مقالات مختارة

تصعيدٌ شمالا لتعويض الفشل جنوبا

عمار يزلي
جيتي
جيتي
حال رئيس وزراء الكيان هذه الأيام، وأيضا من قبل، حال أي وحش كاسر. الخنزير البري، حين يصاب في مقتل، ويطول أمد نفوقه، يتحول إلى حيوان في غاية الوحشية، يطأطئ الرأس ويدوس ويفرم ويهدد ويعيث فسادا في كل بقعة يمر بها، من شدة هول الإصابة، طالبا النجاة عبر الهجوم الكاسح غير العقلاني وغير المحدود.

هذا حالُ نتنياهو منذ سنتين، بعد الضربة الموجعة التي تلقَّاها في 7 أكتوبر 2023، وهو اليوم يعمل على إعادة حقن نفسه بجرعة أخرى تمدِّد له عمره السياسي قبل النفوق، على وقع الهزيمة والفشل في غزة ونهاية مشروعه في إقامة دولة “إسرائيل الكبرى”.

صحيحٌ أن الولايات المتحدة وترامب شخصيا، ضغط هذه المرة على نتنياهو، لمصلحة الولايات المتحدة أولا، ولمصلحة نتنياهو ودولة الكيان ثانيا، طمعا في تحقيق اختراق جيوسياسي اقتصادي عبر آلية التطبيع الإبراهيمية، حتى أنه أعلن الخميس عن دولة أخرى تدخل موجة اتفاقات أبراهام: كازاخستان، طامعا فيما هو أكثر من المنطقة العربية ودول الجوار خاصة.

الضغط الأمريكي من أجل إيقاف العدوان على غزة وجنون الآلة الصهيونية التي حرّكتها أيادي الانتقام، كمحاولة للبقاء أطول مدة في السلطة “ملكا” لكيان يترنح، فيما هو يبشر الداخل بيوم جديد، كل يوم وكل ساعة يفقد فيها السمعة والمال والسلاح والدعم ويثير حفيظة الدول والمنظمات الإنسانية ويؤلب الرأي العامّ عليه في الداخل وفي الخارج وحتى في ولاية نيويورك التي آلت إلى مسلم من أصول هندية بسبب دعمه لغزة بالأساس.

في خضمِّ هذا التلاشي والضغط الذي لا يحبِّذه الكيان ممثلا في نتنياهو وحكومته اليمينية الفاشية العنصرية، المسكونة بالقتل والتشريد والإبادة، تعمل إدارة الكابنت الصهيوني على التصعيد شمالا في اتجاه لبنان، وقد يشعلها حربا من جديد بغية إيجاد سند ودعم داخلي وعكّازة يرتكز عليها نظامه المهتزّ في الداخل قبل الخارج. حتى الدعم المؤقت الذي يحظى به نتنياهو، مردُّه إلى قبوله صفقة تبادل الأسرى وتوقيف الحرب، وهو الأمر الذي فُرض عليه أمريكيًّا بعد فهم البيت الأبيض ألاعيب نتنياهو السياسية من أجل الهروب من استحقاقات المساءلة ولجنة التحقيق في اخفاقات 7 أكتوبر وتهم الفساد وإدخال الكيان في عاصفة قد تنهي وجوده بالأساس.

نتنياهو يرفض توقيف الحرب في غزة وفي لبنان وفي كل مكان، ويفضِّل، بل يصرّ على أن تبقى الولايات المتحدة البقرة الحلوب، الداعمة له بلا حدود، تجاريه في كل تفاصيل مخططاته بالمنطقة ولو بإشعال الحروب. حاول ذلك مع إيران، واليمن والعراق وسوريا ولبنان وحتى مع قطر، غير أن الولايات المتحدة وشخص ترامب نفسه، تدخل لوقف هذه النزعة الانتحارية لدى حكومة الكيان الفاشية، بعد أن فهم الرئيس الأمريكي أن نزعات الوحش المصاب الانتقامية لا نهاية لها إلى غاية نهايته المحتومة.

مخافة هذه النهاية المحتومة لدولة الكيان، كان على الولايات المتحدة أن تمارس ضغطا إجرائيا رقابيا وقائيا، وتفرض “حلَّها” في غزة على النحو الذي يلائمها ويلائم الوضع بما فيه وضع الكيان، مع كل الاحتمالات أن يفشل المخطط كما رسمه ترامب وإدارتُه.

التصعيد ضد لبنان، محاولة أخرى من نتنياهو للهروب إلى الأمام بوحشية، لأنه يرفض الهزيمة، بل يريد أن يحوِّل الهزيمة والفشل إلى انتصار عبر تدمير لبنان، كونه لا يرى نفسه قويا وذا شوكة إلا عبر التدمير السجادي. غير أن هذا الحلم، حتى وإن بدا له أحسن حلم للهروب من كابوس السقوط والهزيمة المدوية، فإنه سيكون حفرة أخرى من حفر الدفن النهائي.

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)

خبر عاجل