قضايا وآراء

شيطنةُ الوسيط: لماذا يُستهدَف الدورُ العُماني في اليمن؟

أنيس منصور
"الشرق اليمني عقدةُ طرقٍ ومعابر وامتدادٌ اجتماعي"- عربي21 (أرشيفية)
"الشرق اليمني عقدةُ طرقٍ ومعابر وامتدادٌ اجتماعي"- عربي21 (أرشيفية)
شارك الخبر
مؤخرا نشرت صحيفةُ عُمان الرسمية افتتاحيتَها بتحذيرٍ صريح مما يجري في حضرموت والمهرة، ووصفت المشهد بأنه "اللحظة الأخطر" في تاريخ اليمن الحديث؛ لأن العبث بشرقٍ ظلّ -نسبيا- أقلَّ اشتعالا من بقية الجغرافيا اليمنية يعني كسرَ آخر ما تبقّى من "الاعتياد" على الاستقرار، وفتحَ بابٍ يصعب إغلاقه لاحقا، حتى لو أراد الجميع ذلك.

جاء هذا في توقيتٍ يتزامن مع تحركاتٍ ميدانية لمليشيات الإمارات، واصطفافاتٍ جديدة في الجنوب والشرق. وتبدو تلك الافتتاحية أقرب إلى إنذارٍ سياسيٍّ منها إلى رأيٍ صحفيٍّ عابر؛ بل هي إنذارٌ بأن اليمن يتجه إلى "أزمة دولة"، ذلك أن المعابر والموارد والأجهزة تتحول إلى "مرجعيات" بديلة، وتصبح المناطق مشاريعَ نفوذٍ لا وحداتٍ إدارية داخل وطنٍ واحد.

افتتاحيةُ صحيفة عُمان الأخيرة تذهب في هذا الاتجاه بلا تردد: تحذِّر من تحويل حضرموت والمهرة إلى ورقة مساومات، ومن تعدد المرجعيات الأمنية، وتدعو إلى ترتيباتٍ واضحة تحت مظلة الدولة؛ لأن البديل هو تثبيت التقسيم بوصفه "اعتيادا" يوميا، ثم تحويله إلى قدرٍ سياسي.

هذا الخطاب لا يأتي من فراغ؛ فالأحداث على الأرض في كانون الأول/ ديسمبر 2025 أعادت الشرق إلى واجهة التوتر، خصوصا بعد إعلان مليشيا "الانتقالي" المدعومة إماراتيا توسيع سيطرتها باتجاه محافظاتٍ شرقية، بينها حضرموت والمهرة.

عندما يدخل الشرق في معادلة السيطرة بالقوة، فإن المنطقة لا تخسر استقرارها المحلي فقط، بل تخسر "قدرتها على البقاء خارج الحرب"

وهنا يبرز القلق العُماني: عندما يدخل الشرق في معادلة السيطرة بالقوة، فإن المنطقة لا تخسر استقرارها المحلي فقط، بل تخسر "قدرتها على البقاء خارج الحرب"، وهو المعنى الذي ركزت عليه الافتتاحية العُمانية نفسها.

وسط هذا المشهد، يعود السؤال عن دور سلطنة عُمان في الملف اليمني. مسقط، منذ 2015، لم تُقدِّم نفسها طرفا في الحرب، ولم تُحوِّل علاقتها باليمن إلى منصة خصومة مع هذا أو ذاك، لكنها أيضا لم تكن خارج الصورة. لقد اختارت موقعا يتيح لها أن تُبقي خيوط الاتصال قائمة حين تنقطع، وأن تذهب إلى جوهر الأزمة بدل الاكتفاء بسطحها؛ إذ لا يمكن دفعُ تسويةٍ دون أن توجد مساحةٌ تحمي الحوار من الانهيار عند أول اختبار.

ولهذا بالذات تحولت مسقط تدريجيا إلى عنوانٍ متكرر في مسارات التفاوض اليمنية بوصفها إحدى المساحات التي تُسهِّل عملها. وبيانات الأمم المتحدة نفسها تُظهر هذا المعنى بوضوح، عندما يشكر المبعوثُ الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عُمان على "الدعم القوي" أو "الراسخ" لجهود الوساطة الأممية؛ وهو شكرٌ لا يُقال عادة إلا عندما تكون الدولة المعنية فاعلة في تثبيت القنوات وتقليل التوتر.

وبالتالي فإن قيمة الدور العُماني لا تُفهم فقط عبر اللغة الدبلوماسية، بقدر ما تُفهم عبر الطريقة التي قرأت بها مسقط اليمن: بلدٌ متعدد القوى والمراكز، لا يمكن اختزاله في معادلةٍ ثنائية، ولا يمكن حلُّه عبر إقصاء مكوّنٍ لصالح آخر. لذلك حرصت مسقط -بقدر ما تسمح به السياسة- على التعامل مع المكونات اليمنية بمنطق التواصل لا التحريض، وبمنطق "إدارة التناقض" لا "تضخيمه".

هذا لا يعني أن السلطنة بلا مصالح؛ فهي دولةٌ حدودها مفتوحة على منطقة شديدة الحساسية اجتماعيا واقتصاديا. لكن الفارق أنها حاولت حماية مصالحها عبر الاستقرار المحلي وخفض التوتر، لا عبر خلق خصوماتٍ تُحوِّل المهرة -مثلا- إلى خط تماسٍّ دائم.

من زاوية أخرى، فإن من يتابع محطات التفاوض منذ البداية يدرك أن اليمن لم يتقدم سياسيا بخط مستقيم؛ فجولات جنيف، ثم الكويت، ثم محطات لاحقة مثل ستوكهولم، كانت تُظهر دائما أن فجوة الثقة أكبر من قدرة الطاولة على ردمها. في هذه الفجوة تحديدا يظهر دور "القنوات الخلفية" التي لا تصنع العناوين لكنها تمنع الانفجار. وفي لحظاتٍ لاحقة، حين تحولت التهدئة إلى هدفٍ بحد ذاته، صار لهذه القنوات وزنٌ أكبر.

وفي الخلفية، كانت عُمان تحتفظ بوظيفتها: تسهيل، وتخفيف اشتباك، وتمرير لغةٍ ممكنة حين تصير اللغة نفسها معركة، حيث تناولت تقاريرُ وتحليلاتٌ بحثية -مثلا- وصولَ وفدٍ عُماني إلى صنعاء في آب/أغسطس 2023، وارتباطَ ذلك بمحاولة إعادة تشغيل مسار التفاهمات في ظل تعثر ملفاتٍ مثل الرواتب وترتيبات الاقتصاد.

وفي 2023 أيضا، ظهرت محطةٌ أخرى كاشفة: حديثٌ عن محادثاتٍ في صنعاء بين وفدٍ سعودي وأطرافٍ يمنية خلال نيسان/ أبريل 2023، ما اعتُبر وقتها اختبارا لفكرة الانتقال من وقفِ نارٍ هشٍّ إلى تفاهماتٍ أوسع.

وكان مجلسُ الأمن يراقب هذه التحركات ضمن تقاريره الإحاطية، ما يعني أن المسار لم يعد شأنا ثنائيا فحسب، بل عقدة تربط الإقليم بالمجتمع الدولي.

ولعل أبرز ما يميز السياسة العُمانية، في نظر كثيرين، أنها لا تُعامل اليمن باعتباره ساحة لإثبات النفوذ، وإنما باعتباره جرحا مفتوحا في الجوار. لهذا كانت مسقط، تاريخيا، أقرب إلى خطاب وحدة اليمن ورفض تحويل مناطقه إلى منصات نفوذ.

في هذا السياق، يصبح البعد الإنساني في الدور العُماني أكثر من تفصيلٍ جانبي؛ ففي حربٍ صنعت نزوحا وفقرا وانهيار خدمات، تحولت السلطنة إلى منافذ حياة لليمنيين: علاج، وعمل، ودراسة، وإقامة؛ وذلك بحكم الجغرافيا والترابط الاجتماعي.

