أصبح المرشح الشاب ذو الأصول الهندية زهران
ممداني، 33 عاما، حديث الإعلام الأمريكي والعالمي، بعد ما فاز في الانتخابات التمهيدية للترشح لمنصب
عمدة نيويورك.
ويعود هذا الاهتمام إلى أن ممداني، أول مسلم يترشح لهذا المنصب، كما أنه مُناصر معروف للقضية الفلسطينية منذ أن كان طالبا في الجامعة، والأهم أن خبرته السياسية ليست بمستوى خبرة منافسه.
وبدأ ممداني نشاطه المؤيد لحقوق الفلسطينيين أثناء دراسته الجامعية، حيث ساهم وشارك في إنشاء أول فرع لـ "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، كذلك عُرف عنه معارضته للحرب على
غزة، حيث وصفها بـ"الإبادة الجماعية".
أما عن مواقفه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فهو يُعد أحد وجوه التقدميين في الحزب الديمقراطي الذين يعارضون وينافسون المؤسسة التقليدية في الحزب ويعارضون ايضا ترامب وسياساته خاصة في قضايا الهجرة والأسرة كالإجهاض وغيرها، ويعارضونه أيضا فيما يخص قضية فلسطين.
اظهار أخبار متعلقة
وأكد ترامب هذه الخصومة السياسية حيث هاجم ممداني ووصفه بـ "الشيوعي المتطرف"، ورأى في منشور له على منصته تروث، بأن "الديمقراطيين تجاوزوا الحدود"، مضيفا "فاز زهران ممداني، الشيوعي المهووس تماما، بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وهو في طريقه لمنصب عمدة المدينة".
وتابع ترامب: "سبق لنا أن رأينا يساريين متطرفين، لكن الوضع أصبح سخيفا بعض الشيء. مظهره بشع، صوته مزعج، ليس ذكيا".
الاستياء من ترامب
ويثير هجوم ترامب على ممداني ومعارضة الأخير لسياساته تساؤلات حول ما إذا كان هذا الخلاف في الرؤى السياسية هو ما ساهم في فوز ممداني بهذا الترشيح؟
البروفيسور بيل شنايدر أستاذ السياسة العامة والشؤون العامة والدولية السابق في جامعة جورج ميسن الأمريكية، قال "إن تصويت مدينة نيويورك كان بمثابة انتخابات تمهيدية للحزب الديمقراطي، وكان التصويت مقتصرًا على الديمقراطيين المسجلين فقط".
ويرى شنايدر أن "التصويت لممداني عكس استياءً نشهده بين الديمقراطيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، الديمقراطيون الشباب والأكثر ليبرالية غاضبون من دونالد ترامب، ويريدون من الحزب الديمقراطي أن يُبدي مقاومة أقوى".
وحول ما إذا كان التصويت لممداني سببه مواقفه المؤيدة لفلسطين، قال شنايدر لـ"عربي21"، "كان التصويت التمهيدي مُنصبًا على ترامب أكثر منه على صراع الشرق الأوسط".
اظهار أخبار متعلقة
تحول في هوية الحزب الديمقراطي
الخبير في الشأن الأمريكي، الدكتور أسامة أبو ارشيد، يرى أن "فوز زهران ممداني يدل على أن هناك تحول حتى داخل الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بهويته".
وأوضح أبو ارشيد لـ"عربي21"، أن "الحزب الديمقراطي دائما ما يحاول أن يبقى في الوسط فليس له هوية مميزة، أي لا هو يميني ولا هو يساري بالمعنى الحرفي للكلمة، بالمقابل الحزب الجمهوري يتخندق أكثر في معركة الهويات باتجاه اليمين المتطرف".
ولفت إلى أن "زهران ممداني يُمثل ما يسمون بالاشتراكيين الديمقراطيين وأحد وجوه هذا التيار بيرني ساندرز الذي يدافع عن قضايا العدالة الاجتماعية والاقتصادية ويتبناها مثل العدالة بالسكن والتأمين الصحي والدخل، وغيرها".
