خلافًا للاعتقاد السَّائد منذ أشهر بأنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد صرف النظر نهائيًّا عن مشروع اِلتهام
غزة وتحويلها إلى ما سمّاه “ريفييرا الشرق الأوسط”، وتراجعَ عن تهجير الفلسطينيين، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أنّ فريق عمل يترأسه صهرُ ترامب، اليهودي غاريد كوشنر، ومبعوثُه الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قد أعدّ مخططا جديدا لتجسيد فكرة ترامب في السنوات العشر القادمة.
ووفقا للصحيفة، فإنّ كوشنر وويكوف قد سمّيا مخططهما “مشروع شروق الشمس”، وتبلغ قيمته 112.1 مليار دولار، تتكفّل الولاياتُ المتحدة بتوفير 20 بالمائة منه فقط، وتترك الـ80 الباقية لدول الخليج وتركيا. ويهدف المشروع إلى “إعادة تشكيل غزة بالكامل” وتحويل ساحلها إلى “وجهة سياحية فاخرة”، و”منطقة حديثة ذات طابع استثماري”، وذلك من خلال إقامة سلسلة فنادق فاخرة على الشاطئ، ومراكز تجارية فخمة، وبناء شبكات كهرباء محسَّنة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي…
ويتحدّث المخطط عن توفير مساكن مؤقتة لسكان غزة قبل إعادة تهيئة البنية التحتية، ما يعني أنّ الرئيس ترامب قد عزف عن فكرة تهجيرهم، لكنّ بعد شطب فكرة
المقاومة تماما من القطاع؛ إذ يُفرض أن لا يبدأ المشروع إلا بعد “نجاح” الولايات المتحدة في نزع سلاح “حماس” وبقية الفصائل بالمفاوضات أو بالتدخُّل العسكري لقوات الاستقرار الدولية المنتظر أن تصل طلائعُها في جانفي 2026 إلى القطاع، وهذا كلّه تحت مسمى “الاستقرار”، ما يعني أنّ المقاومة التي خرجت منهكة تماما من حربٍ قاسية دامت سنتين كاملتين، ستواجه قريبًا تحدّيا جسيما آخر.
منذ أشهر، قال رئيسُ وزراء العدوّ الصهيوني بنيامين نتنياهو إنّ اليوم التالي للحرب على غزة يعني إسقاط حكم “حماس” وتجريدها من سلاحها و”نزع التطرُّف” من سكان القطاع؛ ويعني إجبار الفلسطينيين على التخلّي نهائيًّا عن المقاومة والتعايش مع
الاحتلال والاكتفاء بالعيش في أرضهم بلا أيِّ حقوق سياسية… وها هو ترامب يتماهى مع فكرة نتنياهو ويسعى إلى أن يحقِّق له بالسياسة والمال ما عجز عنه بالحرب طيلة سنتين كاملتين، إذ لا يزال مصرًّا على “امتلاك” غزة وتنفيذ فكرة “ريفييرا الشرق الأوسط”، وتجريد المقاومة من سلاحها، وتدجين الفلسطينيين عبر إدماجهم في حياة الصَّخب التي تتيحها أدوات الترفيه والإفساد الأخلاقي التي ستطغى على المدينة بعد إنهاء الأشغال بها في غضون عشر سنوات كما يخطط كوشنر وويكوف.
وحتى إذا وفّر المخطط مائة ألف مسكن للفلسطينيين ومستشفيات ومدارس وغيرها… فسيكون تسييرُ القطاع لأمريكا عبر “مجلس السلام”، وستخضع المناهجُ التعليمية -مثلا- لـ”إعادة هيكلة” شاملة وصارمة تتّخذ من “نزع التطرُّف” ذريعة لغسل عقول الأجيال القادمة من الفلسطينيين وإقناعهم بأفكار “التسامح” و”التعايش” و”قبول الآخر” بدل أفكار المقاومة والتَّضحية وبذل النفس والجهد لتحرير الأرض والمقدَّسات، وسيجري ذلك كله بتعاونٍ إماراتي متصهين يسكنه هاجس محاربة “التطرُّف” ومعاداة المقاومة.
مربطُ الفرس في المخطط أنّه يربط بدءَ عملية إعادة إعمار غزة بنزع سلاح “حماس” والقضاء على أيّ أثر للمقاومة حتى يصبح الجوُّ مناسبًا كلّيا لملء القطاع بالمواخير والحانات والكازينوهات وبيوت الفساد تحت غطاء “المراكز السياحية الفاخرة”.. وما دامت الحركة مصرّة على أنّ سلاحها خطّ أحمر غير قابل للنقاش وستتعامل مع أيّ قوة دولية تسعى إلى ذلك على أنها قوة احتلال، فإنّ هذا يعني بوضوح أنّ “مشروع شروق الشمس” لن يرى النور أصلا، وسيفشل مبكّرا كما فشل من قبل “الميناءُ العائم” و”مؤسسة غزة الخيرية”… وغيرُهما من المخططات الإجرامية الأمريكية في غزة.
لكنّ الثمن سيكون باهظا للفلسطينيين؛ فربطُ إعادة الإعمار بنزع سلاح المقاومة، في عملية ابتزازٍ ومساومة رخيصة وغير إنسانية، يعني تشديد الحصار على غزة وإطالة أمده، وتحويل حياة 2.3 مليون فلسطيني إلى جحيم في غياب أدنى مظاهر الحياة في القطاع، ما يصبّ في النهاية لصالح مخطط التهجير التدريجي للسُّكان.
اللهم أنشر للفلسطينيين من رحمتك وهيِّئ لهم من أمرهم مِرفَقا.
الشروق الجزائرية