تقارير

قانون تنظيم الفتوى في مصر هل سيقضي على "فوضوية الفتوى"؟

لا توجد فوضى في الفتوى، وإنما تنوع في فهم الواقع واستدعاء ما يناسبه من الوحي.. (صفحة دار الإفتاء المصرية)
وافق مجلس النواب المصري في جلسته المنعقدة يوم الأحد 11 أيار/ مايو الحالي على مواد مشروع قانون مُقدم من الحكومة لتنظيم إصدار الفتوى الشرعية، والمختصين بمهام الإفتاء الشرعي، والذي كان يتألف من 10 مواد، ليصبح مجموع مواده 13 مادة وذلك بعد الموافقة على إضافة 3 مواد مقدمة من الأزهر الشريف. 

وأشار تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشؤون الدينية والأوقاف ومكتب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية إلى "أن صدور الفتوى بغير ضابط أو إطار قانوني جامع يفتح الباب أمام غير المؤهلين لاقتحام هذا المجال الدقيق، مما قد يؤدي إلى نشر فتاوى مغلوطة أو متشددة أو متساهلة، تهدد أمن المجتمع الفكري وتضر بمصالحه العليا".

ووفقا للتقرير فإن مشروع القانون سيسهم في "تعزيز الاستقرار الديني والاجتماعي في المجتمع، ضمان جودة الفتاوى ومواءمتها مع الشرعية الإسلامية، تعزيز الشفافية في ممارسة الفتوى، حماية المجتمع من الفتاوى المتطرفة أو غير الصحيحة، ضمان التزام المؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها، بنشر الفتاوى الشرعية الصادرة من المتخصصين.

وتضمنت مواد القانون تحديد الجهات المختصة بإصدار الفتوى الشرعية العامة والخاصة، وتحديد الشروط الواجب توفرها فيمن يتصدرون للفتوى، فقد نصت المادة الثالثة من القانون على أن الجهات المختصة بإصدار الفتوى الشرعية العامة "كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، دار الإفتاء المصرية..، ويختص بالفتوى الشرعية الخاصة بالأزهر الشريف كل من هيئة كبار العلماء، مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية، أو لجان الفتوى بوزارة الأوقاف وفقا للأحكام الواردة في هذا القانون".

فما هي خلفيات ودوافع تقديم الحكومة لهذا القانون في الوقت الراهن؟ وهل سيفضي تطبيق القانون بعد موافقة مجلس النواب عليه إلى معالجة ظاهرة ما يطلق عليه إعلاميا بـ"فوضوية الفتوى"، ووضع حد للفتاوى الشاذة بالفعل، بإسناد أمر الفتاوى الدينية إلى الجهات والهيئات والأشخاص أهل الاختصاص المحددين في مواد القانون؟

في هذا الإطار لفت الباحث السياسي، والخبير في الحركات الإسلامية الدكتور محمد جلال القصاص إلى أن "القانون سعى إليه الرسميون في المؤسسة الدينية (الأزهر والأوقاف)، وسعت إليه ـ أيضا ـ السلطة السياسية، ولكل منهما دوافعه الخاصة، فوزير الأوقاف، وشيخ الأزهر لهم اهتمام خاص بالتصدي للسلفية والسلفيين، وتوجد لقاءات تلفزيونية لشيخ الأزهر ووزير الأوقاف في نقد التيارات السلفية".

وأضاف "وكلاهما قادم من مؤسسة الرئاسة، فقد كان شيخ الأزهر عضوا بأمانة السياسات بالحزب الوطني، وعمل وزير الأوقاف مستشارا لرئيس الجمهورية لسنوات قبل توليه الوزارة، والمقصود من تقييد الفتوى بالجهات الرسمية هو كبت الصوت الموازي للمؤسسة الرسمية، من خلال أدوات الدولة (القانون) خلال مناقشة الآراء المعترضة، ومن قبل حاولوا من خلال نشر مكاتب معلنة للفتوى في أماكن عديدة، ولكنها لم تلق ترحيبا من الناس".

وأردف في حديثه لـ"عربي21": "ويحاول الساسة من جانبهم التوافق مع السياق العالمي الهادف إلى "تمكين المرأة"، وخاصة فيما يتعلق بالأسرة، وقد قطعوا شوطا في هذا السياق بدايته من السبعينات (أيام جيهان السادات)، مرورا بسوزان مبارك ومؤتمر السكان في القاهرة 1994 م، وانتهاء بالضجيج الحادث الآن حول (الخلع، القائمة والنفقة)"..


                   د. محمد جلال القصاص، باحث سياسي، وخبير في الحركات الإسلامية

وأبدى القصاص تحفظه الشديد على توصيف "فوضوية الفتوى" المتداول إعلاميا على نطاق واسع بالقول "لا توجد فوضى في الفتوى، وإنما تنوع في فهم الواقع واستدعاء ما يناسبه من الوحي (كتابا وسنة)، وهذا التنوع (الفوضى كما يسمونها)، سببه طبيعة الدين، فكل شيء في الدين (بعد التوحيد) به تنوع.. وخلافات الصحابة مشهورة معروفة، وهذه حالة من التنوع وليست حالة من الفوضى" على حد قوله.

وأردف "وعامة المخالفين للرسميين يحملون شهادات من الأزهر، وبعضهم عمل بالأوقاف، ويحظون بتأييد جماهيري واسع لا يتوفر لكثير من الرسميين" مضيفا "لوقت قصير سيخفض القانون الجديد الصوت الداخلي المناوئ للفتوى الرسمية، فالدولة قوية وتستطيع معاقبة من يخالف القانون فيها".

