في الـ 11 من
تموز / يوليو يحي البوسنيون، الذكرى السنوية الـ 30 مجزرة
سربرينيتشا التي أعدمت
فيها قوات من صرب
البوسنة بزعامة رادوفان كراديتش وراتكو ملاديتش أكثر من ثمانية
آلاف رجل وصبي من مسلمي البوسنة خلال الحرب التي دارت رحاها بين عامي 1992 و1995.
واللافت للنظر أن
الذكري تمر في الوقت الذي يخرج فيه البوسنيين في تظاهرات دعما لغزة ووقف الإبادة
الجماعية على يد الاحتلال الإسرائيلي ولسان حالهم يقول، اليوم
غزة وبالأمس البوسنة.
وقامت شخصيات
بارزة محلية وأجنبية بوضع الزهور على النصب التذكاري بمقبرة قرب بلدة سربرنيتشا، فيما
أقام عدد من الناجين وأفراد الأسر صلاة جماعية على أرواح سبعة ضحايا، بينهم إمرأة،
عثر مؤخرا على بقايا من رفاتهم قبل دفنها بجوار 6750 جرى دفنهم بالفعل.
وتعد مجزرة
سربرنيتسا أكبر مجزرة في تاريخ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، تمت بحق سكان
بلدة سربرنيتسا المسلمين بالبوسنة والهرسك في شهر تموز/ يوليو 1995، وجسدت حالة من
التطهير العرقي.
تسلسل تاريخي
بعد سقوط الاتحاد
السوفياتي وانهيار المعسكر الشرقي، انفرط عقد الاتحاد اليوغسلافي وقبل نهاية عام
1990 أعلنت كرواتيا وسلوفينيا استقلالهما ردا على أطماع الصرب في ضم أقاليم الدولة
في كونفدرالية واحدة يكون لهم النصيب الأكبر من السلطة فيها.
أطماع الصرب حفز
العرقيات الأخرى للمطالبة بالاستقلال لتعلن كل من مقدونيا والبوسنة والهرسك
استقلالهما، إلا أن صربيا رفضت بشدة مبدية "مخاوفها" على صرب البوسنة
المتواجدون ضمن الأغلبية المسلمة.
وفي نيسان/ أبريل
1992 شنت صربيا حملة عسكرية واسعة للسيطرة على البوسنة والهرسك، وركزت هجماتها على
المناطق المتاخمة للحدود، وعلى رأسها مدينة سربرنيتسا بسبب موقعها الإستراتيجي.
وتمكنت صربيا من
السيطرة على سربرنيتسا وقامت بعزل كل المناطق الواقعة منها إلى الشرق والشمال
الشرقي عن باقي أراضي البوسنة، ونصبت مدفعيتها على الجبال المحيطة بالمدينة وشرعت
في دكها بوحشية دون تمييز بين المدنيين والعسكريين، وسحبت عددا من وحداتها
المقاتلة من كرواتيا المجاورة ودفعت بها إلى الجبهة البوسنية.
محاولة المسلمون
صد الهجوم
نظم مسلمو
البوسنة مجاميع مسلحة تتألف في أغلبها من القرويين المسلحين تسليحا بسيطا ببنادق
الصيد، في محاولة لصد العدوان إلا أنها وبعد 10 أيام فقط من نيسان / أبريل 1992 دخلت
القوات الصربية بلدة زفورنيك الإستراتيجية، عازلة بذلك سربرنيتسا عن توزلا.
من ناحية أخرى
التحق عدد كبير من المدنيين الصرب بالمليشيات والقوات المسلحة للمشاركة في عمليات
نهب وسلب واسعة لمساكن وأملاك المسلمين في المدينة والبلدات المحيطة بها.
ودمرت المليشيات
نحو 300 قرية للمسلمين في نواحي سربرنيتسا، وقتلوا أكثر من 3 آلاف شخص تمت تصفية
مئات منهم
في مطلع 1995
أحكم الصرب حصار سربرنيتسا وقضوا على كل المقاومة حولها، ويقدر ما لا يقل عن أربعة
آلاف شخص معظمهم من النساء الشيوخ والأطفال قضوا بنيرانها في أسبوع واحد، فيما انسحبت
المقاومة البوسنية في طوابير تفاديا لحقول الألغام ولكن حصارها الصرب وكان أغلبهم بلا
أسلحة.
وفي يومي 11و12 تموز
/ يوليو، اندلعت المعارك من جديد لكن رجحت الكفة للصرب وتمكنوا من أسر أعدادٍ
كبيرة من البوسنيين بينهم كبار سن ونساء وأطفال، ونقلوهم إلى راتوناك، بعد الوعود
بخروجهم تم نقلهم إلى جهات مختلفة وتم أعدم ما بين 4 آلاف و5 آلاف شخص في 14 تموز
/ يوليو.
المجلس الأوروبي
وبهذه المناسبة،
قال رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا في كلمة خلال مراسم إحياء الذكرى،
"نقف متضامنين مع أحبائنا الذين تركونا.. نتعهد بأن نبقي ذكراهم حية"
من جهته، لفت
ملك بريطانيا الملك تشارلز إلى مواجهة العديد من المسؤولين عن هذه المذبحة العدالة
الآن، لافتا إلى أن هذا "لا يعفينا جميعا من واجباتنا: الاعتراف بفشل المجتمع
الدولي في منع هذه الفظائع، وبذل كل ما في وسعنا لضمان عدم تكرارها".
المحكمة الدولية
اعتبرت المحكمة
الدولية الخاصة بيوغسلافيا حينها مجزرة سربرنيتسا "إبادة عرقية"، لكنّها رفضت
عام 2006 تحميل المسؤولية للدولة الصربية مكتفية باتهامها بالتراخي في منع الإبادة،
وفي المقابل، أدانت المحكمة زعيميْ صرب البوسنة رادوفان كراديتش وراتكو ملاديتش
بارتكاب.
وأدانت محكمة
جرائم الحرب التابعة للأمم المتحدة في لاهاي الجنرال راتكو ملاديتش، الذي قاد تلك
القوات، بتهمة الإبادة الجماعية، إلى جانب الزعيم السياسي الصربي رادوفان كاراديتش.
الأمس البوسنة
واليوم غزة
ويواصل أهالي
البوسنة في الخروج في مسيرات مؤيدة لغزة مطالبين في بوقف الحرب وإدخال المساعدات
الإنسانية، والتي كانت آخرها مسيرة الخميس قبل يوم واحد من إحياء الذكرى.
وانطلقت المسيرة
من السبيل، المعلم الأبرز في سراييفو، جابت أزقة البلدة القديمة
"باشتشارشيا" وصولا إلى شارع تيتو عند النصب التذكاري للأطفال الذين
قضوا خلال حصار المدينة.
وقال منظموا
المسيرة إن هدف المسيرة هو الربط بين ما وقع لهم والإبادة الجماعية التي تحدث
اليوم في غزة، خاصة وأن الأمم المتحدة رفعت شعار "لن يحدث بعد اليوم"
عقب الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، إلا أن العالم كله يشهد ما يحدث في غزة الآن
من إبادة جماعية دون أي حرك ساكنا.
ورفع المشاركون
في المسيرة علم فلسطين بطول 30 مترًا خلال فعالية إسقاط زهرة سربرينيتسا البيضاء
في نهر سانا بالبوسنة، حيث يرمز طول العلم إلى مرور 30 عامًا على الإبادة في
سربرينيتسا، في تذكير مزدوج بغياب العدالة في البوسنة وفلسطين.