مقالات مختارة

تل أبيب وقعت في المحظور

بلال التليدي
إكس
إكس
الهجوم الذي شنته إسرائيل على قادة حماس بالعاصمة القطرية الدوحة ترك وراءه أسئلة كثيرة، وفتح سيناريوهات يصعب معها القول باستقرار قواعد اللعب الدولية السابقة، وإمكان أن يتم استئناف المفاوضات من جديد بوساطة قطرية مصرية.

الكثيرون تساءلوا عن خلفية هذا الهجوم، وما الدواعي التي جعلت تل أبيب تقدم على هذا الفعل المتهور الذي لا يخدم بأي حال لا مصلحتها الاستراتيجية ولا مصلحة حليفها الأبدي الولايات المتحدة الأمريكية.

الخطاب الإسرائيلي الرسمي، مرتبك ولا يقدم أي جواب، سوى ما كان من مفردات إيديولوجية دينية، تتحدث عن مطاردة أعداء إسرائيل وملاحقتهم أينما كانوا، بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ذهب بعيدا في تهديده للدوحة، وطالب قيادتها بتسليم قادة حماس أو محاكمتهم أو تعريض قطر للانتقام الإسرائيلي.

لغة القانون الدولي، والسياسة الدولية، تقول بأن قطر إلى جانب مصر، كانتا تقومان بوساطة من أجل تيسير التفاوض بين إسرائيل وحماس لوقف الحرب على غزة، وكانت إسرائيل طرفا في جهود التسوية، وأرسلت أكثر من مرة وفدها للمشاركة في المفاوضات التي كانت تجري في الدوحة، ومكتب حماس موجود في الدوحة بموافقة أمريكية من أجل تيسير التفاوض مع دولة الاحتلال، تماما كما كان الأمر بالنسبة لطالبان، التي لعبت قطر دورا أساسيا في الوساطة بينهم وبين واشنطن من أجل التوصل إلى اتفاق يقضي بانسحاب آمن للقوات الأمريكية من أفغانستان.

لغة الديناميات السياسية والدبلوماسية تقول إن قطر كانت تباشر الوساطة بناء على مقترح جديد قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد أن تعنتت تل أبيب، وخرقت الاتفاقات السابقة، ولم تقدم جوابها إلى الآن عن مقترح الوسطاء الذي وافقت عليه حماس، وأن قطر دعت وفد حماس للاجتماع على أرض الدوحة من أجل التشاور حول المقترح الأمريكي الذي تصب نقاطه الأساسية في مصلحة تل أبيب، أي أن واشنطن قدمت بهذا المقترح دعما سياسيا لإسرائيل وفي الآن ذاته منحتها مخرجا بسبب عدم إجابتها عن مقترح الوسطاء، ومع ذلك قامت تل أبيب باستهداف وفد حماس بقطر في ضرب لكل القواعد الدولية والدبلوماسية والأخلاقية.

سؤال تحليل السلوك الإسرائيلي لا يجد جوابا في لغة القانون الدولي ولا حتى في لغة الديناميات السياسية والدبلوماسية، ولذلك جنح البعض إلى القول بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي أراد بالهجوم على قطر قتل المسار التفاوضي بالمطلق حتى لا يبقي على الطاولة إلا خيارا واحدا هو الحرب التي مؤداها مخطط التهجير.

لا أميل إلى هذا الاستنتاج الذي يدعمه البعض بتحليل الحالة السيكولوجية التي أضحى عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، فالعقل الإسرائيلي، حتى في حالة رد الفعل الجنوني، لا يُعدم الخيارات، خاصة وهو يعلم أن واشنطن هي المنجدة حين تُحاصَر تل أبيب ولا تجد مخرجا، ويدرك أن علاقة الدوحة بواشنطن، والدور الذي تقوم به قطر، يجعل من استهدافها بهذا الشكل محاولة جنونية بإعدام خيارات الضرورة.

في تقديري تفسير السلوك السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستدعي الرجوع إلى التطورات السابقة، والتي وضعته في مأزق حقيقي تجاه الأمن القومي الإسرائيلي، لاسيما بعد قراره تدمير مدينة غزة، وحجم الضربات التي تلقاها الجيش الإسرائيلي في كل من حي الزيتون وشمال جباليا فضلا عن عملية القدس، فعادته حين يتعرض لهذه المآزق المحرجة أن يبحث عن هدف كبير، يعيد به التوازن إلى الموقف الإسرائيلي، ويخفف من الضغط السياسي الداخلي عليه، خاصة وأنه أضحى اليوم محاصرا من جهتين، من الداخل الذي يطالبه بإنهاء الحرب، أو على الأقل توضيح دواعي الاستمرار فيها في ظل فشل آلة الحرب في تحقيق الأهداف الاستراتيجية والعسكرية، وجهة ضغط الجيش الإسرائيلي نفسه، الذي طالما أبلغ القيادة السياسية أنه لا جدوى من العملية العسكرية في تحقيق أي هدف سياسي أو عسكري، وأنها استكملت أغراضها، وأن كلفتها على الجنود والضباط الإسرائيليين أضحت أكبر من مكاسبها المفترضة ضد حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي وُضع بين خيارين اثنين