وتابع، "هذه الأمور أصبحت تكسب الآن مزيدا من الزخم داخل الحزب الديمقراطي الذي يرى بأن اتباع الخط الوسطي ليس بالضرورة هو المنهج السليم في مواجهة تيار أو حزب يميل أكثر نحو اليمين المتطرف، هذا فيما يتعلق بالإطار العام، بالطبع هناك قضايا أخرى مرتبطة بالفضائح الجنسية وغيرها عند منافسه أندرو كومو عندما كان حاكما لولاية نيويورك".
وأشار إلى أن "التصويت لممداني هو عقاب بالدرجة الأولى للمؤسسة التقليدية داخل الحزب الديمقراطي، وبالدرجة الثانية ردة فعل على
سياسات ترامب من حيث التحول نحو اليمين أكثر".
اظهار أخبار متعلقة
الموقف من القضية الفلسطينية
ويعتبر زهران ممداني من الديمقراطيين المؤيدين للفلسطينيين والمعارضين للحرب على قطاع غزة، والتي وصفها بـ"الإبادة الجماعية"، كما أنه انتقد رئيس وزراء الاحتلال في بداية الحرب في أكتوبر 2023.
وقال ممداني حينما كان عضو في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك في بيان رسمي نشره على حسابه الشخص بمنصة "إكس" في 8 تشرين أول/ أكتوبر 2023، "أُعرب عن حزني على مئات القتلى في أنحاء إسرائيل وفلسطين خلال الـ 36 ساعة الماضية".
ورأى ممداني في بيانه أن "إعلان نتنياهو الحرب، وقرار الحكومة الإسرائيلية بقطع الكهرباء عن غزة، ودعوة أعضاء الكنيست إلى نكبة أخرى، ستؤدي بلا شك إلى المزيد من العنف والمعاناة في الأيام والأسابيع القادمة".
وأكد أنه "لا يمكن أن يبدأ الطريق نحو سلام عادل ودائم إلا بإنهاء الاحتلال وتفكيك نظام الفصل العنصري".
كذلك من مواقفه السابقة في هذا الشأن قبل دخوله معترك السياسة، نشره مقالا في سنته الجامعية الأخيرة خلال دراسته في كلية بودوين 2014، طالب فيه بمقاطعة "إسرائيل" أكاديميا.
وقال ممداني في
مقاله، إن "جمعية الدراسات الأمريكية، وهي مجموعة من الأكاديميين المتخصصين في الثقافة والتاريخ الأمريكي، قررت مؤخرًا تلبية نداء المجتمع المدني الفلسطيني لمقاطعة المؤسسات الإسرائيلية".
وأوضح أن "هذه المقاطعة الأكاديمية والثقافية تهدف إلى تسليط الضوء على أفعال الحكومة الإسرائيلية، والضغط على المؤسسات الإسرائيلية لإنهاء الاحتلال القمعي والسياسات العنصرية داخل إسرائيل وفلسطين المحتلة على حد سواء".
وأثار هذا المقال في ذلك الوقت حفيظة وغضب رئيس الكلية باري ميلز والذي رد عليه ببيان مضاد ورافض لبيانه، قال فيه، "بدلاً من خنق النقاش والتبادل الحر للأفكار، تسعى بودوين إلى خدمة الصالح العام من خلال التفاعل والتعاون المباشر والمفتوح مع الباحثين والعلماء والمعلمين والفنانين حول العالم".
وبعد فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية تفاعل عدد من المغردين العرب معه، ورأوا أن هذا الفوز يعكس تحول واضح تجاه القضية الفلسطينية وزيادة التعاطف ودعم الشعب الفلسطيني، على الرغم من وجود جالية يهودية كبيرة في المدينة.
ويبلغ عدد اليهود في نيويورك تقريبا مليون و700 ألف ويشكلون 8.8 في المئة من السكان، بالمقابل يبلغ عدد المسلمين حوالي مليون نسمة، علما أن عدد سكان نيويورك تقريبا 8 ملايين نسمة.
