تتصاعد تصريحات المسؤولين
العراقيين والأمريكيين، عن احتمالية منع مشاركة المليشيات المسلحة في
الحكومة المقبلة، وذلك لمنع تعزيز النفوذ الإيراني في البلاد.
وانطلقت في العراق، الأحد، عملية الاقتراع الخاص للقوات العسكرية والأمنية والنازحين، فيما سيكون التصويت العام، الثلاثاء المقبل، بمشاركة 21 مليونا و404 آلاف و291 ناخبا في التصويتين خلال الدورة السادسة للبرلمان العراقي منذ مرحلة ما بعد عام 2003.
"منع أمريكي"
وفي تصريح لافت، قال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، خلال مقابلة تلفزيونية، الجمعة، إن ستة فصائل عراقية (لم يسمها) مصنفة على أنها "ممنوعة" من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لن تكون ضمن التشكيلة الحكومية المقبلة.
وأوضح الوزير العراقي، أن الجانب الأمريكي أصدر قرارا بتصنيف هذه
الفصائل ضمن قائمة "الممنوعين"، مشيرا إلى ضرورة أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار لضمان علاقات دبلوماسية مستقرة للعراق مع المجتمع الدولي، وتسهيل التعامل مع مختلف الدول.
وفي السياق ذاته، قال المكلف السابق برئاسة الحكومة، زعيم "تحالف البديل" عدنان الزرفي، خلال مقابلة تلفزيونية، الأربعاء، إنه "لن تكون الفصائل المسلحة جزءا من الحكومة العراقية المقبلة"، مشددا على أن "من يقرر إشراكها عليه تحمل مسؤولية قراره".
اظهار أخبار متعلقة
يأتي ذلك، بالتزامن مع تصريح للمبعوث الأمريكي الخاص إلى العراق، مارك سافايا، جدد فيه التزام الولايات المتحدة بدعم العراق في مسيرته نحو دولة قوية ومستقلة خالية من المليشيات المدعومة من الخارج.
وكتب مارك سافايا تدوينة عبر منصة "إكس" الجمعة، قائلا: "يبدو مستقبل العراق مشرقا بفضل شعبه الموهوب والنابض بالحياة، وهو أثمن مورد تمتلكه أي أمة".
وأضاف: "لقد حقق العراق في السنوات الأخيرة تقدما ملحوظا، ومع اقتراب البلاد من مرحلة مفصلية في مسيرتها الديمقراطية، فلنواصل هذا الزخم. تؤكد الولايات المتحدة وقوفها إلى جانب العراق وهو يمضي قدماً نحو مستقبلٍ قوي ومستقل وخالٍ من المليشيات المدعومة من الخارج".
ورغم تقديم جهات سياسية عراقية شكاوى قضائية لدى المفوضية العليا للانتخابات والمحكمة الاتحادية العليا في البلاد، لإبعاد الفصائل عن المشاركة في
الانتخابات كونه يمثل مخالفة الدستور، لكنه لم يتم البت بها أو التعلق عليها من الجهات القضائية.
وبحسب مراقبين، فإن منع الولايات المتحدة تمرير قانون الحشد الشعبي في البرلمان قبل أشهر من إجراء الانتخابات، رغم مساعي الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم لتشريعه، كان بمثابة تحذير أولي لأحزاب السلاح، ولاسيما ما يتعلق بمشاركتهم في الحكومة المقبلة.
في وقت سابق، كشف رئيس البرلمان العراقي، محمود المشهداني، أن واشنطن أبلغت المسؤولين والقادة السياسيين، بفرض عقوبات سياسية واقتصادية وأمنية في حال إقرار قوانين محددة هم يرفضونها، وهذه رسالة واضحة تتعلق بقانون الحشد الشعبي، لذلك قررنا عدم تمريره.
"إبعاد محتمل"
تعليقا على مدى مشاركة هذه الفصائل في الحكومة المقبلة، قال المحلل السياسي العراقي، هلال العبيدي لـ"عربي21"، إن "الحكومات في العراق لا تتشكل على أساس أصوات الناخبين ولا عدد المقاعد التي تحصل عليها الكتل السياسية، وإنما وفق مبدأ التوافق لاختيار رئيس الحكومة".
وبناء على ذلك، أعرب العبيدي عن اعتقاده بأن "الفصائل المسلحة لديها واجهات سياسية تشارك في الانتخابات الحالية، وبالتالي ستحاول الالتفاف على رغبة الولايات المتحدة ومبعوث الرئيس الأمريكي مارك سافايا، من أجل البقاء في السلطة بطريقة أو بأخرى".