رئيس الوزراء الإسرائيلي وُضع بين خيارين اثنين، تحقيق مكسب عسكري وسياسي كبير ضد حماس باغتيال قيادتها السياسية التي تدير التفاوض، ومواجهة كلفة الهجوم على قطر بما يعنيه ذلك من حملة سياسية ودبلوماسية وقانونية وأخلاقية، فاختار أن يجازف تقديرا منه أنه بعد التخلص من قيادة حماس، ستلعب واشنطن دور المسكن، بطرح مقترح جديد للتفاوض تضطر حماس المقطوع رأسها للاستسلام، فيحقق نتنياهو انتصاره الموعود، ويصير بطلا قوميا.

الخطير في الأمر، أن هذين الخيارين تحولا إلى تحد خطير، فتل أبيب لم تنجح في تحييد قيادة المقاومة (فشل الخيار الأول) وهي بصدد مواجهة كلفة هذا الخيار التي لا يبدو أن واشنطن قادرة على تقييد ردود الفعل المرتقبة إقليميا.

واشنطن أعربت بشكل موارب عن أسفها لهذا السلوك «غير الحكيم» من حليفها الإسرائيلي، وأبلغت قطر أنه لن يتكرر، وعبر رئيس إدارتها عن غضبه من علمه بخبر الهجوم عبر الجيش الأمريكي وليس من طرف رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأنه لم يترك له وقتا للتدخل لمنع الهجوم، لكن هذه اللغة التي حاولت من خلالها واشنطن أن تعتذر عن عدم قيامها بما هي ملزمة به بمقتضى العلاقة الاستراتيجية والأمنية مع قطر، لا يمكن أن تعطل مسارا آخر يمكن أن ينطلق في المنطقة، بحراك إقليمي وعربي للرد على تل أبيب، فالرسالة التي التقطتها دول المنطقة، ودول الخليج خاصة، أنها لم تعد آمنة، وأنها ليست خارج حسابات الاستهداف الإسرائيلي، وأن وضع البيض كله في سلة واشنطن من أجل تحقيق أمنها الإقليمي مغامرة لا يمكن أن تستمر.

البعض يطرح سؤالا: وماذا يمكن أن تقوم به دول الخليج، والقمة العربية المرتقبة بناء على هذا الاستهداف الإسرائيلي الذي مس الشقيقة قطر؟

الجواب ينبغي أن يستحضر التطورات التي حصلت منذ العدوان على غزة: فمصر والأردن أضحتا مستهدفتين بشكل مباشر بمخطط التهجير، ولبنان تواجه تحديات الورقة الأمريكية التي تحاول نزع سلاح المقاومة دون أي ضمانة بانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني أو التزام بعدم مهاجمة لبنان، وسوريا، تواجه منذ مدة هجمات عسكرية إسرائيلية على ترابها في الجنوب وعلى مشارف دمشق، واليمن باتت في مرمى شبه أسبوعي للمقاتلات الحربية الإسرائيلية، وأمن دول الخليج أضحى مستهدفا منذ أن تعرضت الدوحة للهجوم الإسرائيلي.

زخم الدعم الدولي والعربي والإقليمي لقطر، والحراك الدبلوماسي الكثيف بين العواصم العربية والإعلان عن قمة عربية مرتقبة بالدوحة والحديث عن رد إقليمي صارم، يقول بأن الدول العربية اليوم وجدت الذريعة القانونية والسياسية والأخلاقية للقيام بتقييم كلي، ليس فقط لتصورها للأمن الإقليمي، ولإمكان قبول اندماج إسرائيلي في هذا المحيط، ولكن أيضا لخارطة تحالفاتها، واتفاقاتها للأمن الدفاعي بغية تنويع الشركاء، وإنهاء سياسة وضع البيض كله في سلة واشنطن، وبناء موقف جماعي، يُعلق الاتفاقات الإبراهيمية، ويجمد العلاقات السرية مع تل أبيب، إلى حين الرضوخ للإرادة الدولية بإنهاء الحرب، وجرائم الإبادة للشعب الفلسطيني، والقطع مع منطق الدولة المارقة التي تعلو على القوانين الدولية.

 القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل