قضايا وآراء

تفويض بلا التزام.. المجلس الرئاسي بين غياب الوظيفة وتفكك الدولة

عبد المجيد عكروت
استمرار حالة التصدع، وتغليب المصالح الضيقة، وتقاعس المؤسسات، كلها عوامل ستؤدي إلى انهيار المرجعية السياسية، وتحوّل اليمن إلى ساحة فوضى دائمة.. الأناضول
استمرار حالة التصدع، وتغليب المصالح الضيقة، وتقاعس المؤسسات، كلها عوامل ستؤدي إلى انهيار المرجعية السياسية، وتحوّل اليمن إلى ساحة فوضى دائمة.. الأناضول
شارك الخبر
في لحظة سياسية حرجة من عمر البلاد، سلّم الرئيس عبدربه منصور هادي صلاحياته للمجلس الرئاسي، كخطوة تهدف إلى لملمة الصف الوطني، وتجاوز حالة الانقسام، وإدارة المرحلة الانتقالية على قاعدة التوافق السياسي والعمل المشترك لاستعادة الدولة اليمنية. جاء هذا التفويض في إطار رؤية تدعم وحدة القرار وتفعيل المؤسسات، وتهيئة بيئة سياسية وأمنية مناسبة لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، غير أن الواقع ذهب في اتجاه مغاير تمامًا.

أولًا ـ انحراف الوظيفة وتفكك التفويض

ما نراه اليوم من سلوك سياسي وعسكري لبعض أعضاء المجلس الرئاسي، وعلى وجه الخصوص قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، يمثل انقلابًا ناعمًا على التفويض ذاته. فبدلًا من التفرغ لمهام المجلس المتمثلة في قيادة البلاد نحو استقرار سياسي وإعادة بناء المؤسسات، تم استغلال موقع المجلس لتعزيز السيطرة الفئوية على الأرض، و*فرض أمر واقع في المحافظات الجنوبية والشرقية*، وتحويل المناطق المحررة إلى ساحات نفوذ خاصة، خارجة عن مؤسسات الدولة.

ثانيًا ـ شرعية الأرض مقابل شرعية التفويض

إن التمكين العسكري في المحافظات باسم المجلس الرئاسي، وبتواطؤ بعض قياداته، يضرب جوهر الدولة المركزية في مقتل. فتحول التفويض إلى وسيلة لتكريس التفكك والانفصال الناعم، وإضعاف الحكومة الشرعية. هذه الحالة تمثل انزلاقًا نحو “شرعية الأرض” التي تُصاغ بالقوة العسكرية، لا بالمؤسسات الشرعية والدستورية، في وقتٍ يراكم فيه الحوثي مكاسبه من هذا التشظي.

ثالثًا ـ المسؤولية السياسية لرشاد العليمي

رئيس المجلس الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، يتحمل الجزء الأكبر من هذا الخلل. إذ أنه، وبموجب الصلاحيات، سلّم مفاتيح القضاء والوزارات السيادية، والأمن، والمحافظات لمكونات تشتغل خارج إطار الدولة. لم يتم اتخاذ أي خطوات حازمة لتصحيح المسار، بل تم التماهي مع التمرد الإداري والعسكري، وهو ما أدى إلى تغييب سلطة الدولة وفتح الباب واسعًا أمام التغول الفئوي، وخلق سلطات موازية في أهم المناطق الاستراتيجية.

إن التمكين العسكري في المحافظات باسم المجلس الرئاسي، وبتواطؤ بعض قياداته، يضرب جوهر الدولة المركزية في مقتل. فتحول التفويض إلى وسيلة لتكريس التفكك والانفصال الناعم، وإضعاف الحكومة الشرعية. هذه الحالة تمثل انزلاقًا نحو “شرعية الأرض” التي تُصاغ بالقوة العسكرية، لا بالمؤسسات الشرعية والدستورية، في وقتٍ يراكم فيه الحوثي مكاسبه من هذا التشظي.
رابعًا ـ الحاجة إلى مراجعة التفويض واستعادة التوازن

في ضوء هذا المسار المتفلت، تبدو الحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة للتجربة الانتقالية الحالية. وإذا استمر الوضع على هذا النحو، فإن العودة إلى الرئيس هادي كمرجعية شرعية قد تكون خيارًا مطروحًا، ليس كرغبة شخصية أو سياسية، ولكن كضرورة وطنية لإعادة التوازن، وضبط التفويض، والحد من الانفلات الذي يهدد كيان الدولة.

خامسًا ـ التحرك عبر أربعة مسارات متكاملة

1 ـ داخليًا: يجب على القوى الوطنية الدفع باتجاه عقد جلسات حوار جادة داخل المجلس الرئاسي لتحديد وظيفة المجلس وتقييد العبث الحاصل باسمه، وربط أي سلطة عسكرية أو أمنية بقرار مركزي.

2 ـ إقليميًا: على التحالف العربي، وتحديدًا السعودية، القيام بدورها كراعٍ لعملية انتقالية، وضبط السلوك السياسي لأطراف المجلس الرئاسي بما يتوافق مع المصلحة العامة لليمن.

3 ـ عربيًا: ينبغي دعوة جامعة الدول العربية إلى الانعقاد وتأكيد موقف عربي صريح داعم لوحدة اليمن ورفض المسارات التفكيكية، والعمل على دعم الدولة اليمنية وليس الأجسام الموازية.

4 ـ دوليًا: لا بد من تنشيط العلاقات الدولية وتحريك ملف اليمن في المنابر الدولية لتوضيح أن ما يجري يهدد أمن البحر الأحمر وخطوط الملاحة ومكافحة الإرهاب، ما يجعل من حماية الدولة اليمنية ضرورة إقليمية ودولية.

سادسًا ـ مآلات المشروع الوطني

المخاوف اليوم ليست فقط على الدولة كإطار إداري، بل على المشروع الوطني برمته. فاستمرار حالة التصدع، وتغليب المصالح الضيقة، وتقاعس المؤسسات، كلها عوامل ستؤدي إلى انهيار المرجعية السياسية، وتحوّل اليمن إلى ساحة فوضى دائمة. وإن لم يتحرك الوطنيون لتصحيح هذا المسار الآن، فقد لا يجدون في المستقبل دولة ليصححوها.

ختاماً:

تفويض الرئيس هادي لم يكن شيكًا مفتوحًا، بل مسؤولية تاريخية، وما يجري اليوم هو تفريط كامل بمحتوى التفويض ومشروع الدولة. آن الأوان لصحوة سياسية، تعيد الاعتبار للشرعية والدولة، وتقطع الطريق على مشاريع التمزيق والانفصال، التي تجد فرصتها في غياب القرار الوطني الموحد.

*دكتوراه في الاقتصاد والقانون
التعليقات (0)