حلم نتنياهو القديم التاريخي بضرب
إيران بدأ يتحقق بعد أن حاول مرتين قبل أكثر من عقد قبل أن تواجهه الترويكا الأمنية بالرفض، لكن منذ ذلك العهد جرت مياه كثيرة ودماء كثيرة في الأنهار، والغرابة في الموضوع أن إسرائيل تعتبر أن من حقها أن تقوم بتأديب الدول ومن حقها أن تضرب كيفما تشاء لكنها تندهش عندما يتم ضربها لتعتبر أن الرد الإيراني الطبيعي هو تجاوز للخطوط الحمراء ...!
هي أم كل الحروب بالنسبة لإسرائيل كما أطلق عليها الصحافي بن كاسبيت ضد دولة تعتبر كما قال «أم كل الأعداء» وحرب النهايات الحالمة لإسرائيل ما قبل إعلان الانتصار النهائي وتتويجها سيداً للمنطقة إذا ما تمكنت من جر الولايات المتحدة للدخول عسكرياً بما تملك من قوة، تسعى إسرائيل منذ عقود لإسقاط النظام وليس فقط البرنامج النووي كما تقول بل إنها كانت شديدة الوضوح باعتبار النظام رأس
الحربة الذي أحاط إسرائيل بدائرة النار ويقاتلها بأذرع متعددة.
ضربة إسرائيل الأولى كانت كبيرة جرى الاعتقاد أن الدولة التي تتحضر منذ ربع قرن لتقوم بهذه العملية أنها ستكون كبيرة حد الشلل الذي لا يترك للدولة، لإيران، متسعاً للرد وهذا كان واضحاً من أسماء الجنرالات والقادة الذين قضوا في تلك الليلة، ولكن بالمقابل يبدو أن إيران رغم شدة الضربة كانت أيضاً تتحضر لهذا اليوم ولأن قدرة إسرائيل كما كان يحذر جنرالاتها وقادة أمنها لا تستطيع تغطية الجغرافيا الإيرانية المترامية وإصابة كل الأهداف وهو ما اتضح أنه تقدير واقعي.
الظروف باتت مهيأة لضربة العمر بالنسبة لنتنياهو الذي يعتبر نفسه واحداً من أنبياء إسرائيل الذين أرسلهم «يهوه» لإنقاذها من تدمير الهيكل الثالث على يد إيران، وكذلك للأمن القومي الإسرائيلي، وتمثلت بثلاثة عوامل لم تكن شخصية من أكثر السياسيين مكراً مثل بنيامين نتنياهو أن يفوتها، أولها ما وفرته عملية السابع من أكتوبر من تزويد الرواية الإسرائيلية من ذخيرة بأن أعداء إسرائيل يريدون إبادتها والقضاء عليها وبالتالي من الطبيعي أن تقوم بعمليات ضدهم ولديها من القوة ما يكفي، والثاني هو وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأكثر حرصاً وقرباً لإسرائيل والأكثر إطاعة لبرامجها بدءا من تهجير
غزة وصولاً لإسقاط النظام في طهران وتدمير الدولة الإيرانية «كان منتشياً بالضربات الإسرائيلية على إيران أول من أمس».
أما ثالث العوامل وأكثرها أهمية في سياق الهدف الطويل بضرب إيران وهو تمكن إسرائيل من تحطيم وتحجيم ما تسميها الأذرع الإيرانية حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله فما كان من القوة والإرادة لدى الحزب كان كفيلاً بمنع إسرائيل من المغامرة بالانطلاق نحو طهران لسرعة الحركة ولاقتراب الحزب فهو يجلس تحت الجدار، لكن إسرائيل اطمأنت لحالة الحياد، فقد كانت واثقة بأن حزب الله لن يتدخل، أما حركة حماس فلم تعد تطمح لأكثر من وقف الحرب التي أنهكتها.
أم الحروب كما يسميها بن كاسبيت ليست ككل الحروب وإن كان الطرفان يدركان فداحة الخسارة، لكن الحقيقة أنها حرب وجودية بالنسبة لكل منهما، فإيران لم تُخفِ رغبتها بإزالة إسرائيل وكان هذا واحداً من شعاراتها ولم تُخفِ إسرائيل أيضاً رغبتها بإسقاط النظام في إيران، هنا يكمن مأزق الحرب ومن هنا أيضاً صممت إسرائيل ضربتها الافتتاحية لتكون ضربة تطيح بكل القوة التي يمتلكها النظام سواء قوة بشرية «عدد الجنرالات الذين خدعتهم لعقد اجتماع لتتمكن من قتلهم جميعاً» أو قوة عسكرية تبدأ بمنصات الصواريخ ومصانع ومخازن المسيرات وتنتهي بالمفاعلات في نتانز وبوردو.
الطائرات الإسرائيلية تسيطر على أجواء طهران، هكذا يقول المسؤولون الإسرائيليون بفرح غامر فمن كان يحلم؟
هنا أزمة التفوق الإسرائيلي بامتلاك إيران طائرات قديمة لا تصلح للحروب الحديثة ما جعل إيران تحاول التعويض من خلال الصواريخ القادرة على الوصول لمديات أبعد من الطائرات وهي دولة متفوقة بهذا المجال ثم جاء عصر الطائرات المسيرة لتصبح دولة مصدرة في هذا المجال فقد اعتمدت عليها روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
من الواضح أن الحرب ستستمر فلا يمكن أن تتوقف إسرائيل لأن الفرصة لن تتكرر نهائياً وما فعلته حتى الآن أقل كثيراً مما كانت تريد ومن غير الممكن أن تترك النظام في إيران يحمل هذا الثأر ويعيد بناء نفسه بقناعة ضرورة القنبلة النووية لردع التطاول الإسرائيلي وبقناعة نهائية حينها تكون إسرائيل أضرت بمصالحها، لذا من المتوقع أن تستمر بالضربات لاستنزاف النظام وإنهاكه وضرب رجاله ومقرات أسلحته، وربما يتطور الأمر لضرب مراكز الاقتصاد التي لم يقترب الطرفان منها لدى كل منهما وصولاً لما تخطط له إسرائيل بإحداث فوضى شاملة تعم المدن تتكفل تلك مع الدعم الأميركي والغربي بإسقاط النظام .
هكذا تكون إسرائيل تخلصت من أكبر تهديد تمدد على مساحة نصف القرن الماضي كما وصفه الراحل محمد حسنين هيكل «بالرصاصة التي انطلقت في القرن السابع لتستقر في القرن العشرين» وكانت صداع إسرائيل المزمن ولكن هل الأمر بهذه البساطة ؟
وهل إيران التي كانت تعرف أن هناك من يتربص بها منذ عقود لم تجهز نفسها؟
أو هل يمكن لإيران أن تضحي بنفسها أم تذهب لطاولة التفاوض؟
وهل يقبل الإسرائيلي بأقل من الإطاحة بالنظام؟ أسئلة سيحدد السلاح إجاباتها!.
الأيام الفلسطينية