وصل المئات من عناصر حزب الله
اللبناني، ومدنيين لبنانيين، إلى المستشفيات، بإصابات مختلفة بسبب انفجار أجهزة النداء التي بحوزتهم "بيجر". وقالت مصادر مقربة من المقاومة اللبنانية، ووكالة الأنباء الرسمية، إن الانفجارات ناتجة عن اختراق إسرائيلي لهذه الأجهزة أو لأنظمة الاتصال المرتبطة بها.
وأثارت الحادثة، التي وُصفت بأنها من أكبر الثغرات الأمنية التي يتعرض لها الحزب، أسئلة واسعة حول طبيعة هذه الأجهزة وكيفية عملها، وإمكانية تحويلها إلى سلاح يُفجَّر عن بُعد. في هذا التقرير، تحاول "عربي21" شرح ما نعرفه عن "البيجر" وأنواعه، وكيف يمكن نظريًا اختراقه أو استغلاله.
ما هو البيجر؟
أجهزة البيجر، المعروفة بقدرتها على توفير التواصل الفوري والمباشر، تعد من أقدم وسائل الاتصالات المحمولة التي ساهمت في تعزيز التواصل السريع في مختلف القطاعات.
ويُعرَف هذا الجهاز أيضًا باسم "جهاز النداء اللاسلكي" أو "جهاز الاستدعاء" أو "المناد"، وهو جهاز إلكتروني صغير يُحمَل في الجيب ويعمل بالبطارية، ويقتصر دوره على استقبال الرسائل والتنبيهات دون إرسالها.
تعود فكرة هذه الأجهزة إلى منتصف القرن العشرين، قبل الانتشار الواسع للهواتف المحمولة الحالية، واستُخدمت لسنوات طويلة في المستشفيات، وقطاعات الطوارئ، وبعض المؤسسات الأمنية والعسكرية، كوسيلة سريعة لإرسال تنبيهات قصيرة إلى الموظفين أو العناصر المنتشرين في الميدان.
وعلى الرغم من التطور الهائل في تقنيات الهواتف المحمولة، إلا أن البيجر لا يزال يُستخدم بشكل واسع في العديد من المجالات الحيوية مثل الرعاية الصحية والطوارئ، بفضل موثوقيته وبساطته في نقل الرسائل النصية القصيرة والتنبيهات، خصوصًا في البيئات التي قد تكون فيها تغطية الهواتف المحمولة ضعيفة أو معرضة للانقطاع.
كيف يعمل البيجر؟
يعتمد عمل البيجر على تقنية الاتصالات اللاسلكية الراديوية (Radio Frequency Communication).
هذه التقنية تقوم بنقل الرسائل والإشارات عبر ترددات راديوية من خلال شبكة من الأبراج أو محطات الإرسال إلى جهاز البيجر الخاص بالمستخدم.
الإرسال عبر موجات الراديو:
يعتمد البيجر على استقبال رسائل نصية قصيرة أو إشعارات تُرسل عبر موجات الراديو. عندما يرغب شخص ما في إرسال رسالة إلى مستخدم البيجر، يتم إرسالها من خلال مزود الخدمة إلى برج الإرسال القريب من المستخدم بشكل مشفَّر، وعندما يستقبلها الجهاز على الطرف الآخر يقوم بفك تشفيرها وعرضها.
وتستخدم كثير من أنظمة البيجر بروتوكولات ترميز راديوية قديمة مثل "POCSAG" و"FLEX"، وهي بروتوكولات تسمح بإرسال رسائل رقمية وأبجدية رقمية بسرعات مختلفة عبر موجات راديو منخفضة التردد، ما يمنحها قدرة كبيرة على تغطية مساحات واسعة والتغلغل داخل المباني.
ترددات مخصصة:
كل بيجر لديه تردد محدد ورقم تعريف فريد (Capcode) يسمح له بتلقي الرسائل الخاصة به فقط.