واعتبر المغردون فوز ممداني للترشح لمنصب عمدة المدينة حتى لو لم يفز في النهاية بالمنصب فإنه يشير لتغيير في المزاج العام الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية.
حيث قال أحد المغردين "ترشيحه يُعدّ إشارة قوية على تغيّر المزاج الشعبي الأمريكي تجاه إسرائيل، وصرخة احتجاج ضد احتكار الصهاينة لمفاصل السياسة والإعلام".
ويثير تزامن فوزه مع بروز مواقفه المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني ومعارضة لحرب الإبادة في قطاع غزة، تساؤلات حول ما إذا كان هناك دور لهذه المواقف في فوزه؟ وهل كان هناك دور لما اعتبره المغردون تحولا في الرأي العام الأمريكي تجاه الصراع العربي الإسرائيلي؟
البروفيسور بول كويرك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا البريطانية، قال "لم أطلع على استطلاعات رأي حديثة، لكنني لست على علم بأي تحول في الرأي العام الأمريكي تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وتابع كويرك في حديث خاص لـ"عربي21"، "على أي حال، في حين أن نيويورك تضم أكبر عدد من اليهود في البلاد، فإن معظم الديمقراطيين في نيويورك ليسوا يهودًا أو مؤيدين لإسرائيل بشكل خاص، وهم تقدميون بشكل عام - خاصة أولئك الذين يصوتون في الانتخابات التمهيدية (التي تشهد إقبالًا أقل)".
وأوضح أن خصم زهران ممداني وهو الحاكم السابق، أندرو كومو، "كان قد عانى من فضائح خطيرة، وكان ممداني قائدًا فعالًا وجذابًا في حملته الانتخابية".
من جهته قال الخبير في الشأن الأمريكي، الدكتور أسامة أبو ارشيد، إنه "لا شك أن هناك تركز لليهود في مدينة نيويورك، لكن هذا لا يعني أنهم أغلبية، كذلك المجتمع اليهودي هناك ليس وحدة واحدة ومتماسكة حتى في الموقف من إسرائيل، ولو أن الغالبية منهم مؤيدة لها".
اظهار أخبار متعلقة
ولفت إلى أن "المهم هنا أن الحزب الديمقراطي يشهد تحولات جوهرية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية منذ أكثر من عقد، واستطلاعات الرأي الأخيرة تُظهر أن هناك أغلبية وازنة داخل الحزب أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين منها مع الإسرائيليين، أو أنها يمكن أن تُقرأ باتجاه أخر أنهم أكثر نقدا لإسرائيل من متوسط الرأي العام الأمريكي ككل".
ويرى أبو ارشيد أن "نجاح شخص معروف في مواقفه المؤيدة لفلسطين والذي كان أحد الطلاب الذين أنشأوا أحد فروع (طلاب من أجل العدالة في فلسطين) في جامعته، هذا يعطينا مؤشر عن التحولات داخل الحزب الديمقراطي ومؤشر عن تزايد النظرة السلبية نحو إسرائيل".
وتابع، "بالمقابل نفس الاستطلاعات أظهرت انخفاض التأييد لإسرائيل في الرأي العام الأمريكي، أكثر من 55 في المئة الآن ينظرون بسلبية لإسرائيل في داخل المجتمع الأمريكي".
وأضاف، "وحتى داخل الحزب الجمهوري هناك زيادة في نسبة الذين ينظرون بسلبية لإسرائيل، وبالتالي هذا كله يدل على أن هناك تحول في المزاج داخل الحزب الديمقراطي بالدرجة الأول وتحول في المزاج العام الأمريكي، وبدرجة أقل داخل الحزب الجمهوري، هذا كله ساهم في أن لا تصبح مواقفه المؤيدة لفلسطين سببا لهزيمته داخل الانتخابات التمهيدية في الحزب".