ملفات وتقارير

كيف استغل الاحتلال حادثة سفارته في واشنطن لشن حرب ضد مؤيدي فلسطين؟

منظمات حقوق الإنسان وثقت وقائع الاعتداء على مؤيدي فلسطين- الأناضول
لا تترك دولة الاحتلال فرصة إلا وتستغلها للتحريض على الفلسطينيين وداعميهم، ومحاولة شيطنتهم ونعتهم، في مسعى دؤوب لوقف حالة التعاطف والرفض الدولي الواسع لجرائم الاحتلال في فلسطين، عموما، وقطاع غزة على وجه الخصوص.

وفي هذا السياق، استغلت حكومة الاحتلال وساسة إسرائيليين، حادثة مقتل موظفين في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، قبل أيام لممارسة التحريض على الداعمين للقضية الفلسطينية.

ورغم أن تفاصيل الحادث الذي نفذه أمريكي من أصول لاتينية، ما زالت قيد التحقيق، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لم ينتظر نتائج التحقيقات، وسارع إلى توظيف الحادثة سياسيًا وإعلاميًا في إطار حملة أوسع تهدف إلى تشويه صورة المؤيدين لفلسطين حول العالم.

فمنذ اللحظات الأولى، استخدم مسؤولون الاحتلال الإسرائيلي هذه الحادثة لتأجيج الخطاب المعادي للحراك العالمي المتضامن مع الفلسطينيين، في محاولة واضحة للربط بين المسيرات السلمية المؤيدة للفلسطينيين والرافضة لما يجري في غزة، وبين أعمال العنف الفردية.

وعلى رأس هؤلاء، خرج عدد من وزراء حكومة بنيامين نتنياهو بتصريحات تتحدث عن "تصاعد خطر المؤيدين لحماس" و"تزايد التحريض ضد إسرائيل في الغرب"، في تحريض مباشر على الفعاليات الاحتجاجية المتواصلة منذ بدء الحرب على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وبينما أكد البيت الأبيض أن التحقيقات لم تثبت بعد أي دافع سياسي أو صلة بتنظيمات مسلحة، اتجهت الحكومة الإسرائيلية إلى استغلال الحادثة كفرصة لصياغة رواية تربط التضامن الدولي مع الفلسطينيين بالإرهاب، في محاولة لتجريم هذا التضامن والضغط على الدول الغربية لتقييد حرية التعبير تحت عنوان "مكافحة معاداة السامية".

وهذا التوظيف السياسي لم يكن جديدًا، لكنه اكتسب زخمًا كبيرًا بعد الهجوم، مدعومًا بتغطية مكثفة في الإعلام العبري، وتصريحات من وزراء أبرزهم جدعون ساعر، الذي اتهم كل من يدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية بأنه يساهم في "تعزيز الإرهاب".


حادث واشنطن
في 22  أيار / مايو الجاري، قتل موظفان في السفارة الإسرائيلية، هما يارون ليشينسكي وسارة ميلغريم، خارج متحف كابيتال اليهودي في واشنطن، على يد إلياس رودريغيز، وهو أمريكي من أصول لاتينية، والذي هتف "فلسطين حرة" أثناء اعتقاله.


تصريحات وتحريض الحكومة الإسرائيلية
لم تمر ساعات على الحادث حتى صدرت تصريحات رسمية من قيادات إسرائيلية اعتبروا فيها أن الهجوم يُظهر خطورة "تصاعد العنف ضد إسرائيل في الخارج"، وربطوه مباشرة بالفعاليات والمسيرات السلمية المؤيدة لفلسطين في أمريكا وأوروبا.



مؤتمر جدعون ساعر: كذب وتضليل
في أعقاب الهجوم خرج وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في مؤتمر صحفي ليتحدث عن الحادثة ويصعد خطابه العدائي تجاه المؤيدين للقضية الفلسطينية، محاولًا ربط أي دعم دولي للفلسطينيين بموجة من الإرهاب يُزعم أنها تهدد أمن إسرائيل.

وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده ساعر في اليوم التالي للواقعة، حذر من أن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة سيشكل "مكافأة للإرهاب"، معتبرًا أن هذا الاعتراف سيُعزز من قوة حركة حماس، التي تصنفها "إسرائيل" وحلفاؤها حركة إرهابية، ويزيد من نفوذها على الساحة الإقليمية والدولية.

وأشار ساعر بشكل خاص إلى قرار محتمل من فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية، واصفًا إياه بأنه "خطأ جسيم" يمكن أن يؤدي إلى فقدان باريس لنفوذها في الشرق الأوسط، ويضر بعلاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل والدول العربية الحليفة لها.

وأضاف أن دعم القضية الفلسطينية عبر الاعتراف الدولي لن يساهم في السلام بل سيقود إلى المزيد من العنف والتطرف، وهو ما استغلّه لتبرير سياسات القمع والتضييق التي تنتهجها حكومته ضد التظاهرات والمسيرات السلمية المؤيدة لفلسطين في الداخل الإسرائيلي وفي أنحاء العالم.



وتأتي تصريحات ساعر في سياق حملة إسرائيلية ممنهجة لتشويه صورة النشاطات التضامنية مع الفلسطينيين، عبر وصفها بأنها جزء من "حركة عداء للسامية" و"غطاء للإرهاب"، ما يسمح للسلطات الإسرائيلية وشركائها في الغرب بفرض قيود صارمة على حرية التعبير والتجمع السلمي، وهذا الخطاب الرسمي يدعم بشكل مباشر محاولات تجريم التضامن الفلسطيني ويُستخدم لتبرير عمليات قمع المسيرات في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي شهدت في الآونة الأخيرة اعتقالات وهجمات من قبل قوات الأمن بناء على أوامر رسمية إسرائيلية.

وسارع ساعر إلى تحميل الفصائل الفلسطينية وحركة حماس مسؤولية تصعيد العنف، متجاهلًا الأسباب الحقيقية التي تدفع الشعوب لمناصرة القضية الفلسطينية، متبنيًا رواية تتهم أي احتجاج أو تضامن مع الفلسطينيين بأنه تهديد أمني يستوجب الحظر والقمع، وبهذا، يكرس ساعر سياسة ربط الدعم الدولي للفلسطينيين بالإرهاب، ما يعمق أزمة الحريات ويزيد من انقسام الرأي العالمي حول الصراع في الشرق الأوسط.

تضييق على التظاهرات
من جانبه وصف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير المتضامنين مع فلسطين بأنهم "إرهابيون ومتطرفون" في سلسلة تصريحات عقب الحادث، مطالبًا حكومات الغرب بـ"مكافحة هذا الإرهاب الداخلي".

وأشار بن غفير إلى أن "إسرائيل" ستطلب من الولايات المتحدة وأوروبا تشديد الرقابة على المسيرات والتجمعات المؤيدة لفلسطين.

وكانت وزيرة الداخلية الإسرائيلية إيليت شاكيد أكثر حدة، حيث قالت في تصريح رسمي إن "المسيرات التي ترفع شعارات مؤيدة لحماس أو حركات فلسطينية مصنفة إرهابية يجب أن تمنع فورا، وإلا ستتحول إلى ساحات للعنف"، في محولة منها للتحريض على قمع المظاهرات حول العالم.

الإعلام العبري: رافعة التحريض
في السياق ذاته سعت وسائل الإعلام الإسرائيلية، مثل "جيروزاليم بوست" و"تايمز أوف إسرائيل"، لتضخيم الحادثة وتحويلها إلى حملة تحريض واسعة ضد أي شكل من أشكال التضامن مع الفلسطينيين.

وتناولت الحادثة كمؤشر على ما وصفوه "تصاعد موجة معاداة السامية" في الغرب، وربطت بين التظاهرات المؤيدة لفلسطين و"أعمال العنف ضد اليهود".

في تحقيق صحفي نشره موقع "تايمز أوف إسرائيل" أيار / مايو الجاري، أشارت الصحيفة إلى أن "الفعاليات السلمية المؤيدة لفلسطين حول العالم تحولت إلى خطر أمني، حيث يستغلها متطرفون لتنفيذ هجمات".

ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن "حركة حماس والحركات الفلسطينية الأخرى تستخدم التظاهرات كغطاء لتنظيم عمليات داخل المجتمعات الغربية".


التضامن مع فلسطين معاداة للسامية
في سياق متصل، تحاول الحكومة الإسرائيلية منذ سنوات استغلال مصطلح "معاداة السامية" لتجريم نشاطات التضامن مع الفلسطينيين، خصوصًا في أمريكا وأوروبا، وهذه السياسة تهدف إلى قمع حرية التعبير وتوجيه الرأي العام ضد القضايا الفلسطينية، مستغلةً حالة الهجوم في واشنطن لتعزيز ذلك.

وفي الولايات المتحدة، شهد عام 2024 زيادة ملحوظة في ملاحقات قانونية ضد ناشطين ومنظمات تضامن فلسطينية، باستخدام قوانين ضد "معاداة السامية" غير موحدة التفسير، ما أدى إلى إلغاء فعاليات وفرض قيود على المسيرات.

الهجوم على مسيرات مؤيدة لفلسطين في العالم
ومنذ اندلاع حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة تسبب تحريض الحكومة الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي في تعرض العديد من المتظاهرين لجرائم واعتداءات، أو ممارسة الحكومات الأوروبية والأمريكية العديد من عمليات المداهمة والاعتقالات لرافضي الحرب على غزة.

ففي واشنطن، بعد الهجوم مباشرة، تم تفريق مسيرة سلمية أمام مقر إقامة السفير الإسرائيلي بالقوة، بحجة "خطر أمني". شارك في تفريق المتظاهرين عناصر من الشرطة الأمريكية بالزي المدني، وقاموا باعتقالات واسعة.

وفي آذار/ مارس الماضي تظاهر آلاف في سنترال بارك تضامنًا مع غزة، نيويورك، وتعرض بعضهم لاعتداءات من قبل الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه رغم سلمية الاحتجاج، وتم توقيف أكثر من 30 متظاهرًا.

كما منعت الشرطة في لندن، في نيسان/ أبريل الماضي مسيرة ضخمة في هايد بارك بناء على طلب السفارة الإسرائيلية، وهددت المشاركين بتوقيفهم بدعوى "تهديد النظام العام". حاولت السلطات تصوير المسيرة على أنها "تجمع متطرف".

فيما اعتقلت الشرطة الفرنسية في باريس، كانون الثاني/ يناير الماضي عشرات المتظاهرين في احتجاجات تضامنية مع غزة، وسط اتهامات بـ"التحريض على العنف"، رغم أن الاحتجاجات كانت سلمية بشكل واضح.

وتدخلت شرطة العاصمة الألمانية برلين لإنهاء تحرّك طلابي داخل إحدى قاعات جامعة هومبولت، نظّمه عدد من الطلاب احتجاجًا على الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وعلى قرارات الترحيل التي تستهدف نشطاء مؤيدين للقضية الفلسطينية.

ووثقت منظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي، تلك الوقائع وأصدرت تقارير تؤكد تزايد التضييق على حرية التعبير والتظاهر في الغرب تحت ضغط اللوبي الإسرائيلي.

والجدير بالذكر أن هذا التحريض لم يشمل الحكومات فقط بل تعرضت العديد من التظاهرات السلمية للعديد من انتهاكات من قبل متطرفين فعلى سبيل المثال تعرضت تظاهرة مؤيدة لفلسطين لعملية دهس من قبل أحد المتطرفين أصابت ما يقرب من 30 شخصا من مؤيدي فلسطين في تظاهرة خرجت في مدينة بوراس السويد.




فيما يقضى الأمريكي جوزيف تشوبا حكما بالسجن 53 عاما بعد قتله طفلًا فلسطينيًا- أمريكيًا يبلغ 6 سنوات ومحاولته قتل والدته بدوافع عنصرية بعد أسبوع من حرب غزة 2023، حيث أُدين تشوبا بطعن حنان شاهين وطفلها وديع الفيومي الذي توفي بعد 26 طعنة، وأكدت الشرطة الأمريكية حينها أن استهداف الضحيتين بسبب كونهما مسلمين من أصول فلسطينية.