لا شكّ في أن قيمة
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لا تحتاج إلى من يشيد بها؛
فهذا المهرجان وُلد عملاقا، وتربّع على قمة المهرجانات في المنطقة لسنوات طويلة، وما
زال -وسيبقى- الأقوى والأفضل، كونه من المهرجانات الدولية المصنّفة فئة "أ".
ولهذا، يحزنني ما يُثار في هذه الأيام من لغطٍ يطال هذا الصرح العريق، وقد يكون
مصدره -مع الأسف- قصور في إدارة الأمور داخل أروقة المهرجان. فعلى سبيل المثال، فوجئنا
ببيان صادر عن إدارة المهرجان تتبرأ فيه من "البوستر" الرئيس، وتصفه بأنه
مجرد تجربة، وليس النسخة النهائية، رغم أنه طُرح في البداية دون أي إشارة إلى ذلك.
وهي سقطة تُعدّ الأولى من نوعها في تاريخ هذا المهرجان الكبير.
أما السقطة الثانية، التي يصعب تصديقها في أي مهرجان، حتى وإن كان من الفئة
المتواضعة، فهي أن عدد
الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية لا يتجاوز 12 فيلما فقط.
ويُشاع أن أحد هذه الأفلام متاح على موقع "يوتيوب"، وإن صحّت هذه المعلومة
أو الإشاعة، فستكون سقطة ثالثة تضاف إلى سجل هذا المهرجان العريق.
على مدى سنوات طويلة لم يلتفت المسؤولون عن المهرجان إلى هذه الأساسيات بقدر اهتمامهم بالإقامة والسفر
فكيف يعقل أن تجوب فرق المهرجان وإدارته مهرجانات العالم طوال العام، بتكلفة
كبيرة تشمل تذاكر الدرجة الأولى والإقامة في أفخم الفنادق، ثم تكون الحصيلة 12 فيلما
فقط؟! من المسؤول عن ذلك؟!
وللأسف، سيغلق بعضهم -أو أغلبهم- آذانهم حفاظا على مصالح ضيقة، وسنسمع العبارات
المعتادة من نوع "ليس في الإمكان أبدع مما كان" وغيرها من الجمل الجوفاء
التي تُستخدم للتبرير والتغطية.
وبمناسبة حبّنا وعشقنا لمهرجان بلادنا، نطرح سؤالا طالما راودنا: لماذا لم تُستثمر
دور العرض التاريخية الكبرى في حفلات الافتتاح والختام وفعاليات المهرجان، مثل
سينما
"ريفولي" و"ديانا" اللتين تسمحان بمعمارِهما بإقامة دورات فخمة
تليق بسمعة
مصر الثقافية؟ ولعل كثيرين لا يعلمون أنهما تحتويان، إلى جانب القاعة الرئيسة،
على قاعات صغيرة ومرافق استقبال تصلح لعقد الندوات والمؤتمرات الفنية. لكن مع شديد
الأسف، لم تُستثمر هذه الإمكانات لصالح المهرجان.
ويُطرح هنا سؤال آخر: لماذا لا تُشاد دور عرض حديثة على غرارهما؟ فدور العرض
تُجسّد الفخامة والوجاهة، وتُسهم في إثراء فعاليات المهرجان العريق. لكن، وللأسف، على
مدى سنوات طويلة لم يلتفت المسؤولون عن المهرجان إلى هذه الأساسيات بقدر اهتمامهم بالإقامة
والسفر المقتطعين من ميزانية المهرجان، التي منحتهم الكثير، دون أن ينعكس ذلك بالعطاء
المطلوب على مستوى الحدث نفسه.
على أي حال، نتمنى أن يستعيد مهرجان بلادنا شبابه وقوّته، كما كان، وكما سيكون
بإذن الله.
تمنياتنا للجميع بالتوفيق، ودمتم بخير.