كتاب عربي 21

هل تغير موقف إيران من أذربيجان وممر زنغزور؟

إسماعيل ياشا
"إلى أي مدى تمثل تصريحات بزشكيان الموقف الرسمي لطهران؟"- إسنا
"إلى أي مدى تمثل تصريحات بزشكيان الموقف الرسمي لطهران؟"- إسنا
قام رئيس الجمهورية الإيراني مسعود بزشكيان، في نهاية الأسبوع الماضي، بزيارة لباكستان، في إطار تعزيز علاقات بلاده السياسية والاقتصادية مع جيرانها. وأعلن في ختام زيارته عن بدء فصل جديد في العلاقات الدبلوماسية بين طهران وإسلام آباد. وكان الرئيس الإيراني زار قبل ذلك أذربيجان في الرابع من تموز/ يوليو الماضي، للمشاركة في القمة الـ16 لمنظمة التعاون الاقتصادي "إيكو"، وأكد قبيل تلك الزيارة التي كانت الخارجية الأولى له بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة، أن زيادة التعاون والتنسيق بين دول المنطقة سيقلل طموحات الأعداء في إحداث الفوضى والاضطراب.

بزشكيان انتقد، قبل أيام، النظرة السلبية السائدة في بلاده تجاه أذربيجان، ووصف، خلال مشاركته في اجتماع مجلس التخطيط بمحافظة زنجان، الأذربيجانيين بـ"الأقرباء"، كما اعتبر عدم تأسيس علاقات سليمة مع "أشقائهم" الأذربيجانيين وترك أذربيجان لنفوذ إسرائيل خطأ.
العلاقات الإيرانية الأذربيجانية كثيرا ما تشهد توترات، وتتهم طهران باكو بالتواطؤ مع إسرائيل، فيما تتهم الثانيةُ الأولى بالتدخل في شؤونها الداخلية. كما أن إيران كانت تعارض بشدة مشروع ممر زنغزور، وتعتبره تغييرا للحدود الإيرانية الأرمينية وتهديدا للأمن القومي الإيراني
كما ذكر في حديثه إلى مسؤولين في وزارة الخارجية الإيرانية، أنه لا داعي للخوف والقلق من مسائل مثل الممر الذي سيعبر من حدود إيران الشمالية الغربية، في إشارة إلى ممر زنغزور الذي سيربط إقليم نخجوان بأذربيجان عبر الأراضي الأرمينية.

العلاقات الإيرانية الأذربيجانية كثيرا ما تشهد توترات، وتتهم طهران باكو بالتواطؤ مع إسرائيل، فيما تتهم الثانيةُ الأولى بالتدخل في شؤونها الداخلية. كما أن إيران كانت تعارض بشدة مشروع ممر زنغزور، وتعتبره تغييرا للحدود الإيرانية الأرمينية وتهديدا للأمن القومي الإيراني، وتقول إنها لن تسمح أبدا بإنشاء الممر الاستراتيجي. ولذلك، أثارت تصريحات بزشكيان الأخيرة تساؤلات حول آخر موقف طهران من هذا الملف وحقيقة رغبتها في تعزيز علاقاتها مع باكو.

تصريحات الرئيس الإيراني تشير إلى أن الرجل يدرك تماما أن الظروف الدولية والإقليمية ليست لصالح طهران، وأن إيران بعد الضربات الموجعة التي تلقتها في الحرب الأخيرة، بحاجة ماسة إلى تعزيز علاقاتها السياسية مع جيرانها في إطار حسن الجوار والمصالح المشتركة، إضافة إلى تخفيف المخاوف من تمدد النفوذ الإيراني، بدلا من تعميق الأزمات في محيطها، وسط توقعات بتصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة من جديد واحتمال استئناف الحرب الإيرانية الإسرائيلية. كما تحتاج طهران إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع جيرانها استعدادا لاحتمال عودة العقوبات الدولية عليها.

ممر زنغزور مشروع اقتصادي استراتيجي يحظى بضوء أخضر من روسيا، كما أن الاهتمام الأمريكي به يزداد يوما بعد يوم. واقترح سفير الولايات المتحدة لدى أنقرة، توم باراك، تولي شركة أمنية أمريكية مهمة الإشراف على الممر، إلا أن دول المنطقة، على رأسها أذربيجان ترفض هذه الفكرة. وترى باكو أن الممر يجب أن يكون تحت سيادة أذربيجانية خالصة، وأن البضائع يجب أن تمر منه بحرية دون وجود رقابة أو جمارك. وأكد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، في منتدى شوشا الإعلامي الشهر الماضي، أن بلاده ستنفذ ممر زنغزور دون أي تردد.

تعكس تصريحات الرئيس الإيراني شعور الرجل بأن طهران لن تستطيع أن تحول دون إنشاء ممر زنغزور في الظروف الراهنة، وأنه من الأفضل لها أن تنضم إلى المشاريع الإقليمية لتستفيد منها، مثل ممر زنغزور وطريق التنمية الذي سيربط ميناء الفاو الكبير العراقي بأوروبا عبر الأراضي التركية، بدلا من الغرق في محاولات يائسة لعرقلة تلك المشاريع

أرمينيا هي الأخرى لا تمانع في إنشاء ممر زنغزور، وترى أنه في صالحها، كما صرح رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، خلال زيارته لتركيا في حزيران/ يونيو الماضي. ولفت باشينيان في اجتماعه مع ممثلي الأقلية الأرمينية في إسطنبول، إلى رغبة جميع الدول في عبور الممرات التجارية من أراضيها، وأضاف قائلا: "إن كانوا يريدون العبور من أراضي جمهورية أرمينيا فليعبروا". وبالتالي، تبقى إيران وحيدة في رفض المشروع.

وتعكس تصريحات الرئيس الإيراني شعور الرجل بأن طهران لن تستطيع أن تحول دون إنشاء ممر زنغزور في الظروف الراهنة، وأنه من الأفضل لها أن تنضم إلى المشاريع الإقليمية لتستفيد منها، مثل ممر زنغزور وطريق التنمية الذي سيربط ميناء الفاو الكبير العراقي بأوروبا عبر الأراضي التركية، بدلا من الغرق في محاولات يائسة لعرقلة تلك المشاريع.

تصريحات بزشكيان حول العلاقات مع باكستان وأذربيجان وممر زنغزور تعتمد على القراءة البراغماتية لوضع إيران الحالي بعد خروجها من سوريا. ومن المؤكد أن طهران بحاجة إلى إعادة النظر في سياستها الخارجية وعلاقاتها مع جيرانها، وأن هذا التوجه الذي تعكسه تصريحات الرئيس الإيراني الأخيرة، لصالح أمن المنطقة واستقرارها، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: "إلى أي مدى تمثل تلك التصريحات الموقف الرسمي لطهران؟"، لأن السياسة الإيرانية يرسمها المرشد الأعلى علي خامنئي، وليس رئيس الجمهورية وحكومته. ومن المتوقع أن تصطدم براغماتية بزشكيان بقراءة خامنئي الأيديولوجية للتطورات، في ظل اعتقاد المحافظين بأن طهران ما زالت قادرة على إفشال مشروع ممر زنغزور، وانزعاجهم من تصريحاته التي يقولون بأنها تنم عن عدم إدراك خطورة المحاولات التي تهدف إلى محاصرة إيران وإضعافها. وبالتالي، لا يمكن الجزم حاليا بتغيير طهران موقفها من أذربيجان وممر زنغزور.

x.com/ismail_yasa
التعليقات (0)