سياسة عربية

قيادي بحركة الجهاد لـ"عربي21": المقاومة تلقّت مقترحا معدّلا لما قدّمه ستيف ويتكوف

هيثم أبو الغزلان كشف عن جهود سياسية ودبلوماسية مكثفة تُبذل من أجل تحريك ملف المفاوضات- مواقع التواصل
كشف القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، هيثم أبو الغزلان، عن وجود جهود سياسية ودبلوماسية مكثفة تُبذل حاليا على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مكان، بغرض تحريك ملف المفاوضات والتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى وقف العدوان الإسرائيلي وتبادل الأسرى بضمانات أمريكية.

وأشار، في حديث خاص مع "عربي21"، إلى أن "آخر تلك الجهود تمثلت في اقتراح مُعدّل لما قدمه المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وقد تلقت المقاومة الفلسطينية هذا المقترح الجديد خلال الأيام الماضية، ولا تزال تدرسه وتتشاور بشأنه".

وأضاف القيادي في حركة الجهاد، أن "هناك مفاوضات جارية بالفعل، وبعض الجهات تأمل بنتائج إيجابية، خاصة في ظل بعض التحوّلات، لكن مع الأسف لا يمكن اعتبار هذه التحوّلات حاسمة حتى الآن".

وأكد أنه "لا يمكن الجزم بأن الأمور تتجه بشكل مؤكد نحو اتفاق بشكل نهائي، ما لم يكن هناك ضغط أمريكي مباشر وواضح على رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".

تحركات سياسية حذرة

وأوضح أن "التحركات السياسية لا تزال حذرة إلى الآن، وأن جميع الأطراف تتحفظ لأسباب عدة، في مقدمتها سلسلة تجارب سابقة لم تثمر عن نتائج ملموسة، بسبب الوضع الداخلي الإسرائيلي، وسعي نتنياهو الدائم لاستغلال أي ظرف للضغط على المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، بهدف تحقيق مكاسب ميدانية يعتقد أنها ممكنة من خلال سياسة القتل والتجويع".

ولفت أبو الغزلان إلى أن المجازر المتواصلة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين تأتي في هذا الإطار، وهي مستمرة يوميا دون توقف.

وذكر أن "أي مراقب للمشهد عن كثب يمكنه القول بأن هناك فرصة قائمة ملموسة يمكن استغلالها تؤدي إلى وقف إطلاق النار، ووقف العدوان، ووقف جريمة الإبادة والتجويع التي تُمارس بحق الشعب الفلسطيني".

وزاد: "الوضع الداخلي الإسرائيلي يُمثل عنصرا مهما في هذا السياق، ولا سيما في ظل المطالبات المتزايدة من أهالي الأسرى الصهاينة لوقف العدوان وإبرام صفقة تبادل يتم بموجبها الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، فضلا عن حالة التعب والإنهاك التي باتت واضحة على الجنود الإسرائيليين، وكذلك قيادات جيش الاحتلال، وعدد من القادة العسكريين والسياسيين الذين أقرّوا بأن هذه الحرب استنفدت أهدافها، ولم يعد بالإمكان تحقيق المزيد".

وأوضح أن "المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أدخلت جيش الاحتلال الإسرائيلي في حالة استنزاف مستمرة، وإذا ما استمرت هذه الحالة وتصاعدت وتزايدت الخسائر في صفوف جيش الاحتلال، فقد تتحول إلى عامل ضغط بشكل كبير جدا على الجيش الإسرائيلي وقادته، وعلى الجنود أنفسهم، وعلى ذوي الأسرى الذين يخشون أن يُقتل أبناؤهم بنيران آلة الحرب الإسرائيلية".

تحوّلات سياسية هامة

وقال أبو الغزلان إن "هناك تحوّلات سياسية هامة ومختلفة مرتبطة بتطورات تتعلق بالمفاوضات والتحركات الجارية على أكثر من صعيد"، لكنه شدّد على أن الواقعية تقتضي الانتظار حتى تتبلور هذه المسائل بشكل واضح، ويُعلن عنها رسميا من قِبل الأطراف المعنية.

وأضاف القيادي في حركة الجهاد، أن "الحكم على المفاوضات لا يكون إلا من خلال نتائجها، وليس من خلال المسارات المتحركة أو الجهود السياسية الجارية، مهما كانت كبيرة ومضنية".

وأكد أن "الحكم الحقيقي سيكون على النتائج التي تحققها هذه المفاوضات لصالح المقاومة والشعب الفلسطيني، وعلى رأسها وقف العدوان، وانسحاب قوات الاحتلال، وضمان إدخال المساعدات الغذائية والطبية، وبدء الإعمار، وإنجاز صفقة تبادل شاملة بشأن الأسرى".

وأشار إلى أن "المقاومة الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص حركة حماس، أبدت مرونة عالية وتعاملت بإيجابية مع كل المقترحات والمبادرات المختلفة، وذلك في سبيل الوصول إلى حل واضح لجريمة الإبادة الجماعية والتجويع التي يمارسها الاحتلال".

