كشف
جثامين الشهداء الفلسطينيين الذين سلمتهم قوات
الاحتلال خلال الأيام القليلة الماضية، عن انتهاكات مروعة، وعمليات تعذيب وتنكيل ممنهجة تعرض لها الأسرى الفلسطينيين قبل أن يتم إعدامهم، إما رميا بالرصاص من مسافات قريبة، أو تحت وطأة التعذيب المتواصل داخل المعتقلات والسجون الإسرائيلية.
تسلمت وزارة الصحة في غزة جثامين أكثر من 150 فلسطينيا أفرجت عنهم دولة الاحتلال ضمن صفقة التبادل التي دخلت حيز التنفيذ في الـ11 من الشهر الجاري.
آثار تعذيب وإعدام ميداني
وتُظهر الفحوصات الرسمية والوقائع الميدانية أن الاحتلال ارتكب جرائم قتل وإعدام ميداني وتعذيب ممنهج بحق عدد كبير من الشهداء الذين تمت استعادة جثامينهم، فوق تقرير للمكتب الإعلامي الحكومي، بدا على الجثامين ما يلي:
آثار شنق وحبال واضحة على أعناق عدد من الجثامين
إطلاق نار مباشر من مسافة قريبة جداً، ما يؤكد عمليات إعدام ميداني متعمد
أيدٍ وأقدام مربوطة بمرابط بلاستيكية، في مشهد يوثق عمليات تقييد قبل القتل
عيون معصوبة وملامح تشير إلى تعرض الضحايا للاعتقال قبل إعدامهم
جثامين سُحقت تحت جنازير الدبابات “الإسرائيلية”، في انتهاك فاضح لكل القوانين الدولية
آثار تعذيب جسدي شديد على العديد من الجثامين، بما في ذلك كسور وحروق وجروح غائرة
وتمثل هذه الجرائم انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف الرابعة والقانون الدولي الإنساني، وتؤكد أن الاحتلال استخدم سياساته الإجرامية في القتل خارج نطاق القانون والتصفية الجسدية للمعتقلين والمدنيين الفلسطينيين.
وتطرح هذه القضية سؤالا بشأن إمكانية إنصاف عائلات الضحايا، عبر فتح تحقيق دولي يضع النقاط على الحروف، لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائم الحرب التي ارتكبوها ضد أبناء قطاع غزة.
اظهار أخبار متعلقة
ماذا بشأن المسارات القانونية الدولية؟
الخبير في القانون الدولي، إسماعيل خلف الله، قال إن الناظر إلى الجرائم التي يقوم بها "الكيان الصهيوني"، يُفجع بالخطورة التي وصلت إليها هذه الجرائم، والتي تجاوزت حد التفنن في الكثير منها". مضيفا في حديث خاص لـ"عربي21" أن هذا السلوك الوحشي أصبح اعتياديا بالنسبة لآلة الإجرام الإسرائيلية والتي لم تتوقف منذ نحو سنتين من عمر الحرب على قطاع غزة.
وتابع: "الاحتلال لم يترك نافذة من النوافذ التي يتكلم عنها القانون الدولي إلا واخترقها مرتكبا انتهاكات، والعالم كله كان يشاهد كيف جرّف الاحتلال خيام النازحين وقتل من فيها ودفنهم أحياء خلال عملياته البرية في غزة مع بدء العدوان، وهذا في حد ذاته لا يقل إجراما وسادية عن الجثث المنكل بها".
ويرى خلف الله أن "ما ظهر على هذه الجثث يضاف إلى السجل المثقل بهذه الجرائم في ظل حالة إفلات الاحتلال الإسرائيلي من العقاب، والتي تعتبر ضربة للمنظومة الجنائية الدولية".
وشدد الخبير القانوني أن محكمة الجنايات الدولية عليها مسؤولية كبيرة إزاء ما يجري من جرائم، مضيفا: "مذكرات التوقيف ضد نتنياهو وغالانت لا تكفي، هناك الكثير من المسؤولين الذين ارتكبوا جرائم كان من المفروض أن تحرك المحكمة الجنائية الدولية تجاههم مذكرات وأوامر اعتقال يتجاوز عددهم المئة فرد على الأقل من المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب ضد الفلسطينيين".
وذكر أن "
العدالة الدولية يجب ألا تقتصر على قضية التنكيل بالجثامين فحسب، بل يجب أن تركز أيضا على كل الانتهاكات، خصوصا جرائم التجويع والحصار ومنع المساعدات وإغلاق المعابر، وذلك حتى لا نقصي الجرائم الأخرى فهي جرائم قائمة مترابطة لا يمكننا فصلها البعض". محذرا في الوقت نفسه من محاولات دولة لاحتلال الإفلات من الجرائم التي ارتكبتها.
أما الخبير القانوني محمود رفعت فقال في حديث لـ"عربي21" إن القانون الدولى أقر ضوابط محددة خصوصا في اتفاقيات جنيف الـ49 وملحقاتها بشأن قواعد الاشتباك وقواعد التعامل مع الأسرى وقواعد الحروب التي تقيدها اتفاقيات دولية، لكنها تبقى في الإطار النظري فقط، في ظل اختلال موازين القوى الدولية، فحين تريد أن تذهب بطرف إلى المحاكمة، لا بد أولا من إيجاد محكمة قادرة على إنفاذ قراراتها.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف رفعت قائلا: "المعضلة في القانون الدولي في السنوات الماضية، خصوصا من 2016 أي بين مدة الرئاسة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وحتى فترته الثانية، أن المحاكم الدولية فرّغت إلى حد كبير من محتواها. وأصبحت قائمة كمباني ولا تحترم أحكامها (..) ولا يوجد محكمة دولية حقيقية قادرة على إنفاذ القرارات والاتفاقيات الدولية القائمة منذ عشرات السنين".
مطالب بتحقيق دولي
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الخميس، إلى فتح تحقيق دولي عاجل، لكشف ملابسات الجرائم التي ارتكبتها دولة الاحتلال وظهرت على أجساد فلسطينيين سلمت جثامينهم إلى وزارة الصحة في غزة عبر الصليب الأحمر.
وقال المرصد في بيان، إن "الحالة المروّعة التي وُجدت عليها جثامين فلسطينيين سلمتهم سلطات الجيش الإسرائيلي بعد احتجازهم خلال حرب الإبادة على قطاع غزة تظهر دلائل واضحة على تعرّض العديد منهم لجرائم تعذيب وتنكيل وحشي ومتعمّد تسببت بمعاناة شديدة".
وأشار إلى أن "عددا منهم أعدم بعد احتجازه، في انتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي".
وشدد المرصد على أن "هذه المعطيات الخطيرة تفرض فتح تحقيقٍ دولي عاجل ومستقل لكشف ملابسات الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها، بما يضمن إنصاف الضحايا ويكرّس مبدأ عدم الإفلات من العقاب".