وإذا أردنا أن نقدم "نماذج" ملموسة على دور عُمان الإقليمي في صناعة التهدئة، فالأقرب للإنصاف أن نقرأها كمدرسة سلام. ففي 2013 استضافت مسقط قنوات تواصل سرّية بين واشنطن وطهران مهّدت لكسر جدار القطيعة وفتحت الطريق لمسارٍ تفاوضي أوسع حول الملف النووي، وهي لحظةٌ كشفت وظيفة عُمان التاريخية بوصفها "مكانا آمنا". وفي الملف اليمني، ظهر النموذج نفسه بصورةٍ أكثر مباشرة عندما شاركت عُمان في مسار التهدئة عبر وفودها وتحركاتها الميدانية، وصولا إلى حضور وفدَين سعوديٍّ وعُمانيٍّ في صنعاء لإجراء محادثاتٍ مع قيادة "أنصار الله" في نيسان/ أبريل 2023، في خطوةٍ قُرئت دوليا بوصفها محاولة لالتقاط فرصة وقفٍ دائم لإطلاق النار، وترتيباتٍ سياسية لاحقة.

وعلى خط البحر الأحمر، ومع تصاعد التوترات المرتبطة باستهداف الملاحة، برزت مسقط مجددا كوسيطٍ عملي: ففي أيار/ مايو 2025 أعلنت عُمان أنها توسطت لاتفاق وقف تبادل الاستهداف بين الولايات المتحدة و"أنصار الله"، بما في ذلك عدم استهداف السفن/القطع الأمريكية؛ وهو مثالٌ نموذجي على "خفض المخاطر" بدلا من ترك الأزمة تتدحرج نحو مواجهةٍ مفتوحةٍ لا سقف لها.

وفي ملفات المحتجزين بين إيران والغرب، تتكرر البصمة العُمانية كقناة تواصل منخفضة الضجيج تساعد على إنجاز ترتيباتٍ شديدة الحساسية؛ وقد أشارت تحليلاتٌ متعددة إلى دور عُمان خلف الكواليس في تسهيل تبادل أيلول/ سبتمبر 2023 الذي أُطلق بموجبه أمريكيون من إيران ضمن ترتيباتٍ معقدة شاركت فيها أطرافٌ أخرى.

ومن الأمثلة الحديثة التي توضح طريقة مسقط في الإمساك بخيط الإنسان وسط الخلافات، إعلان الخارجية العُمانية في كانون الأول/ ديسمبر 2025 أنها سهلت نقل عددٍ من أفراد طاقم سفينة "Eternity C" من صنعاء إلى مسقط تمهيدا لإعادتهم إلى بلدانهم، ضمن ما وصفته بجهدٍ إنساني متصل. قد تبدو القصة بعيدة عن "المفاوضات الكبرى"، لكنها في الحقيقة من صلبها: من ينجح في الملفات الإنسانية الصغيرة يُراكم ثقة تُستخدم لاحقا عندما تكبر الملفات.

وهنا تظهر العقدة: لماذا تُشيطن بعض الجهات دور عُمان؟ ولماذا تُطلّ بين فترةٍ وأخرى "سيمفونية" تتهم مسقط بما يشبه التهريب أو التواطؤ أو الحياد المريب؟ الإجابة لا تحتاج نظريات مؤامرة كبرى؛ يكفي أن نفهم مصالح الحرب.

هناك من يزعجه وجودُ وسيطٍ مقبولٍ لا يمكن ابتزازه بسهولة، وهناك من بنى نفوذه على استمرار الاستقطاب، وهناك من يريد أن يحتكر "قناة التواصل" حتى يوزع المكاسب والضمانات كما يشاء. في بيئةٍ كهذه، يصبح الاتهام أداة سياسية لإفساد سمعة القناة التي لا يملكها الآخرون. ثم إن الحياد نفسه يزعج الأطراف الإقليمية التي تسعى لتقسيم اليمن؛ فبعض القوى لا تفهم السياسة إلا كاستقطاب: إما معنا بالكامل أو ضدنا بالكامل.

مسقط، بطبيعتها، ترفض هذا المنطق. هي لا تعلن صداقاتها بطريقةٍ صاخبة، ولا تصنع عداواتها كهوية. هذا الأسلوب يجعلها "مقبولة" في الإقليم، وهذه القبولية تُفقد كثيرين إحدى أدواتهم المفضلة: شيطنة الخصم عبر شيطنة كل من يتحدث معه. لذلك تُستهدف مسقط إعلاميا لأنها تُفسد هذه المعادلة.

