سياسة دولية

انتقادات داخلية لبزشكيان بعد دعوته لاستئناف الحوار مع واشنطن رغم القصف الأمريكي

صحف إيرانية تنتقد بزشكيان لتصريحاته "اللينة" إزاء واشنطن - وكالة مهر
أثار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان موجة من الانتقادات في الأوساط المحافظة غداة تصريحاته المؤيدة لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، في موقف اعتبره خصومه "ليناً مفرطاً" تجاه دولة نفّذت ضربات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية الشهر الماضي.

وجاءت تصريحات بزشكيان خلال مقابلة خص بها الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون، المعروف بقربه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبُثت مساء أمس الإثنين. 

وقال بزشكيان في المقابلة إنه "لا يرى مشكلة" في استئناف المحادثات مع واشنطن، رغم الغارات الجوية الأمريكية التي استهدفت مواقع نووية في إيران منتصف حزيران/يونيو الماضي، دعماً للاحتلال الإسرائيلي في حربها المفتوحة مع طهران.


ويذكر أن الرئيس الإيراني الإصلاحي كان قد تعهّد في حملته بإحياء الحوار مع الغرب بهدف رفع العقوبات التي تخنق اقتصاد بلاده، كما أكد في المقابلة استعداد بلاده لاستئناف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنه في الوقت نفسه لفت إلى أن المنشآت النووية الإيرانية تعرضت لأضرار جسيمة جراء "الضربات الأمريكية غير القانونية"، وعلى وجه الخصوص خلال القصف الذي نُفّذ في 22 حزيران/يونيو الماضي.

وقال بزشكيان: "نحن منفتحون على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن العديد من المرافق تعرضت للتدمير أو لأضرار كبيرة بسبب الهجمات الأمريكية الأخيرة".

وكانت الولايات المتحدة قد استهدفت في 22 حزيران/يونيو الماضي مواقع نووية حساسة، شملت مركز تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في "فوردو" جنوب طهران، إضافة إلى منشأتين في أصفهان ونطنز (وسط البلاد)، أثناء مفاوضات غير مباشرة كانت جارية آنذاك بين الجانبين حول الملف النووي. ولا تزال الأضرار الدقيقة التي لحقت بهذه المواقع قيد التقييم.


صحيفة "كيهان" المحافظة، المعروفة بقربها من مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، انتقدت بشدة تصريحات بزشكيان، ووصفتها بأنها "ساذجة ومتنازلة"، وكتبت: "هل من العدل أن نجلس مجدداً بلا شروط على طاولة واحدة مع من أسقطوا القنابل على الدبلوماسية؟".

وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها: "في مواجهة عدوّ ملطخة يداه بدماء أبناء شعبنا، هل من خيار آخر سوى التمسك بالحزم والصرامة؟"، مشيرة إلى أن "المرونة" التي أظهرها الرئيس لا تنسجم مع واقع التهديدات القائمة.

أما صحيفة "جوان"، المقربة بدورها من التيار المتشدد، فوصفت تصريحات بزشكيان بأنها "ليّنة ولطيفة أكثر مما ينبغي"، وانتقدت ظهوره الإعلامي قائلة: "المعنى الحقيقي للحوار مع إعلامي أمريكي يتجلّى حين تنقل الكلمات سخط الشعب الإيراني وارتباطه العميق بحالة الارتياب من السياسات الأمريكية، لا حين تعكس انفتاحاً غير مبرر".

في المقابل، رحبت الصحافة الإصلاحية بموقف الرئيس، واعتبرته بداية لمقاربة دبلوماسية جديدة. وكتبت صحيفة "هام ميهان" أن "هذه المقابلة كان يجب أن تجرى منذ فترة طويلة"، مضيفة أن "صمت المسؤولين الإيرانيين في الإعلام الدولي والأمريكي ترك فراغاً كبيراً على مستوى الخطاب الخارجي".

وتابعت الصحيفة: "بزشكيان أطلق إشارة إيجابية رغم التعقيدات، وعلى إيران أن تكون حاضرة إعلامياً ودبلوماسياً لتقديم روايتها، خصوصاً بعد القصف الأخير الذي استهدف منشآتها السيادية".

ووفقاً لحصيلة جديدة بثّها التلفزيون الإيراني الرسمي، فإن عدد القتلى الإيرانيين جراء الحرب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على إيران في 13 حزيران/يونيو الماضي، واستمرت 12 يوماً بمشاركة أمريكية مباشرة، بلغ 1060 قتيلاً.

وتسود حالة من الانقسام الحاد داخل النخبة السياسية في طهران بشأن كيفية الرد على الضربات الأمريكية-الإسرائيلية، ففي حين يدعو المحافظون إلى تصعيد الموقف والامتناع عن أي حوار مع الغرب، يراهن الرئيس بزشكيان على استثمار الأجواء الحالية لإعادة إطلاق المفاوضات، بهدف رفع العقوبات وتخفيف الضغوط الاقتصادية المتزايدة.

ويبدو أن بزشكيان، الذي وصل إلى سدة الرئاسة بدعم التيار الإصلاحي وبعض الشخصيات المعتدلة داخل النظام، يواجه تحدياً مزدوجاً: إعادة بناء الثقة مع الغرب من جهة، واحتواء معارضة داخلية شرسة تعتبر أي انفتاح تجاه واشنطن "تفريطاً بالسيادة وتنازلاً عن الثوابت".