مقالات مختارة

لم تُهزم حماس ولم ينتصر نتنياهو

محمد بوالروايح
جيتي
جيتي
نجحت جهود الوساطة القطرية المصرية التركية أخيرا في “شرم الشيخ” في تذليل العقبات وتجاوز الخلافات بين حماس وإسرائيل وتوصَّل الطرفان إلى النهاية التي كان ينتظرها الغزيون والفلسطينيون وهي وقف الحرب المدمرة التي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح البريئة، ومسحت بعض العائلات الغزية من السجل المدني.

هو إذن نجاحٌ للوساطة بكل تركيبتها من الدول المذكورة، ولكن نتنياهو يريد أن يقفز على ذلك وينسب كل نجاح إلى نفسه وإلى جيشه الباسل الذي لا يهزم مع أنه لم يستطع في حولين كاملين أن يجتث حماس رغم ترسانته العسكرية المتطورة وسنده الذي لا يخفى على كل متابع للحرب.

نصح ترامب صديقه نتنياهو بأن الخطة التي اقترحها توفر مخرجا آمنا له من حرب لا مؤشرات على كسبها، وبأنه لا يستطيع مواجهة العالم الذي أيقن بأن الحرب الإسرائيلية على غزة قد استنفدت مبرراتها وتحولت إلى حرب عبثية وإبادة جماعية لا يمكن قبولها والسكوت عنها. لقد نفضت بريطانيا الحليف التاريخي لإسرائيل يدها منها وأعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية وحذت دول عديدة في العالم حذوها، وهذا الموقف العالمي يمثل سيلا جارفا لا يقوى نتنياهو على صده ومواجهته والأولى له التوقف لحفظ ماء الوجه والحيلولة دون اتساع رقعة الرفض الدولي الذي يضر بإسرائيل وبمستقبلها.

حاول اليمينيان المتطرفان سموتريتش وبن غفير  التأثير على حكومة نتنياهو لثنيها عما سمياه “الصفقة المذلة” مع حماس وهددا بتفكيك هذه الحكومة إن لم يستطع نتنياهو تفكيك حماس، ولكن في الأخير لم تجد الحكومة الصهيونية بدًّا من المصادقة على الخطة والاستعداد لتنفيذ بنود المرحلة الأولى التي تشمل الانسحاب الإسرائيلي إلى الخط الأصفر تمهيدا للانطلاق في عملية تبادل الأسرى مع حماس.

ما حصل في شرم الشيخ وقبله في الدوحة هو انتصار لعمل الوساطة ولإرادة تغليب خيار السلام على خيار الحرب وتجنب الكارثة الإنسانية الأكبر في حال استمرار الحرب، وليس انتصارا لنتنياهو الذي صرح من غير استحياء لوسائل إعلام عبرية وأجنبية بأن الحكومة الإسرائيلية وافقت على مخرجات اجتماع شرم الشيخ لأن إسرائيل قد حقَّقت مرادها والحرب استوفت شروطها سواء ما تعلق –كما قال- بهزيمة حماس أو بوضع اليوم الموالي وهو ما يتعلق بمستقبل قطاع غزة من غير حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر.

يرى نتنياهو أن الحرب على غزة حربٌ مشروعة وردّ على ما وقع في 7 أكتوبر 2023، وبأن حماس هي البادئة بالعدوان، ونسي أن ما يسميه “الانتصار لمظلومية السابع من أكتوبر” هو نتيجة طبيعية لمظلومية تاريخية تمتد في آباد الزمن وليست وليدة السابع من أكتوبر 2023، ورد فعل على الأعمال الاستفزازية والعدوانية التي يقوم بها المستوطنون ضد الفلسطينيين وبحماية الجيش الإسرائيلي.

من الغريب أن ينتهك اللصوص حرمة المنازل ويرهبون أهلها ثم يظهرون أمام العالم بمظهر المظلوم والمعتدى عليه. إن جريرة ما وقع في السابع من أكتوبر تقع على عاتق الاحتلال الإسرائيلي؛ فالاحتلال مبرر ٌ كاف لأي فعل يفسره كل العقلاء على أنه دفاع مشروع لاسترداد حق مهضوم وأرض مسلوبة وتحرير شعب مضطهد يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تهجيره من وطنه وتحويله إلى لاجئ داخل أرضه.

دققت في الشعارات التي رفعها الإسرائيليون المبتهجون بالتوصل إلى وقف الحرب في غزة وإعادة الأسرى سواء تلك المكتوبة باللغة الإنجليزية وحتى تلك المكتوبة باللغة العبرية على أساس أنني من الذين منّ الله عليهم بدراسة اللغة العبرية في جامعة الأمير عبد القادر مع ثلة من زملائي من الدفعة الأولى، فما وجدت في الشعارات المرفوعة إشادة ولا إشارة إلى “الإنجازات” الوهمية التي يتحدث عنها نتنياهو مما يدل على أنه مغيَّب في الشارع الإسرائيلي ولا يملك من السند إلا ما يوفره له الائتلاف الحاكم وعلى رأسه سموتريتش وبن غفير، اللذان مُنيا مثل نتنياهو بهزيمة نفسية كبيرة بعد نجاح الوساطة القطرية والمصرية والتركية في رسم معالم المرحلة القادمة في غزة بعيدا عن أزيز المدافع ورائحة الموت.