ولا يحتاج التواصل عبر البيجر إلى شريحة اتصال، لكون الأجهزة تعتمد على رقم تعريف خاص بها، ومزوّدة بهوائيات راديوية لاستقبال الإشارة دون الحاجة إلى الاتصال عبر أبراج الاتصالات الخلوية أو شبكات الإنترنت.
ما هو النوع الذي انفجر؟
عبر بحث في حطام بعض الأجهزة التي انفجرت، ونشرها بعض مستخدمي مواقع التواصل، استطاعت "عربي21" الوصول إلى النوع الذي كان بحوزة بعض عناصر الحزب وهو Rugged Pager AR924، من "Apollo Gold" التايوانية، لكن لا يمكن تأكيد أن جميع الأجهزة التي انفجرت هي من الطراز نفسه.
يتميز Rugged Pager AR924 بكونه جهازًا متينًا وموثوقًا صُمم خصيصًا للعمل في البيئات الصعبة.
يأتي بتصميم مضاد للصدمات والغبار والماء، مما يجعله مثاليًا للاستخدام في قطاعات الطوارئ والصناعات الثقيلة.
كما يتمتع الجهاز بشاشة واضحة لعرض الرسائل، وزرّين مخصصين للتنقل السريع، بالإضافة إلى إنذار صوتي قوي واهتزاز للتنبيه في البيئات الصاخبة.
إلى جانب ذلك، يتمتع Rugged Pager AR924 ببطارية تدوم طويلاً، حيث يعتمد على بطارية ليثيوم-أيون قابلة لإعادة الشحن توفر ما يصل إلى 85 يوما من التشغيل المتواصل، ويمكن شحن البطارية كاملة في ساعتين ونصف فقط، وفق المواصفات المتداولة للجهاز.
وقالت شركة Gold Apollo في تصريحات صحفية إن الأجهزة التي ظهرت في الصور لم تُصنَّع مباشرة في مصانعها، بل لدى شركة مجرية تحمل اسم BAC Consulting تتولى الإنتاج بموجب ترخيص تجاري، وهو ما عزّز فرضيات تعرّض سلسلة التوريد للاختراق قبل وصول الأجهزة إلى لبنان.
هل يمكن اختراقه؟
ليس من السهل اختراق أجهزة البيجر لكونها بسيطة وغير متصلة بالإنترنت، وتعتمد على الإشارات الراديوية، لكن يمكن الولوج إلى نظام الرسائل والبنية التحتية للشبكة التي تبث هذه الإشارات والعبث بها، مثل إرسال رسائل وهمية أو تعطيل الخدمة.
أما إحداث تلف في البطارية فإنه يتطلب الوصول إلى النظام الكهربائي الداخلي للجهاز أو إضافة مكونات غير أصلية داخلية، وهذا أمر غير ممكن عادة عبر تقنية الاتصالات الراديوية المستخدمة في البيجر وحدها. كما أن الأجهزة الحديثة مزودة بأنظمة حماية تمنع التلف الناتج عن الشحن الزائد أو السخونة، وتراقب استقرار التيار داخل الجهاز.
من الناحية التقنية، يمكن اعتراض إشارات بعض أنظمة النداء أو التشويش عليها إذا كانت غير مشفّرة، بل وحتى استغلال ثغرات في البنية التحتية لشبكة الإرسال لإرسال رسائل وهمية أو تعطيل الخدمة، لكن خبراء أمنيين يشيرون إلى أن تحويل جهاز بيجر عادي إلى عبوة ناسفة يتطلب في العادة إضافة مكوّن متفجّر داخليًا، مع دائرة تفجير يمكن تفعيلها عبر إشارة أو رسالة معيّنة، أكثر من كونه "زيادة ضغط" على البطارية فقط.
وهذا يعني أن الاختراق، في حال كان وراء الانفجارات، يحتاج إلى نظام متطور جدا، يجمع بين القدرات الاستخباراتية والتقنية، ولا يقتصر على مجرد قرصنة برمجية عادية.
ماجن مارغاليت، نائب الرئيس الرقمي في شركة تطوير البرمجيات الإسرائيلية CodeValue، قال إن الجيل القديم من أجهزة البيجر يعمل بالنظام التناظري، ويصعب اختراقه، لكن الأنواع الحديثة والرقمية أصبحت الآن أكثر قابلية للاختراق والتحكم بها عن بعد.
