حذر خبراء ومحللون
من تبعات سيطرة "قوات
الدعم السريع" في
السودان، الأحد الماضي، على مقر قيادة
"الجيش السوداني" في الفاشر وسقوط آخر معاقل الخرطوم بإقليم دارفور (غرب
البلاد)، مشيرين إلى مخاطر سياسية وأمنية واستراتيجية واقتصادية محتملة على
مصر.
ومنذ 15 نيسان/ أبريل
2023، تعاني السودان، مع الحرب الأهلية بين قوات "الدعم السريع" بقيادة محمد
حمدان دقلو (حميدتي)، المدعومة من الإمارات، والجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان،
المدعوم من مصر باعتباره الكيان الشرعي، ما أدى لمقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من
13 مليون سوداني.
سيطرة وتهديد علني
تقول التقارير، إن
سيطرة "الدعم" على الفاشر قد تعجل بتقسيم البلاد عبر تمكين القوة شبه العسكرية،
من تعزيز سيطرتها على إقليم دارفور مترامي الأطراف، الذي اتخذت منه مقرا حكوميا موازيا
بمواجهة حكومة الخرطوم.
وفي 30 آب/ أغسطس الماضي،
أدى حميدتي، ومن مدينة "نيالا" عاصمة ولاية جنوب دارفور، اليمين الدستورية
كرئيس لمجلس رئاسي لحكومة ثانية بالسودان تضم دارفور وأجزاء من كردفان والنيل الأزرق،
في خطوة تدعمها دول منها: الإمارات، وكينيا.
وهي الخطوة التي سبقها
اقتراب قوات حميدتي، من حدود مصر الجنوبية بحضور قوي قرب المثلث الحدودي بين السودان
وليبيا ومصر، منذ حزيران/ يونيو الماضي.
ويرى مراقبون أن الوضع
الجديد قد يضر بأمن مصر، مع ظهور دولة جديدة على حدودها الجنوبية، لها علاقات جيدة
مع مليشات خليفة حفتر (شرق ليبيا)، والمدعومة أيضا من الإمارات، والداعمة لحميدتي،
وسط مخاوف من تحالف محتمل يضر بمصالح القاهرة.
وفي حزيران/ يونيو
الماضي، هاجم حميدتي الجيش المصري ووجه تهديدات للقاهرة متهما مصر بإمداد الجيش السوداني
بـ8 طائرات.
وقبل أيام، ظهر حميدتي
بمقطع فيديو مصور، يحذر فيه من أي تدخل ضد قواته، ويهدد باستهداف مناطق حيوية، ما اعتبره
البعض تهديدا لمصر، وتحذيرا لها، من استمرار دعمها الجيش السوداني.
لذلك يلفت محللون إلى
المخاطر الاستراتيجية والأمنية على مصر من فقدان عمقها الاستراتيجي الجنوبي، موضحين
أن أي ضعف في سيادة السودان سيُعرض الحدود الجنوبية لمصر لمخاطر أمنية مباشرة، ويزيد
من احتمالية انتشار الفوضى، وتدفق السلاح وتهريب البشر وتنامي النشاط الإجرامي عبر
الحدود.
اظهار أخبار متعلقة
دور إماراتي مريب
وفق تقارير صحفية،
وإعلان حكومة الخرطوم مرارا، تقوم الإمارات بإمداد مليشيات عدة تمولها بالسلاح والعتاد
والمرتزقة والطائرات دون طيار، في مناطق مشتعلة وتحيط بمصر، من الغرب حيث مليشيات خليفة
حفتر، ومن الجنوب حيث مليشيات الدعم السريع.
صحيفة
نيويورك
تايمز، قالت الأحد، إن الإمارات زودت الدعم السريع بمعظم الأسلحة الأكثر تطورا، وتعد
الراعي الأجنبي الرئيسي لها، فيما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش،
الاثنين، من إمدادات السلاح القادمة من الخارج.