وعندما يُقال إن السياسة العُمانية "متوازنة وناجحة ولا تملك عداوات"، فالمقصود ليس أنها بلا خصوماتٍ على الإطلاق، بل أنها لا تصنع خصوماتٍ مجانية، وتفضّل أن تُبقي الحد الأدنى من العلاقة قائما، حتى لو اختلفت في الملفات؛ وهذا بالضبط ما جعلها قادرة على لعب دورٍ إقليمي في ملفاتٍ تتجاوز اليمن، وعلى أن تُقرأ دوليا بوصفها طرفا يمكن الوثوق به عندما تنسد القنوات. وفي الملف اليمني تحديدا، قيمة عُمان أنها نجحت في البقاء داخل اللعبة دون أن تلوّث يدها بحسابات الميدان، ونجحت في أن تُقنع مختلف الأطراف -ولو ضمنيا- بأنها ليست بوابة لاستدراجهم، بل نافذة لتخفيف الكلفة.

أما "ثقة المجتمع الدولي" بالدور العُماني فهي تُرى في سلوك المؤسسات الدولية؛ فعندما يكرر المبعوث الأممي شكره لمسقط على دعم الوساطة، فذلك يعني أن السلطنة تُعدّ إحدى نقاط الاتكاء لاستمرار المسار السياسي. وعندما تُذكر مسقط في سياق "مساحات الحوار الموثوقة"، فذلك لأن الوساطة تحتاج مكانا لا يطلب من الأطراف أن تُهزم كي تتفاوض، ولا يضع شروطا مهينة تُفشل الطاولة قبل أن تبدأ. لكن كل دورٍ يراكم ثقة يراكم خصوما أيضا. وهنا نعود إلى ظاهرة "شيطنة" عُمان في بعض السرديات الإعلامية الممولة أو المُسيّسة.

ليست المسألة أن عُمان فوق النقد، لكن طريقة النقد نفسها تتحول أحيانا إلى أداة صراع؛ حيث تُختزل السلطنة في تهمةٍ جاهزة، وتُضغط تعقيدات الحدود والتهريب والاقتصاد الرمادي في عنوانٍ واحد، ثم يُعاد تدوير العنوان كأنه حقيقةٌ نهائية. وأشهر هذه السرديات "سيمفونية التهريب" التي تظهر كلما اشتعلت المهرة أو توترت خطوط النفوذ في الشرق.

تحويل هذه الادعاءات إلى "سلاحٍ سياسي" ضد دولةٍ بعينها يخدم غالبا أهدافا تتجاوز مكافحة التهريب نفسها. أول هذه الأهداف تبرير إجراءاتٍ أمنية أو عسكرية أو نفوذٍ إداري في محافظةٍ حساسة تحت شعار "حماية الحدود"، ثانيها الضغط على وسيطٍ يحتفظ بقنواته مع أطرافٍ لا تريد بعض الدول أن تراه وسيطا أصلا، وثالثها ضرب الصورة الأخلاقية للوساطة؛ فإذا سقطت صورة "الحياد" سهل تعطيل الدور أو تحجيمه أو دفعه إلى موقع الدفاع بدل الفعل.

المشكلة هنا أن الشرق اليمني عقدةُ طرقٍ ومعابر وامتدادٌ اجتماعي، ومنطقة تماسٍّ بين مشاريع نفوذٍ لا تتساوى في أدواتها ولا في أهدافها.. وعندما تقول صحيفةُ عُمان إن التهدئة وحدها لا تكفي، وإن وقف الخطوات التوسعية شرطٌ لإنقاذ "فكرة اليمن الواحد"، فهي تلمّح إلى جوهر الأزمة؛ لأن المشكلة في الوقائع التي تُبنى على الأرض باسم الأمن أو الشرعية أو مكافحة التهريب، ثم تتحول إلى سلطاتٍ موازية لا تعترف إلا بنفسها.