وتابع مارغاليت للقناة 12 العبرية، بأنه بمجرد تحقيق اختراق لأجهزة الاتصال اللاسلكي والتحكم فيها، يمكن التحكم في الترددات وإرسال رسائل خاطئة، واستغلال نقاط الضعف المادية في المكونات الإلكترونية لإتلاف الجهاز، وحتى التسبب في انفجاره، عن طريق تشغيل تعليمات برمجية تجعل الجهاز يعمل بمعدل مرتفع يصل إلى انفجار البطارية أو انهيار بعض المكوّنات الحساسة داخله.
من جانب آخر، نشر توباز لوك، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منشورا ألمح فيه إلى مسؤولية إسرائيل عن تفجير أجهزة الاتصال في لبنان، قبل أن يحذفه.
لاحقًا، تنصل مكتب نتنياهو من منشور المستشار.
وقالت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه إن كانت تل أبيب هي من تقف وراء عملية تفجير أجهزة الاتصال، فإنها ترد على مخطط حزب الله لاستهداف شخصية أمنية سابقة أعلن "الشاباك" إحباطه.
اظهار أخبار متعلقة
ما هي الفرضية الأخرى؟
قال مصدر مقرب من حزب الله لوكالة فرانس برس إن "أجهزة الإشعار (بيجر) التي انفجرت وصلت عبر شحنة استوردها حزب الله مؤخراً تحتوي على ألف جهاز"، ويبدو أنه "تم اختراقها من المصدر".
وعلى منصة "إكس"، كتب تشارلز ليستر، الخبير لدى معهد الشرق الأوسط (MEI)، إنه "وفقًا لتسجيلات الفيديو ... من المؤكد أنه تم إخفاء عبوة بلاستيكية متفجرة صغيرة بجانب بطارية يتم تشغيلها من بعد عن طريق إرسال رسالة".
وهذا يعني في رأيه أن "جهاز الموساد اخترق سلسلة التوريد".
من جانبه، تحدث المحلل العسكري إيليا مانييه، ومقره في بروكسل، عن "خلل أمني كبير في الإجراءات التي يتبعها حزب الله"، موضحا أن عملاء إسرائيليين "تسللوا بلا شك إلى عملية الإنتاج وأضافوا عنصرا متفجرا وجهاز تفجير من بعد إلى أجهزة الإشعار من دون إثارة الشبهات".
وقال مايك ديمينو، الخبير الأمني والمحلل السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، إن العملاء "تمكنوا من توصيل أجهزة الإنذار في صفوف الحزب ... إما من خلال التظاهر بأنهم موردون أو عن طريق حقن الأجهزة مباشرة عند محطة ما ضمن سلسلة التوريد الخاصة بحزب الله عبر استغلال نقاط الضعف (شاحنات النقل والسفن التجارية)".
وفي فرضية أخرى، قال رياض قهوجي، المحلل الأمني المقيم في دبي، إن "إسرائيل تسيطر على جزء كبير من الصناعات الإلكترونية في العالم، ولا شك أن أحد المصانع التي تمتلكها صنع هذه العبوات الناسفة التي انفجرت اليوم وشحنها".
ما بين فرضية الاختراق البرمجي لأنظمة الاتصال، وفرضية تفخيخ الأجهزة داخل سلسلة التوريد قبل وصولها إلى لبنان، تبدو العملية ـ بحسب ما تقاطع من شهادات وتحليلات ـ مزيجًا بين عمل استخباراتي معقّد واستغلال لهشاشة منظومات الاتصال "البسيطة" التي يُفترض أنها أكثر أمنًا. وفي كل الأحوال، كشفت تفجيرات "البيجر" عن مستوى غير مسبوق من استهداف البُنى التقنية لحزب الله، وفتحت نقاشًا واسعًا حول أمن أجهزة الاتصالات في الحروب الحديثة، حتى عندما تبدو قديمة أو بدائية.