وتتزامن مخاوف المصريين
من تغيير الوضع في السودان، مع خطوة هي الأولى منذ تطبيع الإمارات مع إسرائيل عام
2020، حيث قررت تل أبيب السماح لشركة "كونتروب"، العسكرية إنشاء فرع لها
بمنطقة التجارة الحرة في أبوظبي، في ظل ما تشهده الإمارات من طلب متزايد على أنظمة
المراقبة والدفاع البحري والجوي.
وفي أول رد فعل مصري
رسمي دعا وزير الخارجية بدر عبدالعاطي، لدعم جهود وقف إطلاق النار وتحقيق تسوية سياسية
بالسودان، مشيرا لاتصالات مع فرنسا واليونان والسعودية والأردن الاثنين، في هذا الإطار.
تعجيل بالتقسيم وتهديد
لمصر
ويؤكد مراقبون، أن
سقوط الفاشر يمهد لتقسيم السودان إلى مناطق نفوذ، بحيث يحتفظ الجيش بالسيطرة على الشمال
والشرق والوسط، بينما تهيمن قوات الدعم السريع على دارفور وأجزاء من الجنوب.
وفي قراءته لدلالات
الوضع على الأرض، قال السياسي والبرلماني المصري السابق، الدكتور محمد عماد:
"إقليم دارفور 20 بالمئة من مساحة البلاد، وبه 10 مليون نسمة، نحو ربع السكان،
وهذه السيطرة تعزز تقسيم السودان بشكل فعلي وتهدد أمن مصر القومي بشكل كامل".
وفي حديثه لـ"عربي21"،
أكد أن "إقليم دارفور بوضعه الجيوسياسي يحقق التواصل مع الجنوب والشرق الليبي،
ما يحقق تواصلا جغرافيا مع مليشيا حفتر، وهذا يعزز النفوذ الإماراتي، الذراع المنفذ
للمخطط (الصهيوأمريكي) لتجزئة العالم العربي وإعادة رسم خريطته، لكانتونات طائفية وعرقية
ومليشيات".
وعن تأثر الأسواق الزراعية
والماشية، أوضح أن "دارفور رئة رئيسية للماشية السودانية تمثل 25 بالمئة؛ وسيطرة
الدعم مقرونة بحظر التصدير لمصر يعني عمليا انكماش بين 25 و50 بالمئة من الإمداد
السوداني لمصر".
ولفت إلى أن
"أسواق الحبوب والسمسم والماشية في دارفور تعاني من ازدياد التهريب والجبايات،
ما يرفع تكلفة وصولها مصر".
وخلص للقول:
"الأثر على مصر يكون أمنيا من الحدود، وتجاريا بسبب كلفة التصدير وضعف الكميات،
وماليا بالضغط على الأسعار والعملة المصرية، ما لم تُنشأ ممرات مُحكمة أو بدائل استيراد
رخيصة".
تحول استراتيجي
الخبير في الشؤون السياسية
والاستراتيجية، الدكتور ممدوح المنير، تحدث إلى "عربي21"، مؤكدا أن
"سيطرة حميدتي على الفاشر ودارفور، لا يعني فقط انتصارا ميدانيا لمليشيا مدعومة
خارجيا، بل يمثل تحولا استراتيجيا يعيد رسم خريطة النفوذ على حدود مصر الجنوبية".
وقال إن "دارفور
إقليم شاسع بمساحة تقارب مساحة فرنسا، غني بالذهب والموارد الطبيعية، ويتصل بحدود تشاد
وليبيا ومصر، وبسقوط الفاشر، يسيطر الدعم على كتلة جغرافية مترابطة تشكل قاعدة حكم
مواز للدولة السودانية، مدعومة سياسيا وماليا من الإمارات، ومتداخلة المصالح مع قوات
خليفة حفتر، ما يخلق طوقا جغرافيا غير صديق حول مصر من الجنوب والغرب".