ولفت إلى أن "المقاومة المسلحة، مُمثلة بكتائب القسام وسرايا القدس، تُحقق إنجازات ميدانية واضحة من خلال عمليات منفردة أو مشتركة، ضمن وحدة مقاومة تؤكد أن الاحتلال دخل حرب استنزاف لن يصمد فيها طويلا، وحتما يتكبد فيها خسائر فادحة".

العدوان حتما سيتوقف

وقال أبو الغزلان إن "هناك ثقة كبيرة بأن هذا العدوان سيتوقف يوما ما، وأن استمرار المقاومة والصمود الشعبي سيكون له أثر كبير على الاحتلال"، مشيرا إلى أن "قادة الجيش والجنود الإسرائيليين باتوا يطالبون بوقف الحرب، ويرون أنها بلا أهداف واضحة وحقيقية".

واستدرك قائلا إن "أي جهد سياسي لا يمكن البناء عليه ما لم تُدرس نتائجه العملية"، مؤكدا أن "عشرات المحاولات السابقة بدأت بتفاؤل وانتهت بلا نتائج بسبب تعنت الاحتلال ونتنياهو، وأن الرهان اليوم يجب أن يكون على النتائج، وعلى تصميم شعبنا ومقاومتنا على تحقيق الأهداف الوطنية، وعلى رأسها وقف جريمة الإبادة بحق الفلسطينيين".

ونوّه إلى ما تداولته وسائل الإعلام الإسرائيلية وغيرها عن أن الرئيس الأمريكي طلب من رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو النظر في إنهاء هذه الحرب والتوصل إلى اتفاق، غير أن نتنياهو لا يزال يناور في هذا الصعيد.

فخ السراب السياسي

وشدّد على أن "تصريحات نتنياهو التي تتحدث عن تقدم كبير في المفاوضات، وتمنح أملا زائفا، لا يمكن الركون إليها، لا سيما في هذا التوقيت الحرج"، مؤكدا أن "الأفضل هو الانتظار حتى يصدر إعلان واضح وصريح من المقاومة أو من الوسطاء أو من الاحتلال أو من الولايات المتحدة بشأن أبعاد ما تم التوصل إليه، ليكون مضمونا وقابلا للتنفيذ، وربما يصدر توضيح رسمي قريبا بهذا الشأن".

وأكد أبو الغزلان أن "ما يريده نتنياهو من استمرار الحرب لا يتجاوز أهدافه السياسية المتعلقة ببقاء حكومته، والهروب من قضايا فساد وتحقيقات قد تنتهي به إلى السجن، ما لم تُبرم تسوية داخلية مع القضاء الإسرائيلي".

وحذّر القيادي في حركة الجهاد، من الوقوع "في فخ السراب السياسي كما حصل في السابق، حيث تم إعطاء أمل في الاتفاق، لكنه تحوّل إلى لا شيء، نتيجة العراقيل التي يضعها نتنياهو مرارا وتكرارا أمام أي اتفاق محتمل".

واستنكر تصريحات ترامب التي تزعم مشاركة إيران في "المفاوضات الخاصة بحرب غزة والرهائن"، قائلا إن "ترامب يسعى إلى استغلال الملف الإيراني كورقة ضغط، وخصوصا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، محاولا إقحام إيران في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بزعم أنها طرف فيها".

وأوضح أن "الواقع يؤكد أن الوفد المفاوض هو وفد من حركة حماس، وأن الحركة تُجري مشاورات مع الفصائل والقيادات الفلسطينية حول المفاوضات، ما يجعل المسألة فلسطينية بحتة"، منوها في الوقت نفسه إلى "وجود مشاورات قائمة بين قيادة المقاومة الفلسطينية وأطراف عربية وإسلامية في هذا السياق، وهذا أمر غير مخفي".

وأضاف أبو الغزلان أن "محاولات ترامب لاستغلال ملف المفاوضات خدمةً المصالح الأمريكية، والضغط على القيادة الإيرانية فيما يخص البرنامج النووي، وليس لها صلة مطلقا بالواقع الميداني في غزة".

وقال أبو الغزلان إن "الدور الإسرائيلي لا يمكن إغفاله في محاولات نتنياهو دفع الولايات المتحدة إلى الخروج من مسار المفاوضات مع إيران، وذلك عبر استخدام أقصى الضغوط، بما في ذلك الضربات العسكرية، ليس فقط لإنهاء البرنامج النووي الإيراني، وإنما أيضا لإسقاط نظام الحكم في طهران".

وأردف: "إسرائيل تعتبر إيران تهديدا استراتيجيا ووجوديا للكيان الإسرائيلي، ومن هنا جاءت محاولات نتنياهو المتكررة لدفع واشنطن نحو الانسحاب من المفاوضات"، لافتا إلى أن "ترامب أحبط أكثر من محاولة لنتنياهو، بهدف منعه من القيام بأي عمل منفرد قد يؤدي إلى تخريب أو تدمير المفاوضات، بل ويشعل فتيل مواجهة أوسع في المنطقة".