لم يُر سموتريتش وبن غفير –كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية- بالكآبة النفسية التي بدت عليهما بعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق وقف الحرب، وأعتقد أن هذه الحالة النفسية التي سبّبت صدمة نفسية لسموتريتش وبن غفير سيكون لها ما بعدها باستقالة منتظرة من الحكومة تكون بدايتها بهما والنهاية باستقالة أو إقالة نتنياهو كما توقعتُ ذلك في مقال سابق بـ”الشروق اليومي” بعنوان:
“النهاية الوشيكة لنتنياهو”، والسبب في ذلك واضحٌ لا يختلف فيه اثنان وهو أن نتنياهو بإعلان الاتفاق وبمظلة أمريكية قد استنفد مبررات وجوده على رأس الحكومة الإسرائيلية وأنه سيغادرها راغبا أو راغما لكن ليس إلى بيته بل إلى زنزانة في أحد السجون الإسرائيلية على خلفية الفضائح الكبيرة التي تلاحقه والتي أجِّلت -كما تقول وسائل إعلام عبرية- بسبب وجوده على رأس الجهاز التنفيذي، وأنه قد آن الأوان لإحيائها والمضي فيها.

يباهي نتنياهو بأن أولى ثمرات الحرب على غزة هي إطلاق سراح “الأسرى الإسرائيليين” وهو تنفيذ -كما يزعم- للوعد الذي قطعه مع عائلاتهم ومع الشعب الإسرائيلي، في حين أن الجميع سواء الضالعين بالشأن العسكري أو غير الضالعين متفقون على أن هذه العملية هي ثمرة مفاوضات وليست ثمرة عمليات عسكرية، بدليل أن جيش الاحتلال الإسرائيلي عجز عن تحرير الأسرى بالقوة العسكرية طوال حولين كاملين ولا اهتدى إلى أماكن احتجازهم، بل على العكس من ذلك قام الجيش بمغامرة يائسة لتحرير بعضهم، فكانت النتيجة مقتل بعضهم ووشك وقوع محرريهم في الأسر.

من جهة أخرى فإن عملية إطلاق سراح الأسرى الصهاينة لم تكن من غير مقابل بل كانت عملية تبادل وفقا لما تنص عليه بنود خطة ترامب؛ فالإفراج عن عشرين أسيرا إسرائيليا قابله الإفراج عن مائة وخمسين معتقل فلسطيني من المحكوم عليهم بالمؤبد، وما يناهز الألفين من المعتقلين الآخرين من الجنسين. فعن أي انتصار يتحدث نتنياهو؟ إنها مغالطة كبرى والتفاف على الواقع وتحريف للوقائع.

ويباهي نتنياهو باليوم الموالي للحرب وهو إزاحة حماس عن الحكم ورسم مستقبل غزة من دونها، قد يكون هذا صحيحا من حيث المعطى العامّ، ولكنه لا يحقق في كل الأحوال ما يباهي به نتنياهو، فاليوم الموالي في غزة لن يكون حمساويا ولكنه لن يكون أيضا إسرائيليا لأن من بنود خطة ترامب لوقف الحرب في غزة أن حكم غزة سيؤول إلى لجنة من التكنوقراط بإشراف ما سماه ترامب “مجلس السلام” الذي يرأسه شخصيًّا ويضمُّ شخصيات دولية وازنة من شاكلة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “توني بلير” وغيره. لن يكون لنتنياهو ولا لإسرائيل دورٌ في غزة في اليوم الموالي لوقف الحرب، فعن أي انتصار يتحدث نتنياهو أم أنها صدمة الاتفاق التي أفقدته التركيز وزادت من هوسه ومعاناته النفسية؟.

إن التوصل إلى الاتفاق بين حماس وإسرائيل لوقف الحرب هو ثمرة لجهود كبيرة ومضنية بُذلت في قطر وأثمرت وأينعت في شرم الشيخ، فالتحية كل التحية لقطر وشركائها في الوساطة والأمل كل الأمل في أن يستمر الاتفاق ويتنفس الغزيون الصعداء ويعيشون حياتهم كأي شعب في العالم، عيشة تواسيهم ولا تنسيهم من فقدوا من الشهداء في حرب ظالمة شنها نتنياهو وأعانه يمينيون متطرفون لا يرون السلام إلا بمنطقهم وعلى مقاسهم. إن غزة مقبلة على غد أفضل ويوم أجمل، يعيد البسمة وينهي الأزمة ويضمّد بعض الجراح التي سببها العدوان الصهيوني الغاشم على شعب أعزل مسالم في أرض مسالمة، تنشد السلام وتمدّ يدها لكل حر محب للحرية ورافض للعبودية ومبغض للاستعمار.

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)