اظهار أخبار متعلقة
4 مخاطر
ولفت الباحث المصري
لوجود 4 مخاطر، أولها على "الأمن الحدودي"، موضحا أن "دارفور كانت معبرا
رئيسيا للتهريب والتسلح، ومع تحولها لمنطقة نفوذ لحميدتي، تصبح حدود مصر الجنوبية أكثر
هشاشة، والمثلث الحدودي قد يتحول لممر مفتوح للسلاح، والذهب، والجماعات المسلحة".
وأضاف: "أثبتت
التجارب أن الاقتصاد الحربي بمناطق النزاع يُعيد إنتاج الجريمة المنظمة والإرهاب العابر
للحدود، ما يشكل تهديدا مباشرا لأمن مصر بالصحراء الغربية والجنوبية".
وعن الخطر الثاني،
أشار إلى أنه "إنساني وأمني"، مبينا أن "معارك الفاشر ومحيطها دفعت
مئات الآلاف للنزوح، وإذا تفككت الدولة السودانية أكثر، ستتجه موجات اللاجئين شمالا،
لحدود مصر بمشهد إنساني يصعب احتواؤه اقتصاديا وأمنيا، في ظل أوضاع مصر المتردية".
وتحدث ثالثا عن خطر
"سياسي واستراتيجي"، مؤكدا أن "سيطرة حميدتي على دارفور تفتح الباب
لتقسيم فعلي للسودان، وتمنح قوة شبه عسكرية سلطة أمر واقع على حدود مصر"، ملمحا
إلى أن "الأخطر أنه كيان تربطه علاقات وثيقة بالإمارات وحفتر، ما يخلق محورا يمتد
من الشرق الليبي إلى غرب السودان، على تماسٍ مباشر بالمجال الحيوي المصري".
ويرى المنير، أنه
"في ظل توتر علاقات القاهرة وأبوظبي بعدة ملفات إقليمية، فتمدد نفوذ الإمارات
في خاصرة مصر الجنوبية يمثل تحديا استراتيجيا بالغ الخطورة، فأبوظبي تتحكم بقطاعات
اقتصادية كبرى داخليا وسيكون لها نفوذ سياسي وجيواستراتيجي كبير على مصر".
وأوضح أن "الخطر
الرابع؛ اقتصادي"، مبينا أن "تهريب الذهب من دارفور للأسواق السوداء بدبي
يحرم مصر من رقابة فعالة على مواردها الحدودية، ويؤثر بسوق العملة والاقتصاد غير الرسمي
بالصعيد والواحات، بينما تتضرر التجارة الشرعية والمنافذ الجمركية المصرية".
ماذا يجب على مصر؟
يعتقد المنير، أن
"صمت القاهرة أو بطء تحركها يعني ترسيخ (أمر واقع) جديد بالجنوب، يُضعف قدرتها
على التأثير بالملف السوداني، ويقوّض دورها التقليدي كضامن لوحدة السودان واستقراره،
لكن مصر السيسي تعودت على التفريط بأمنها القومي والتحرك استعراضيا أكثر منه عمليا
بالملفات الحيوية".
ودعا إلى "تحرك
مصري عاجل يقوم على 4 محاور متوازية، هي: "تحصين الحدود تقنيا وبشريا ضد التهريب
والتسلح، وتحرك دبلوماسي نشط مع تشاد والجزائر والسعودية للضغط على داعمي حميدتي ووقف
تدفق السلاح، ومبادرة مصرية للتهدئة والممرات الإنسانية لتفادي انفجار أزمة لجوء جديدة،
ودعم الجيش السوداني ومحاولة عرقلة مشروع حميدتي".
وخلص للقول:
"سقوط الفاشر إنذار استراتيجي لمصر؛ فدارفور قد تتحول إلى أفغانستان إفريقية،
ولن يكون بوسع القاهرة تجاهل ذلك دون دفع الثمن باهظا أمنا واقتصادا واستقرارا".