عندما تُطوى صفحات حرب اليمن -ولو بعد حين- لن يبقى من "البيانات" إلا حبرٌ جاف، وسيبقى سؤالٌ واحد يطارد الجميع بلا رحمة: من أوقد النار؟ من نفخ فيها؟ ومن حاول -بصدق- أن يطفئها؟ هنا لن تنفع المزايدات ولا الاتهامات ولا جلبة المنابر؛ فمعيار التاريخ ليس كثرة الكلام

على هذا الأساس يمكن قراءة "النجاحات الهادئة" لمسقط. فالنجاح في اليمن يظهر عندما تُفتح نافذةٌ بدلا من أن يُغلق الباب، وعندما يُدار الخلاف بحدٍ أدنى من الانفجار، وعندما تُحمى قنوات الأمم المتحدة من السقوط، وعندما لا يتحول كل تعثرٍ إلى معركةٍ كبرى. لهذا تبدو الوساطة العُمانية مهمة؛ لأنها تحاول تقليل كلفة السياسة في بلدٍ صارت فيه السياسة نفسها أعلى كلفة من الحرب.

ويبقى أن اللحظة الحالية في حضرموت والمهرة تجعل هذا الدور أكثر صعوبة وأكثر ضرورة في آنٍ واحد: أكثر صعوبة لأن الوقائع على الأرض تعيد تعريف شروط التفاوض؛ فمن يسيطر على المعبر يملك ورقة، ومن يسيطر على المورد يملك قدرة تعطيل، ومن يملك جهازا أمنيا يملك سلطة يومية، وأكثر ضرورة لأن البديل عن الوساطة توسع الصراع، وتعدد المرجعيات، وتكريس التقسيم بـ"الاعتياد" ثم بالسياسة. وفي النهاية، قد لا يكون السؤال: هل تنجح مسقط وحدها؟ وإنما: هل يُسمح أصلا لوسيطٍ متوازن أن ينجح في بيئةٍ تُكافئ من يصنع الضجيج أكثر مما تُكافئ من يصنع المخارج؟

ولهذا، حين تحاول ماكينةٌ إعلامية ممولة شيطنة مسقط، ينبغي طرح سؤالٍ واحد: من المستفيد من كسر الوسيط الذي لا يملك مشروعا في اليمن سوى أن تتوقف الحرب أو تخف كلفتها؟ ومن الذي يخسر إن بقيت عُمان محل ثقةٍ دولية وإقليمية؟ ربما هنا نقترب من دوافع "سيمفونية التهريب" وأخواتها، التي ترددها أطرافٌ مليشياوية مدعومة إماراتيا.

بالمجمل، لم تقل عُمان إنها "صانعة السلام"، ولم تدّعِ أنها تملك الحل، لكنها أثبتت أنها تحرس المسار من السقوط الحر: من هدنةٍ تُفتح نافذتها، إلى زيارة وفودٍ إلى صنعاء، إلى استمرار حضور مسقط في حركة المبعوث الأممي، إلى أدوارٍ إنسانية تُنقذ أفرادا وتُبقي المعنى حيا. وهذا، في اليمن، إنجازٌ ليس قليلا؛ لأنه ببساطة يختصر ما تحتاجه البلاد الآن: هدوءٌ يعمل.. لا ضجيجٌ يستهلك.

في النهاية، عندما تُطوى صفحات حرب اليمن -ولو بعد حين- لن يبقى من "البيانات" إلا حبرٌ جاف، وسيبقى سؤالٌ واحد يطارد الجميع بلا رحمة: من أوقد النار؟ من نفخ فيها؟ ومن حاول -بصدق- أن يطفئها؟ هنا لن تنفع المزايدات ولا الاتهامات ولا جلبة المنابر؛ فمعيار التاريخ ليس كثرة الكلام.

ومن هذه الزاوية تبدو عُمان -بهدوئها المؤسسي، وصبرها السياسي، وابتعادها عن منطق الاستعراض- أقرب إلى موقع من اختار أن يكون جزءا من إمكان الحل، وأن يشتغل على إمكانات الحل وتقليل الكلفة، حتى وهو يُتَّهم أحيانا. غير أن إبقاء بابٍ موارب للحوار في حربٍ عبثية، ورفض الانجرار إلى سباق التصعيد، ليس موقفا رماديا؛ إنه قرارٌ شجاع، لأنه يُدفع ثمنه بصمت ويُختبر تحت ضغط الجميع.
التعليقات (0)

خبر عاجل