ولفت إلى أن "رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني مازال بحاجة إلى هذه الفصائل للحصول على ولاية ثانية، وإذا حصل عليها من خلالهم، فإن النزاع على إنهاء سلاحهم سيظهر، بمعنى أنه لن يستطيع الإقدام على هذه الخطوة إلا بعد توليه المنصب من جديد".
وتابع: "إذا لم يحصل السوداني على ولاية ثانية، فمن المحتمل ألا يتم العمل بنتائج الانتخابات الحالية، خصوصا أن الخلاص من هذه الفصائل لا يتم بإرادة عراقية، لأن الحكومة لا تمتلك القرار بيدها"، مؤكدا أن "التعاون الدولي والتأثير الأمريكي المباشر حده قادر على إنهاء سلاح هذه المجاميع".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة الأمريكية لاتزال تمتلك أوراق الضغط القصوى في العراق، وذلك من خلال منع ضخ الدولار الناتج عن بيع النفط العراقي، ودعم بعض الشخصيات المحسوبة عليها، إضافة إلى التهديد بالضربات الجوية لاستهداف هذه الفصائل".
ورأى العبيدي أن "الضغوط الأمريكية سيُمارس بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، ومعرفة مدى استحواذ بعض أحزاب السلاح على أصوات الناخبين، خصوصا إذا كانت مقاطعة العراقيين تصل إلى أكثر من 70 بالمئة، ومشاركة الموالين لهذه الجماعات".
وأكد الخبير العراقي أن "صعود هذه الفصائل إلى قبة البرلمان سيفعل جرس الانذار الأمريكي، وبالتالي لدى الولايات المتحدة الكثير من الخيارات، إحداها الضغط على القضاء العراقي لإلغاء الانتخابات واعتبارها غير دستورية، لذلك كل السيناريوهات متوقعة".
واستبعد العبيدي "عودة كل هذه الفصائل إلى ممارسة دورها ضمن الإطار التنسيقي كجهة ممثلة في رئاسة الوزراء خلال المرحلة المقبلة، لأنه ثمة رغبة أمريكية ودولية وحتى عراقية في عدم وصول هذه الفصائل إلى سدة الحكم في البلاد".
اظهار أخبار متعلقة
"اختبار صعب"
وعلى الصعيد ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، عصام الفيلي لـ"عربي21" إن "التحديات في المشهد السياسي العراقي تكمن في مرحلة ما بعد الانتخابات، لأن هذه الجهات المسلحة حاولت باتجاه المشاركة في الاقتراع من خلال قواعدها من منتسبي الحشد الشعبي".
وأضاف الفيلي أنه "لأول مرة تشترك قوات الحشد الشعبي في الانتخابات، لأنه في الدورة السابقة كان لديهم تحفظ ومخاوف من تسريب الأسماء، لكن الآن مع رفض الولايات المتحدة للفصائل المسلحة، دفع الأخيرة للبحث عن بديل لشرعنة وجودها، وذلك عبر الدخول في قوائم انتخابية متعددة".
وتساءل قائلا: "هل تريد واشنطن استئصال هذه الجماعات سياسيا وعسكريا، أم أنها تترك مجالا لهم؟ باعتقادي أن واشنطن لديها مشكلة قائمة مع طهران، وتعتبر هذه الفصائل قريبة منها، بالتالي وجودها في المشهد السياسي والبرلمان يؤدي إلى تعزيز الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي".
وتابع: "لذلك أعتقد أن القادم سيكون أخطر، لأنه ليس من الهين إبعاد هذه الجهات المسلحة من المشهد العراقي، خصوصا أن بعضها أعلن قبل أشهر أنه يسعى للحصول على منصب رئاسة الوزراء".
ولفت إلى أن "الولايات المتحدة تعمل ضمن نظرية الاحتمالات المتعددة، وأن قد تتجه في بداية الأمر للخيار الدبلوماسي، لكن بعدها ربما تذهب إلى تصفية بعض الزعامات عسكريا، وهذا الدور يسند إلى إسرائيل للقيام به، والتي لا تريد أي وجود لأذرع إيران بالمنطقة".
الفليلي شدد على أن "الخطر الآن الذي يهدد العراق، هو مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تطمح له إسرائيل، لذلك فإن هذه الفصائل أمام اختيار صعب، وأن مرحلة ما بين إعلان نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة، قد تحصل جملة من المتغيرات أمام حتمية المواجهة الإسرائيلية الإيرانية".
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قد صرّح الأسبوع الماضي لوكالة "رويترز" أن العراق تعهد بوضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة، لكن ذلك لن ينجح طالما بقي التحالف بقيادة الولايات المتحدة في البلاد الذي تعتبره بعض الفصائل العراقية قوة احتلال.