أهمية الردع والتنسيق
وفي رؤيته، يرى الخبير
في الشؤون العسكرية، محمود جمال، أن "ما يجري بالسودان تجاوز حدود الصراع الداخلي،
ليصبح تهديدا مباشرا للاستقرار الإقليمي والأمن القومي لدول الجوار، وبمقدمتها مصر".
وأكد أن "استمرار
سيطرة حميدتي على المثلث الحدودي يشكل خطرا على أمن مصر القومي"، مشيرا إلى مخاوف
تحويل المنطقة إلى "ممرات لتهريب الأسلحة والمقاتلين، والمخدرات"، و"خلق
فراغا أمنيا على الحدود المصرية"، و"يتيح مساحات للتمركز المسلح".
اظهار أخبار متعلقة
وحذر من "استمرار
هذا المشهد دون ردع أو تحرك منسق"، داعيا دول الجوار وبينها مصر إلى "دعم
المؤسسة العسكرية السودانية ومساندتها لاستعادة السيطرة على الأرض"، حماية للأمن
القومي المصري والعربي والأفريقي.
وكلاء إسرائيل وحصار
مصر
وفي تقديره، للموقف
قال السياسي المصري إسلام لطفي: "لا يمكن لمصر أن تتعامل بنعومة وتغافل عن عبث
الإمارات في السودان حتى نفاجأ بدويلة جديدة في غرب السودان تمتد حدودها الشمالية إلى
مصر وليبيا فتقوي حبال الوصل مع قوات حفتر في شرق ليبيا".
وأكد عبر صفحته بـ"فيسوك"،
أن "مصر ستواجه كارثة إن وصلت قوات حميدتي إلى قوات حفتر في ليبيا لأن مصر وقتها
ستكون محاصرة بين إسرائيل في الشرق ووكلاء إسرائيل في الجنوب والغرب"، ملمحا إلى
ضرورة "إقامة جمهورية اتحادية بين مصر والسودان وليبيا".
دويلة بحجم نصف مصر
وفي رؤيته، قال السياسي
المصري يحيى موسى، إن سقوط المقر الرئيسي للجيش السوداني في الفاشر بيد الدعم السريع
"يمثل شرعية الأمر الواقع لدويلة حميدتي في دارفور".
وأوضح أنها "دويلة
بنصف مساحة مصر، وتجاورها من الجنوب الغربي، ومتصلة عن طريق المثلث الحدودي بدويلة
حفتر في شرق ليبيا"، ملمحا إلى تمويل الإمارات للدويلتين، ومشيرا إلى صمت السيسي،
والجيش، بمواجهة تلك المخاطر.
تجمع الانفصاليين ضد
مصر
وفي توقعها لمآلات
الموقف على أرض السودان، قالت السويدية المتخصصة في دراسات الشرق الأوسط ديما الحلوة:
"إذا استولى الدعم السريع على كامل دارفور، فإنه "يريد بعدها الاستيلاء على
مناطق شمالية ليؤمن ممرا إلى مصر".
وأكدت أن "الهدف
الأول للدعم السريع هو الالتحام الحدودي مع الانفصاليين العسكريين في تشاد وليبيا ليشكلوا
قوة عسكرية تحارب جيش مصر"، مشيرة لأدوار إماراتية وإسرائيلية في هذا الإطار.
وترى أن غاية إسرائيل
من تشكيل قوة عسكرية لمحاربة مصر، هو أن "دخول مصر في حروب بالجنوب سيترك شمالها
الشرقي مع اسرائيل ضعيف وبالتالي خطر دخول اسرائيل لمصر"، مضيفة "والأهم
هو نهر النيل وتدمير مصر اقتصاديا بمنع وصول نهر النيل تحقيقا للنبوءات الإسرائيلية
التي ذكرها نتنياهو".