كشفت مجلة "
بوليتيكو" أن مسؤولين في إدارة الرئيس دونالد
ترامب استخدموا موقعا مشبوها على الإنترنت من أجل ملاحقة الأكاديميين المؤيدين لفلسطين وترحيلهم من البلاد.
وجاء في تقرير المجلة الذي أعده جوش غريستون وكايل تشيني أن وثائق غير مختومة كشفت للمحكمة ضلوع نائب رئيسة طاقم البيت الأبيض وأحد مقربي الرئيس ترامب، ستيفن ميلر بالعملية.
وكانت
إدارة ترامب تحدد الأكاديميين المؤيدين لفلسطين لاستهدافهم بالترحيل، واعتمدت بشكل كبير على موقع إلكتروني مجهول الهوية مؤيد لـ"إسرائيل"، والذي تعرض لانتقادات بسبب التشهير أو نشر المعلومات الشخصية المعروفة.
وأشارت المجلة إلى أنه من أجل دعم حملة ترحيل مؤيدي فلسطين، شكلت وزارة الأمن الداخلي مجموعة خاصة باسم "فريق النمر" من محللي الاستخبارات الذين قاموا بإعداد ملفات عن حوالي 100 طالبا وباحثا أجنبيا مشاركين في أنشطة مؤيدة لفلسطين، وفقا للسجلات.
وقد تم تحديد أكثر من 75 من هؤلاء الأشخاص من خلال موقع "
كناري ميشن" (مهمة الكناري) الغامض، وفقا لشهادة الإيداع التي كشف عنها هذا الأسبوع في قضية تطعن في استهداف إدارة ترامب للباحثين المؤيدين لفلسطين.
وفي تعقيب حصلت على المجلة الأمريكية، قالت "كناري ميشن" إنها ليست مرتبطة بالإدارة الحالية أو السابقة، فيما لم يرد البيت الأبيض مباشرة على تساؤلات معدي التقرير.
وفي السابق، شك محامو الهجرة والناشطون المؤيدون لفلسطين بأن سلطات الهجرة تقوم بأخذ الأسماء التي تريد إلغاء تأشيرات حاميلها من موقع "كناري ميشن"، وبدون تكليف نفسها عناء البحث المستقل في حقيقة ما يورده الموقع المؤيد لـ"إسرائيل".
لكن شهادات الإيداع في المحكمة تكشف عن الطريقة التي اعتمدت فيها إدارة ترامب وبشكل واسع على الموقع.
اقرأ أيضا: ما هي مؤسسة "كناري ميشن" التي تقمع مناهضي الاحتلال ومن يمولها؟
وفي شهادة أمام المحكمة الأربعاء، اعترف المسؤول في وزارة الأمن الداخلي، بيتر هاتش بأهمية الموقع لجهود إدارة ترامب، لكنه قال إن أي معلومات مأخوذة منه تم التحقق منها بشكل مستقل.
وتقول منظمة "كناري ميشن" إن هدفها هو "فضح المشاعر المعادية لإسرائيل والسامية في الجامعات"، وتقوم بنشر صور وملفات شخصية لأكاديميين مؤيدين لفلسطين، وتسجل أنشطتهم الاحتجاجية، على منصات التواصل الإجتماعي.
واتهم النقاد المنظمة بأنها تستخدم أساليب تعود للحقبة المكارثية من خلال تصوير نشاطات المؤيدين لفلسطين بأنها معادية للسامية واستنادا على أدلة واهية.
ولم تكشف "كناري ميشن" عن الممولين لها أو من يديرها. وتقول المنظمة في بيان تلقته المجلة: "نوثق الأفراد والجماعات التي تروج لكراهية
الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل واليهود. ونحقق في الكراهية عبر الطيف السياسي، بما في ذلك اليمين المتطرف واليسار المتطرف والناشطين المناهضين لإسرائيل".
كما تكشف سجلات المحكمة غير المختومة لأول مرة عن مدى تورط البيت الأبيض في عهد ترامب، ولا سيما كبير مساعدي ترامب ستيفن ميلر، في جهود إلغاء تأشيرات الأكاديميين المؤيدين للفلسطينيين الذين يدرسون ويدرّسون في الجامعات الأمريكية.
وشهد القائم بأعمال رئيس مكتب الشؤون القنصلية بوزارة الخارجية، جون أرمسترونغ، بأنه أجرى "ما لا يقل عن اثنتي عشرة محادثة" مع مسؤولي البيت الأبيض حول حملة ترحيل الطلاب، وأن ميلر كان يشارك في مكالمات جماعية بين الوكالات تتعلق بهذه القضية "في وقت ما، مرة واحدة على الأقل أسبوعيا".
وبحسب أرمسترونغ، فقد استغرقت الإجتماعات الهاتفية الجماعية مع ميلر من 15 دقيقة إلى ساعة، وشارك فيها مسؤولون من مجلس الأمن في وزارة الأمن الداخلي ووزارة الخارجية ودائرة الأمن بوزارة الأمن الداخلي. ولا يعرف مدى تورط البيت الأبيض في استهداف الطلاب والمؤيدين لفلسطين، نظرا للإمتيازات التنفيذية التي تخفي تفاصيل تبادل ميلر مع مؤسسات الحكومة الأخرى.
ومع ذلك، تلقي هذه الوثائق التي كشف عنها ضوءا جديدا على جهود إدارة ترامب العدوانية لاستهداف واحتجاز وترحيل الأكاديميين الأجانب المقيمين والعاملين في البلاد بشكل قانوني.
ولأشهر، بدا وزير الخارجية ماركو روبيو واجهة هذه الجهود: إذ استند إلى بند نادر الاستخدام في قانون الهجرة لمحاولة ترحيل باحثين مستهدفين، بمن فيهم محمود خليل وروميسيا أوزتيرك - بزعم أن وجودهم في الولايات المتحدة يتعارض مع مصالح السياسة الخارجية الأمريكية.
وكشف عن الشهادة التفصيلية حول محاولة الإدارة المثيرة للجدل لترحيل الأكاديميين المؤيدين للفلسطينيين في أكثر من 1,000 صفحة من الوثائق ومحاضر الإفادات التي نشرت مع بدء محاكمة الطعن في هذه السياسة في المحكمة الفدرالية في بوسطن هذا الأسبوع.
ويترأس قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية ويليام يونغ المحاكمة، وسيقرر ما إذا كانت إدارة ترامب قد انتهكت التعديل الأول للدستور الأمريكي باستهدافها الأكاديميين بناءً على خطابهم وآرائهم السياسية.
وكان الأكاديميون الأجانب يعملون ويدرسون في الولايات المتحدة قانونيا، إما بناء على تأشيرات دراسية أو من حملة البطاقة الخضراء. لكن الإدارة حاولت إلغاء وضعيتهم القانونية وإجبارهم على مغادرة البلاد. وقد تدخلت المحاكم حتى الآن لمنع الترحيل الفوري لكل من خليل وأزتيرك وغيرهما.
ولكن هاتش قدم رؤية مهمة حول دور منظمات من خارج الحكومة لاستهداف الأكاديميين. فبعد استدعائه كشاهد يوم الأربعاء في المحاكمة الجارية، أكد هاتش الدور الرئيسي لموقع "كناري ميشن" في عمل الاستخبارات الذي تقوم به الوكالة والمتعلق بعمليات الترحيل. وقال هاتش، مساعد مدير الاستخبارات في تحقيقات الأمن الداخلي: "جاءت العديد من الأسماء أو حتى معظمها من ذلك الموقع الإلكتروني، لكننا كنا نحصل على أسماء ومعلومات من مواقع إلكترونية مختلفة. تلقينا معلومات عن المتظاهرين أنفسهم من مصادر متعددة، لكن موقع "كناري ميشن" كان الأكثر شمولاً. وصلت القوائم من جميع الجهات المختلفة". وأضاف هاتش أنه أُبلغ، كما يعتقد شفهيا بأن فريقه بحاجة إلى مراجعة موقع "كناري ميشن" الإلكتروني، وأنه يحتوي على تقارير عن أكثر من 5,000 شخصا.
وقال مسؤول الأمن الداخلي: "هذا يوضح سبب حاجتنا إلى فريق متخصص، لا تستطيع أي وحدة أو قسم أو مجموعة محللين عادية تعمل ضمن هيكل تنظيمي عادي التعامل مع هذا العبء". وأضاف هاتش أن المحللين المعينين في وحدة "استخبارات مكافحة الإرهاب"، من بين وحدات أخرى، كلفوا للعمل في "فريق النمر". وأصر هاتش أيضا على أن أي معلومات حصل عليها محللوه من موقع "كناري ميشن" كان يجب التحقق منها قبل تضمينها في التقارير الرسمية.
وأضاف أن "كناري ميشن، ليست جزءا من الحكومة" و "ليست معلومات نأخذها باعتبارها مصدرا موثوقا، ولا نعمل مع أفراد ينشئون موقعا على الإنترنت، ولا أعرف من أنشأه".
وفي شهادته قال هاتش إن "أكثر من 75 بالمئة" من الأسماء التي حضرتها مجموعته "فريق النمر" جاءت من "كناري ميشن". كما ويعتقد أن أسماء أخرى جاءت من مجموعة أخرى اسمها "بيتار يو أس إي" والتي تستخدم شعار "اليهود يردون" وتنشر صورا لمؤيدي فلسطين على موقعها (تشهيرا بهم).
وفي شباط/ فبراير، أضافت رابطة مكافحة التشهير منظمة بيتار إلى قائمة الجماعات المتطرفة، زاعمةً أن المنظمة "تتبنى علنا معاداة الإسلام وتضايق المسلمين شخصيا عبر الإنترنت ولم تستجب بيتار لطلب التعليق.
ومع ذلك، بعد أيام من عودة ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير، أعلنت بيتار على منصة "إكس" أنها قدمت "قائمة ترحيل" لمسؤولي إدارة ترامب.
وجاء الكشف في المحكمة من قضية تقدمت بها الرابطة الأمريكية لأساتذة الجامعات وجمعية دراسات الشرق الأوسط، زعمت فيها أن "الترحيل الأيديولوجي" ينتهك التعديل الاول من الدستور.
وقد واجه المسؤولون الأمريكيون الذين استدعوا لتقديم إفادات في المحاكمة صعوبة في تقديم تعريف لمعنى المناصرة أو النشاط الذي يمكن اعتباره معاداة للسامية أو مؤيدا لحماس المصنفة كجماعة إرهابية في أمريكا. وكلا الأمرين يعتبران مبررا لحملة الترحيل والجهود الموازية لرفض منح تأشيرات للأجانب الراغبين في الدراسة أو مواصلة دراستهم في الولايات المتحدة. وقال أرمسترونغ في إفادته إن الهتاف المتكرر في المسيرات المؤيدة للفلسطينيين، "من النهر إلى البحر، فلسطين حرة"، يمكن اعتباره سببا لرفض الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة لأنه قد ينظر إليه على أنه دعوة إلى تدمير إسرائيل. وقال مسؤول وزارة الخارجية: "قد يكون كذلك في رأيي، لأنه يعني بحكم التعريف القضاء على إسرائيل والشعب الإسرائيلي".
وأضاف أرمسترونغ أن الدعوة إلى سحب المؤسسات الاستثمارات من إسرائيل أو فرض حظر على توريد الأسلحة إليها أو إنهاء المساعدات العسكرية لها، قد تكون جميعها إشكالية. وأضاف أن وصف الدولة بأنها "دولة فصل عنصري" يمكن تنصيفه "على الأرجح" بالنشاط المعادي لإسرائيل. ومع ذلك، اعترف أرمسترونغ بأن الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة لن تطبق على طالب تأشيرة. وقال أرمسترونغ، الذي سيدلي بشهادته في المحاكمة يوم الجمعة: "لقد دعا الرئيس إلى وقف إطلاق النار. لذا، لا".
وعندما سئل عن نوع العداء لأمريكا الذي قد يؤدي إلى رفض منح التأشيرة بموجب سياسات ترامب الجديدة، أجاب أرمسترونغ: "سيكون ذلك إدانة شاملة: جميع الأمريكيين مصابون بالسمنة وأشرار. ولن يكون كذلك: أنا أكره النقانق".
وتكشف التفاصيل الجديدة الصادرة عن مسؤولي إدارة ترامب أن العديد من جوانب هذه السياسة لا تزال قيد التطوير، بعد قرابة ستة أشهر من عودة ترامب إلى منصبه، واعدا بشن حملة على الطلاب الأجانب الذين يعتبرهم مثيري شغب. وقال أرمسترونغ بأنه لا يعلم بوجود تعليمات صدرت لموظفي القنصليات حول كيفية تحديد ما إذا كان خطاب معين يمكن اعتباره معاد للسامية. وسئل ستيوارت ويلسون، المسؤول في وزارة الخارجية والمشرف على إصدار التأشيرات، خلال إفادته قبل أسبوعين عما إذا كان مكتبه قد "تلقى أي توجيهات بشأن ما إذا كان نشاط الطالب يتوافق مع تأشيرة دراسته"، أجاب ويلسون أن الأمر لا يزال قيد الدراسة.
وبدا وزير الخارجية روبيو، على الأقل في التقارير الأولية بأنه المسؤول الرئيسي في حملة ترحيل الطلاب. ولم تكشف التقارير حول كيفية تحديد المسؤولين في وزارتي الخارجية والأمن الداخلي للطلاب الأجانب البالغ عددهم حوالي 1.1 مليون طالبا في الولايات المتحدة، الذين سيتم النظر في احتمال طردهم.
وذكر روبيو في مؤتمر صحافي عقده في آذار/مارس أنه الغى ما يزيد عن 300 تأشيرة طالب، مما عزز فكرة محوريته في جهود ملاحقة مؤيدي فلسطين. وقال روبيو: "في كل مرة أجد فيها أحد هؤلاء المجانين، ألغي تأشيرته. قد يكون العدد أكثر من 300 في هذه المرحلة. قد يكون أكثر. نفعل ذلك كل يوم".
ومع ذلك، قال مسؤولون في الإدارة إن مناقشات الحكومة حول إلغاء تأشيرات الأكاديميين تُجمع أحيانًا ضمن مناقشات أوسع نطاقًا حول إلغاء تأشيرات الآخرين. وفي المحاكمة التي جرت هذا الأسبوع أمام يونغ، الذي عينه ريغان، أدلى العديد من الأساتذة بشهاداتهم حول التأثير المخيف الذي خلفته حملة القمع التي شنتها الإدارة. وقدم برنارد نيكل، أستاذ الفلسفة في جامعة هارفارد والمواطن الألماني، شهادة يوم الثلاثاء قال فيها إنه بسبب الخوف الذي أثارته الاعتقالات البارزة للأكاديميين المؤيدين لفلسطين، توقف عن حضور الاحتجاجات وتوقيع الرسائل العامة والسفر للخارج. وقال نيكل: "لقد قررت للتو اتباع سياسة عامة تتمثل في التزام الصمت التام".