وتابع "وعلى المدى المتوسط سيحدث تكيف مع الوضع الجديد في سياق معاندة الفتوى الرسمية، والمتوقع أن يتم هذا العناد من خلال مناقشة الرسميين في آرائهم (فتاويهم)، وإحراجهم أمام العامة، وهو ما يحدث الآن على الحقيقية، فليس في الساحة من يتعمد الفتوى من خارج المؤسسة، وإنما يدور نقاش حول الفتاوى التي يطلقها كل أحد ـ رسمي أو غير رسمي ـ إنما يجيب على الأسئلة بشكل عفوي وتلقائي من باب الوعظ والإرشاد لا من باب التصدي للفتوى ومعاندة الأزهر، فعامة الحضور لا يخالفون السلطة، بل يحرصون على مهاودتها قدر المستطاع".

وأشار إلى أن الدولة (كل دولة) تحتاج غير الرسميين في جميع ظواهر المجتمع (الثقافة، الاقتصاد، السياسية، العنف، والدين) ولا تستطيع الاعتماد على الرسميين وحدهم، فغير الرسمي له دور لا بد منه كي يدور دولاب الحياة اليومي.. فثمة مساحة لا بد منها خارج الإطار الرسمي من باب التنفيس عن المعارضين واستيعابهم، ومن باب اقتراف مالا يحمد باسم المستقلين..".

من جانبه أبدى الكاتب والباحث المصري، المتخصص في سوسيولوجيا الإفتاء، الدكتور عمرو عبد المنعم تحفظه وأسفه على "تصوير الجدل حول مشروع تنظيم عمل الفتوى بين المؤسسات الدينية باعتباره معركة ثأر شخصية بين شيخ الأزهر ووزير الأوقاف" واصفا ذلك بأنه "غير صحيح".

وواصل حديثه بالقول "فكلاهما حريص على مكانة الأزهر الشريف، الذي وصفه الدكتور أسامة الأزهري بهرم مصر الأول، معلنا اعتزازه بعمامة الأزهر، وهو ما أكده بدوره شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وأعضاء هيئة كبار العلماء الذين اجتمعوا لاختيار مفتي الجمهورية عبر انتخابات نزيهة تقوم على شروط موضوعية، موصدين الباب أمام محاولات البعض للهيمنة على الأزهر الشريف ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف المصرية".

وأضاف: "لكن عمليا، بدأ تاريخ الإفتاء المصري كمؤسسة منذ عام 1885م، وقبلها كان هناك مفتون على المذاهب الأربعة يختارهم مفتي المذهب، أي أن مفتي الشافعية يختار الشافعية والأحناف يختارون الأحناف، وهكذا، وكان هناك اختصاص لدار الإفتاء كمؤسسة تعنى بدورة حياة الفتوى، ثم جاء تأسيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف عام 1935، على يد الشيخ مصطفى المراغي، واستمرت المؤسستان: مؤسسة تابعة لوزارة العدل ومؤسسة تابعة للأزهر..".


           د. عمرو عبد المنعم، كاتب وباحث مصري، متخصص في سوسيولوجيا الإفتاء

وردا على سؤال إن كان تطبيق القانون سيفضي إلى القضاء على فوضوية الفتوى، رأى عبد المنعم أنه "لن يقضي على فوضى الإفتاء الأهلي، بل سيقضي على التشابك بين المؤسسات الثلاثة في مجالات الإفتاء: الوعظ الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف، أما الفتاوى الشاذة والعبثية، فستكون في منابر أخرى غير الرسمية".

وتابع: "لذلك يجب تطبيق ما يعرف في الشريعة والفقه بالحجر على المفتي، وقد اتفقت كلمة الفقهاء ـ على اختلاف مذاهبهم ـ على وجوب الحَجْر على المفتي الجاهل والعبثي والمتبع لهواه في الفتوى، وأن على ولي الأمر وجوب منعه عن الفتوى لشدة ضرره على عامة المسلمين، وهو ما تقوم به الدولة الآن، من الحد من نشاط المفتي الذي ليس لديه مؤهلات الفتوى، وهو أن يكون مجتهدا على مذهب أو مجتهدا مطلقا، وهناك ضوابط لهذه العملية العلمية عند أهل الصنعة والمجال".

بدوره أوضح الكاتب والمحلل السياسي المصري، محمد حامد أن الهدف من القانون "هو تنظيم الفتوى في مصر، وحصرها في رجال الأوقاف، وفي مركز الفتوى العالمي الالكتروني التابع للأزهر الشريف، وهيئة كبار العلماء، وهو ما يحجب الفتوى عن أساتذة الجامعات في كليات الشريعة والحقوق وجامعة الأزهر".


                                             محمد حامد كاتب ومحلل سياسي

وأضاف في تصريحاته لـ"عربي21": "فالقانون بمثابة إجراءات تنظيمية، وبعد إقرار هذا القانون يوجد شيوخ مشهورون لا تنطبق عليهم المواصفات الواردة في القانون، منهم الدكتور سعد الدين الدين الهلالي، والشيخ أحمد كريمة، فهم أساتذة في جامعة الأزهر، وكذلك الدكتور مبروك عطية".

وختم حديثه بالقول "فكرة التنظيم جاءت من ضرورة أن يكون كل من يتصدى لإصدار الفتوى من اللجان التابعة لوزارة الأوقاف، ما يعني أن الفتوى ستكون محصورة في تلك الجهات والهيئات التي حددها قانون تنظيم الفتوى الشرعية، وهو ما يمنع غيرهم من القيام بإصدار الفتاوى".