واستطرد القيادي في حركة الجهاد، قائلا إن "ترامب سعى، في أكثر من مناسبة، إلى الضغط على نتنياهو للتراجع عن هذه المساعي، ومنع التصعيد أو تنفيذ ضربات عسكرية ضد إيران وبرنامجها النووي، حفاظا على مسار المفاوضات".

ولفت إلى أن "إسرائيل، التي تسعى إلى إنهاء المفاوضات الأمريكية- الإيرانية، تجد نفسها اليوم في موقف حرج، خاصة أن بلوغ المفاوضات مرحلة اتفاق لا يخدم مصالحها، وهو ما يحذر منه نتنياهو باستمرار، في محاولاته للانفلات من السياسة التي يرسمها ترامب في هذا الإطار".

مرحلة "عض الأصابع"

وأكمل: "الولايات المتحدة تسعى إلى ممارسة ضغوط كبيرة على إيران لدفعها نحو تقديم تنازلات في برنامجها النووي، خاصة فيما يتعلق بملف التخصيب"، مشيرا إلى أن "دعوة واشنطن، إلى جانب فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لاجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تأتي في هذا السياق ضمن سياسة الضغط الأقصى".

ورأى أن "واشنطن جرّبت أقصى أنواع الضغوط ضد إيران، لكن هذه السياسة لم تنجح في دفع طهران إلى التراجع عن رؤيتها وبرنامجها النووي"، مُشدّدا على أن "واشنطن تدرك أن مصلحتها تكمن في إبرام اتفاق مع إيران، كما أن طهران لها مصلحة في ذلك، إلا أن عض الأصابع لا يزال قائما، وسط سعي كل طرف إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب".

ولفت أبو الغزلان إلى أن "الولايات المتحدة تعيش اليوم حالة من التنافس الشديد مع الصين في الشرق الأوسط، ما يدفع العديد من الدول للتعامل مع هذا الواقع بشكل جاد، وهو ما يجعل الاستقرار في المنطقة هدفا للجميع، بالنظر إلى الأبعاد الاقتصادية للتنافس القائم".

وأكد أن "الضغوط الدولية التي تمارسها الولايات المتحدة لن تُجبر إيران على التخلي عن مبادئها أو مصالحها القومية"، موضحا أن "إيران، كما يعلن مسؤولوها، توازن دائما بين هذه المبادئ وتلك المصالح، وهو ما أثبتته تجربتها منذ انتصار الثورة الإسلامية".

وذكر أن "أمريكا جرّبت أكثر من مرة اللعب على الاضطرابات الداخلية في إيران، واستخدام الجوانب الاقتصادية والسياسية للضغط، لكنها لم تنجح في دفع طهران إلى تقديم تنازلات جوهرية، وهو ما لن يحدث أيضا في المستقبل".

ترابط الأزمات

وبسؤاله عن مدى ترابط أزمتي الملف النووي الإيراني وحرب غزة، أجاب أبو الغزلان إن "القضية الفلسطينية، وتحديدا ما يتعلق بقطاع غزة، أصبحت اليوم أكثر تشابكا وترابطا مع العديد من القضايا التي انفجرت في المنطقة عقب عملية (طوفان الأقصى)، وما تبعها من حرب وجرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني".

وأشار إلى أن "ما جرى تزامن مع تفجر ساحات المواجهة في لبنان واليمن والعراق، والتصعيد بين إسرائيل وإيران، والضربات التي وجهتها طهران إلى الكيان الإسرائيلي، كاد يفضي إلى حرب إقليمية كبرى".

وأضاف أن "موضوع البرنامج النووي الإيراني كان مطروحا بقوة قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023"، مشيرا إلى أن ترامب أوقف الاتفاق الذي توصل إليه سلفه بايدن، مُعتبرا إياه اتفاقا "ضعيفا من رئيس ضعيف"، وسعى إلى الضغط على القيادة الإيرانية عبر إجراءات عقابية شديدة على الصعيدين المالي والاقتصادي.

وأوضح أن "ترامب يرى أن إيران تعرضت لضربات قاسية في أكثر من ساحة، لا سيما في العراق ولبنان، بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وعدد كبير من قادة الحزب، مما جعله يعتقد أن طهران خسرت أذرعها الإقليمية، وأن الضغط عليها يمكن أن يدفعها لتقديم تنازلات كبيرة".

وأكد أن "ترامب يسعى من خلال المفاوضات إلى إرغام الإيرانيين على الخضوع"، لكنه أشار في المقابل إلى أن "طهران لا تزال مُصرّة على التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، مع التزامها بسقف معين لا يمكن تجاوزه، خاصة فيما يتعلق بملف تخصيب اليورانيوم".

وختم أبو الغزلان بالقول إن "المؤشرات الراهنة تدل على أن الأمور، رغم صعوبتها، تسير نحو الحل أو التوصل إلى اتفاق، ولكننا لا نزال نعيش مرحلة عض الأصابع كما أسلفت آنفا، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب".