل مخيف؛ لعل أكثرها خطورة شح المياه الذي يضرب مدينة مليونية مثل مدينة تعز ومحافظة ملاينية مثل محافظة تعز، والفقر الشديد جدا الذي يضرب البلاد كلها.

لقد تحول عيد الأضحى المبارك بالنسبة لسكان مدينة تعز وأجزاء من ريفها إلى جحيم حقيقي، إذ يقضي سكان المدينة ليلهم ونهارهم في طوابير طويلة للحصول على المياه التي يعاني معظمها من الملوحة، واقعين تحت تأثير الحصار المائي الذي تفرضه جماعة الحوثي من خلال سيطرتها على حقلين رئيسيين كانا يزودان المدينة بالمياه قبل العام 2014، والواقعين إلى الشمال منها، وانحسار قدرة الشبكة المغذية لسكان المدينة بالمياه إلى ما دون الـ10 في المائة.

وحتى في الآبار الواقعة تحت سيطرة السلطة المحلية الشرعية للمحافظة يواجه السكان مشكلة في الوصول إليها، نتيجة كلفتها العالية الناجمة عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل صهاريج نقل المياه، في وقت يعاني سكان المدينة من شح مالي كبير نتيجة انقطاع المرتبات منذ نحو شهرين، وعدم كفايتها حتى لو صُرفت للموظفين والمعلمين بانتظام.

مظاهر الفشل العام تهيمن على البلاد، وتتجلى في العجز المخيف في قدرة اليمنيين سياسيا واقتصاديا ومعيشيا، وهو عجز يحول دون تمكنهم من العيش بما يليق بكرامتهم الإنسانية، في ظل استشراء الفوضى، والحروب الوظيفية، وجبروت قوى ما دون الدولة وارتباطاتها السيئة بأجندات خارجية شديدة الخبث والمكر والطوية السيئة تجاه اليمن

تمثل مدينة تعز أنموذجا صارخا للمدن الكبيرة العطشى في هذا العالم، ويزيد من مأساتها أنها تعيش في ظل عجز سياسي واستراتيجي واقتصادي وفقر مائي وضغط سكاني هائل وفقر شديد، كلها صنعت مشكلة بالغة التعقيد لا يمكن حلها إلا عبر توفر تمويل استثماري كبير، يحتاج بالضرورة إلى استنهاض الشرعية ودورها، وحدوث تحول عجزي في سلوك مجلس القيادة الرئاسي ورئيسه، لأنه يدرك أكثر من غيره مأساة تعز التي ينتمي إليها وكان يشغل منصب مدير الأمن فيها حتى العام 2006.

مظاهر الفشل العام تهيمن على البلاد، وتتجلى في العجز المخيف في قدرة اليمنيين سياسيا واقتصاديا ومعيشيا، وهو عجز يحول دون تمكنهم من العيش بما يليق بكرامتهم الإنسانية، في ظل استشراء الفوضى، والحروب الوظيفية، وجبروت قوى ما دون الدولة وارتباطاتها السيئة بأجندات خارجية شديدة الخبث والمكر والطوية السيئة تجاه اليمن ودوره وموقعه ووحدته وقوته الجيوسياسية الكامنة.

أمام هذا الثقل الهائل من المعاناة والدمار المعيشي والعجز الحاد، يبدو أن القوى الخارجية المهينة قررت أخذ قسط طويل من الراحة مستأنسة بحالة الاستسلام المهينة للقوى اليمنية، في حين تفقد الأمم المتحدة فضيلة ترتيب الأولويات في ضمن أجندتها المكلفة ماليا، إذ ينصب اهتمام المنظمة ومبعوثها إلى اليمن ومعهما مجلس الأمن على قضية واحدة يُراد لها أن تصرف الأنظارَ عما سواها، وهي قضية احتجاز الحوثيين لعدد من العاملين في المنظمات الدولية في صنعاء، وهي قضية إنسانية في غاية الأهمية، لكنها تبقى فرعية أمام مظاهر الفشل الذي أصاب الجهد الأممي، وأبقى اليمن وشعبه في وضع أمني واقتصادي ومعيشي لا يمكن احتماله، في وقت تراجعت فيه التمويلات الدولية لجهود الاستجابة للاحتياجات المعيشية الضرورية لليمنيين.

دور الأمم المتحدة ومبعوثها يتراجع بصورة كبيرة، وباتا يقتاتان على فرص الهدوء المتقطعة التي تطل بعد كل هدنة تفرضها واشنطن أو حرب عابرة للحدود

لا نبالغ إذا قلنا إن دور الأمم المتحدة ومبعوثها يتراجع بصورة كبيرة، وباتا يقتاتان على فرص الهدوء المتقطعة التي تطل بعد كل هدنة تفرضها واشنطن أو حرب عابرة للحدود. فبعد توقف الضربات الأمريكية، باشر المبعوث هانس غروندبيرغ في إجراء لقاءات في كل من الرياض ومسقط؛ شملت حتى مسؤولين إيرانيين كانوا متواجدين في العاصمة العمانية، أصدر بعدها بيانات أوحت بأن هذا الحدث سيكون له ما بعده وأن عجلة العمل من أجل العودة إلى خارطة الطريق باتت متاحة الآن.

في تقديري أن هذا الجهد لا معنى له إذا كان يطمح إلى عودة الجميع إلى خارطة الطريق التي فرضها بايدن، وأغرقها بالمنح السخية لجماعة الحوثي على خلفية علاقة متوترة له ولحزبه آنذاك مع القيادة السعودية. وعليه، فإن الأمم المتحدة ومبعوثها يخفيان حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية أوقفت عملا عدائيا واحدا فقط، وأبقت على أعمال عدائية أخرى شديدة التأثير وعلى رأسها العقوبات.

صحيح أن تلك الأعمال موجهة ظاهريا ضد جماعة الحوثي وتخصم من مكاسبها، خصوصا المكاسب التي كانت تنطوي عليها خارطة الطريق على المستويات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، لكن العقوبات يبدو أنها تؤثر في جانبها الاقتصادي والمالي على قطاع واسع من اليمنيين، حتى أولئك الواقعين خارج سيطرة جماعة الحوثيين، ويتجلى ذلك بوضوح في العقيدات التي يواجهها اليمنيون في الداخل والخارج فيما يخص المعاملات المالية والتحويلات.

وثمة حرب مفتوحة طرفها الآخر الكيان الصهيوني الذي تحدث قادته مؤخرا عن توفر معطيات استخبارية ميدانية في اليمن، قد تُبقي عدوان هذا الكيان مفتوحا، ضمن مواجهة استدعتها الحرب الوظيفية للحوثيين.

x.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)