دخل المراقبون الجويون في
فرنسا، الخميس، في إضراب يستمر ليومين احتجاجاً على "النقص المزمن في عدد الموظفين وسوء ممارسات الإدارة"، ما تسبب في اضطرابات كبيرة في حركة السفر الجوية داخل فرنسا وأوروبا، تزامناً مع انطلاق موسم العطلة الصيفية.
ودعت نقابتان فرنسيتان إلى الإضراب، الذي طال تأثيره عدة مطارات غربية، وأدى إلى إلغاء مئات الرحلات الجوية، بينما يتوقع أن تتفاقم الأزمة غداً الجمعة مع بدء العطلة المدرسية في البلاد.
وأفادت هيئة
الطيران المدني الفرنسية بأنها طلبت من شركات الطيران تقليص عدد رحلاتها، لتتماشى مع العدد المحدود من
المراقبين الجويين المتاحين خلال فترة الإضراب، الذي شارك فيه نحو 270 مراقباً من أصل 1400 تقريباً.
وفي هذا السياق، أعلنت شركة "راين إير"، أكبر شركة طيران اقتصادي في
أوروبا، إلغاء نحو 170 رحلة، ما أثر على خطط سفر ما لا يقل عن 30 ألف راكب.
وأوضحت الشركة أن غالبية الرحلات الملغاة ليست متجهة إلى فرنسا، بل تمر عبر مجالها الجوي، الذي يشكل ممراً رئيسياً لحركة الطيران في القارة.
شلل في مطارات كبرى
وشهد مطار نيس، ثالث أكبر مطارات فرنسا، إلغاء نصف الرحلات المجدولة، بينما أُلغيت نحو 25% من الرحلات في مطارَي أورلي وشارل ديغولفي باريس، أحد أكثر مطارات أوروبا ازدحاماً.
وامتدت تداعيات الإضراب إلى مطارات الجنوب الفرنسي، حيث ألغيت نحو 30% من الرحلات في ليون ومرسيليا ومونبلييه. وأعلنت شركة "الخطوط الجوية الفرنسية" اضطرارها لتعديل جدول رحلاتها دون تحديد العدد الدقيق للرحلات المتأثرة، لكنها أكدت في الوقت نفسه عدم تأثر رحلاتها للمسافات الطويلة.
ويتوقع أن يتفاقم الوضع غداً الجمعة، مع إعلان هيئة الطيران المدني أنها طلبت من الشركات إلغاء نحو 40% من الرحلات في مطارات باريسوبوفيه، تزامناً مع حركة سفر كثيفة في أول أيام العطلة الصيفية المدرسية.
مطالب نقابية وتصعيد حكومي
النقابة العمالية UNSA-ICNA، وهي ثاني أكبر نقابة في قطاع المراقبة الجوية، أكدت أن الإضراب يأتي في ظل "تخطيط إداري غير مناسب، واستخدام معدات قديمة، وسوء ممارسات لا تتماشى مع متطلبات السلامة والهدوء"، إضافة إلى رفضها لمقترح تطبيق نظام إلكتروني جديد لتسجيل الحضور.
وطالبت النقابة بتحسين ظروف العمل، وزيادة عدد الموظفين في مراكز المراقبة الجوية، التي تعاني من ضغط كبير، خاصة خلال ذروة السفر الصيفية.
في المقابل، وصف وزير النقل الفرنسي فيليب تابارو مطالب النقابات بأنها "غير مقبولة"، معتبراً أن توقيت الإضراب في بداية موسم الإجازات يشكل عبئاً إضافياً على المسافرين والاقتصاد الوطني.
غضب شركات الطيران وتحذيرات أوروبية
من جهتها، أعربت منظمة "شركات الطيران لأوروبا" (A4E)، التي تضم عدداً من أبرز الشركات العاملة في القارة، عن غضبها من التحرك النقابي، واصفة الإضراب بأنه "غير مقبول"، في ظل غياب تنسيق أوروبي فعال لتخفيف وطأته على الملاحة الجوية.
وأشارت المنظمة إلى أن المجال الجوي الفرنسي يُعد من أهم الممرات الجوية في أوروبا، وأي إضراب فيه يؤدي إلى ارتباك واسع في الرحلات الجوية عبر القارة بأكملها، بما فيها الرحلات التي لا تهبط في فرنسا.
وأكدت مصادر ملاحية أن الطيران الخاص تأثر هو الآخر، لاسيما في مطاري نيس ولوبورجيه قرب باريس، حيث تم تعليق أو تقليص عدد من رحلات رجال الأعمال والطيران التجاري.
وليست هذه المرة الأولى التي يشهد فيها قطاع المراقبة الجوية الفرنسي تحركات مماثلة، إذ تكررت الإضرابات في السنوات الأخيرة، ما تسبب في أزمات متكررة للمسافرين وشركات الطيران على حد سواء، وسط تحذيرات من أن عدم معالجة الأسباب الهيكلية لتلك الإضرابات يهدد استمرار استقرار الملاحة الجوية الأوروبية.
عشرات الآلاف من المسافرين
وفي ظل تصاعد الأزمة، وجد عشرات الآلاف من المسافرين أنفسهم مضطرين لتعديل خطط سفرهم في اللحظة الأخيرة، في مشهد أصبح مألوفاً في أوروبا خلال مواسم العطلات، ويعيد طرح تساؤلات متجددة حول جاهزية سياسات الطيران الأوروبي لمواجهة الأزمات الداخلية، وغياب آلية تنسيق أوروبية موحدة لتقليل الضرر الناتج عن الأزمات المحلية في الدول الأعضاء.
ومع اقتراب موسم الصيف من ذروته، تبدو أزمة الإضرابات مرشحة للاستمرار، ما لم تُلب المطالب النقابية أو تُوضع حلول بنيوية تحفظ التوازن بين الحقوق العمالية ومتطلبات الملاحة الجوية الآمنة والمنتظمة.