مقالات مختارة

غزة والسلام على طريقة ترامب!

يحيى الكبيسي
الأناضول
الأناضول
منذ اللحظة الأولى لإعلان خطة ترامب «للسلام» في غزة، كان واضحا أنها مليئة بالثغرات والأسئلة التي لا إجابة عليها، خاصة وأن الولايات المتحدة نفسها لا تمثل، في الأساس، طرفا محايدا.

فباستثناء مسألة إعادة الأسرى الإسرائيليين الأحياء، لم يكن هناك أي شيء واضح أومتفق عليه، بما في ذلك مسألة استعادة «جميع الرهائن، أحياء وأمواتا» في غضون 72 ساعة، مع إدراك الجميع بأن ذلك غير ممكن عمليا. وهو ما أتاح لنتنياهو اتخاذ خطوات أحادية بحجة عدم تنفيذ حماس للاتفاق، ولم يبد «الضامن» الأمريكي أي اعتراضات على ذلك!

كما لم تلتزم إسرائيل بتعليق العمليات العسكرية «بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي»، واستمرت الخروقات الإسرائيلية. ولم تلتزم بالقوائم التي قدمتها حماس للأسرى المحكومين بالمؤبدات في السجون الإسرائيلية؛ عبر الامتناع عن إخراج القيادات الفلسطينية ذات الرمزية الواسعة، وكان واضحا أن الجميع خضع للشروط الإسرائيلية المدعومة أمريكيا!

وتضمنت خطة ترامب أيضا إرسال المساعدات بمجرد قبول الاتفاق من الطرفين، بناء على ما ورد في اتفاقية 19 كانون الثاني 2025 لكن إسرائيل ما زالت تعرقل ذلك، ومرة أخرى دون اعتراض واضح من الضامن!

وتضمن الاتفاق أيضا أن الأمم المتحدة ووكالاتها والهلال الأحمر والمؤسسات الدولية، هي التي ستتولى إدخال المساعدات وتوزيعها والهلال الأحمر دون الإشارة إلى وكالة الأونروا، وإمكانية السماح لها، إسرائيليا وأمريكيا، باستعادة دورها التاريخي في غزة. كما تضمن الاتفاق فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين بعد 7 أيام من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وإزالة القيود على حركة المسافرين والباعة والتجار، وأن يتم تشغيل معبر رفح استنادا الى مشاورات آب 2024 مع مصر، التي تسند الى اتفاقية المعابر لعام 2005. مع ذلك لا يزال هذا البند معطلا بعد مرور ضعف المدة المتفق عليها!

الجانب الأكثر إشكالية في خطة ترامب كان موضوع إدارة غزة، وموضوع نزع السلاح، والمدة التي تتطلبها هذه المرحلة الانتقالية؛ فالخطة أشارت إلى «حكم انتقالي مؤقت للجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية»، مسؤولة عن تقديم الخدمات العامة اليومية لسكان غزة دون أي تحديد لآلية اختيار هذه اللجنة. ثم تشير الخطة إلى أن هذه اللجنة «الفلسطينية» ستتكون من فلسطينيين وخبراء دوليين، دون تحديد دور الخبراء الدوليين وصلاحياتهم، وعددهم، وهل هم مستشارون أم أعضاء أصيلون يحق لهم المشاركة في اتخاذ القرارات؟

ثم تتحدث الخطة عن «هيئة انتقالية دولية»، أطلق عليها «مجلس السلام»، يرأسها ترامب شخصيا، مع آخرين «سيتم الاعلان عنهم» لاحقا، مهمتها «تمويل إعادة تطوير غزة حتى تكمل السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي»، وفقا لخطة ترامب للسلام لعام 2020، والمقترح السعودي الفرنسي، ولا أحد التفت إلى التناقض الواضح بينهما!

فخطة ترامب التي أعلنت في 28 كانون الثاني 2020 تحت عنوان «السلام من أجل الازدهار – رؤية جديدة لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي»، لم تكن خطة أمريكية خالصة، بل كان نتنياهو نفسه شريكا في وضعها وإطلاقها. وهي عمليا تتبنى رؤية اسحق رابين فيما يتعلق بالحل النهائي التي تشير إلى سلطة فلسطينية ما دون الدولة: تظل القدس موحدة تحت الحكم الإسرائيلي، لا يجب اقتلاع المستوطنين من مستوطناتهم، وضم أجزاء من الضفة الغربية ووادي الأردن إلى إسرائيل، وحكم مدني فلسطيني على بقية الضفة الغربية وغزة. وتشير الوثيقة إلى أن القيادة الفلسطينية لم ترفض هذه الرؤية!

في القسم السابع عشر المعنون «أسس الدولة الفلسطينية»، تتحدث الخطة عن أن «الانتقال إلى الدولة عملية معقدة ومحفوفة بالمخاطر»، وأن المنطقة لا يمكنها استيعاب «دولة فاشلة أخرى»! ومن ثم فإن ثمة شروطا يجب على الدولة الفلسطينية أن تقوم بها، لكن الفقرة الأكثر هزلا هي أن إسرائيل والولايات المتحدة، معا وبحسن نية، هما اللتان تقرران أن هذه الشروط قد تحققت أم لا!

في الواقع، إن خطة صفقة القرن هذه لن تحقق دولة فلسطينية وليس هذا هدفها، وهي على النقيض من الخطة التي طرحتها السعودية وفرنسا التي تشير بوضوح إلى «دولة فلسطينية» حقيقية قابلة للحياة «وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومرجعيات مدريد، بما في ذلك مبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية، وإنهاء الاحتلال وتسوية جميع المسائل العالقة وقضايا الوضع النهائي وإنهاء جميع المطالبات»، كما جاء في إعلان نيويورك!

وتتحدث خطة ترامب أيضا عن إنشاء «قوة استقرار دولية مؤقتة للانتشار الفوري في غزة»، وأن هذه القوة ستكون «الحل الأمني الداخلي طويل الأمد»، وأنها هي من ستقوم «بتدريب ودعم قوات الشرطة الفلسطينية في غزة». لكنها لا تشرح كيف يمكن إنشاء هكذا قوة قادرة على ضمان الأمن في منطقة مدمرة يعيش فيها مليونا مواطن فلسطيني، وكم فردا يمكن أن تضم هكذا قوة؟
تجد الأطراف الأخرى نفسها مضطرة إلى مسايرة ترامب لكنهم على يقين بأن هذه الخطة هي هدنة مؤقتة بانتظار انفجار آخر

ومن الجهة التي ستكون مسؤولة عنها؟ وما هي طبيعة تسليحها؟ وهل ستكون مسؤوليتها الأمن الداخلي في غزة عموما، بمعنى أن تكون قوة لها سلطة إنفاذ القانون والاعتقال والاحتجاز في سجون تابعة لها؟ أم يقتصر عملها على تأمين المناطق الحدودية»؟ وما دورها في حالة انتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار كما يحدث في لبنان اليوم؟ وهل ستضم قوات الشرطة الفلسطينية الضباط والشرطة الحاليين، أم سيشكل جهاز شرطة جديدة ! وكيف سيتم التعامل مع الضباط والشرطة المنحلين؟ كل هذه الأسئلة لا إجابة لها!

ولم توضح الخطة من الجهة التي ستتولى «عملية نزع سلاح غزة»، وليس سلاح حماس فقط! فقد تحدثت عن أن هذه العملية ستتم «تحت إشراف مراقبين مستقلين»، لكنها لم تحدد الجهة التي ستتولى عملية نزع السلاح هذه! وتجربتنا مع الفرق «المستقلة» لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية تشرح حقيقة ما سيجري حتى قبل أن تبدأ العملية! لاسيما أن الخطة ربطت بين الانسحاب الإسرائيلي من غزة وعملية نزع السلاح من خلال معايير يُتفق عليها بين الجيش الإسرائيلي والجهات الضامنة والولايات المتحدة! والخطة تنص على أن انسحاب القوات العسكرية الإسرائيلية من غزة، بعد نزع سلاحها، لا يعني تسليمها إلى «قوة الاستقرار الدولية المؤقتة»، أو إلى «الشرطة الفلسطينية الجديدة المفترضة، بل ستسلم إلى «قوات الأمن الإسرائيلية وفقا لاتفاقية يبرمها مع السلطة الانتقالية» والتي يرأسها ترامب شخصيا!

ومكمن الخطر هنا أن الخطة تتحدث أنه في حال عدم التزام حماس بها، فإنها ستنفذ «في المناطق الخالية من الإرهاب التي سلمت من الجيش الإسرائيلي إلى قوات الأمن الدولية»، وهذا يعني إمكانية تقسيم غزة نفسها إلى منطقتي نفوذ مختلفتين وسلطتين مختلفتين، منطقة «محايدة» على طول حدود إسرائيل ومصر مع غزة، ومنطقة أخرى معزولة داخلها، مع كل ما يترتب على ذلك من تعقيدات!

لا يمكن لعاقل التعاطي مع خطة ترامب على أنها خطة للسلام. في المقابل فإن ترامب يتوهم أنه بالإمكان نجاح فكرة الاحتلال خمسة نجوم، وتتوهم إسرائيل أيضا أن باستطاعتها إخضاع غزة بشكل كامل ونهائي، وتجد الأطراف الأخرى نفسها مضطرة إلى مسايرة ترامب لكنهم على يقين بأن هذه الخطة هي هدنة مؤقتة بانتظار انفجار آخر!

القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل