سياسة عربية

رفع اسم علاء عبد الفتاح من قوائم الإرهاب.. خطوة نحو الإفراج عنه أم مراوغة؟

تطالب الدولة المصرية أيضا بأن "تسمح بزياة عاجلة لهم.."- جيتي
في تطور مثير شهده ملف أشهر معتقل مصري، قرّرت محكمة جنايات القاهرة، الاثنين، شطب اسم الناشط علاء عبد الفتاح من قائمة "الكيانات الإرهابية"، ما يعني في القانون المحلي: "رفع اسمه من قوائم المنع من السفر ووقف قرار تجميد الأصول"، وذلك في خطوة ينتظر حقوقيون أن يتبعها أخرى بالإفراج عنه.

وأتى هذا التطور، بالتزامن مع رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وجّهها الثلاثاء، معتقلون من قيادات جماعة الإخوان المسلمين مضربون عن الطعام منذ الشهر الماضي، رفضا لاستمرار الانتهاكات بحقهم، في "قطاع 2، بسجن بدر 3".

"انفراجة أم مناورة؟"
في ملف علاء عبد الفتاح، (43 عاما) وهو أحد نشطاء ثورة يناير، وأحد معارضي حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، والذي يحمل الجنسية البريطانية، كانت قد أوقفته السلطات الأمنية لرئيس النظام الحالي، عبد الفتاح السيسي، بتاريخ 29 أيلول/ سبتمبر 2019، وحُكم في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2021، بالسجن لمدة 5 سنوات.

في أيلول/ سبتمبر 2024، كان من المفترض أن تنتهي مدة عقوبته، لكن النيابة العامة رفضت احتساب فترة الحبس الاحتياطي السابقة لتصديق الحكم، ما يعني بقائه بالحبس حتى 3 كانون الثاني/ يناير 2027 وفقا لحسابات السلطات. ما وصفته منظمات حقوقية بالـ"تعنت".

جرّاء ذلك، دخلت والدته الأكاديمية ليلى سويف، (69 عاما) في إضراب عن الطعام منذ أيلول/ سبتمبر 2024، والاعتصام أمام وزارة الخارجية البريطانية في لندن، التي تدخّلت مرارا لإطلاق سراح عبد الفتاح، دون استجابة من القاهرة.

لذلك فإن رفع اسم عبد الفتاح من "قوائم الإرهاب"، دفع لطرح التساؤلات، حول احتمالات أن يكون القرار خطوة نحو إخلاء سبيله، وإنهاء أزمة أشهر معتقل مصري، عقب نحو 10 شهور من المناشدات الدولية وإضراب والدته عن الطعام.

وتشير قراءات حقوقية، إلى أنّ تلك الخطوة روتينية، ولا يترتب عليها تغيير حقيقي في وضع علاء عبد الفتاح، وأنها تأتي في إطار المناورة من السلطات المصرية لتهدئة الضغوط الغربية والحقوقية وخاصة من المملكة المتحدة.

"مناورة بيروقراطية إلى لندن"
في تعليقها، تقول الحقوقية المصرية، سمر الحسيني: "أتمنى أن تكون هذه الخطوة في سياق تفكيك أزمة اعتقال علاء وخروجه وسفره إلى إنجلترا لاستكمال حكايته مع ابنه".

لكن المدير التنفيذي لـ"المنبر المصري لحقوق الإنسان"، وفي حديثها لـ"عربي21"، تعتقد أنّ: "الدولة المصرية تحاول فقط أن تقدم بعض المناورة البيروقراطية للحكومة الإنجليزية، فيما يبدو أنه تجاوب مع الضغوطات التي تمّت عليها مؤخرا لإطلاق سراحه ولكن دون جدوى حقيقية".

تضيف: "بالطبع نرحب بالقرار جدا؛ ولكن الهدف الأساسي هو خروج علاء، ووقف حملة التنكيل به، وبعائلته، والسماح لهم بالعيش في حياة آمنة والتي اختاروا أن يعيشوها حاليا بالخارج، وهو ما لم يكن متوفرا لهم في مصر".

الحسيني، توضح أنه "في الوقت الذي نرحب فيه بالقرار؛ لدينا مخاوف من أن يكون مجرد محاولة لتقديم قربان غير مجدي، يعني إزالته من قوائم الإرهاب مع استمرار احتجازه بشكل تعسفي، رغم انتهاء فترة عقوبته، وهو الأمر الأهم بكثير من فكرة وجوده على قوائم الإرهاب من عدمه".

وتعرب عن أمنيتها بأن "تكون الدولة المصرية اتخذت تلك الخطوة لكي تكمل بعدها خطوة إطلاق سراحه، ونشجعهم على هذا الإجراء، لأن هذه الأزمة على الرغم من أن والدته ليلى سويف أنهت إضرابها، مستمرة، ومؤثرة على مصر، وعلى المجتمع المصري، وصورة مصر الدولية".

"وضع مأساوي ممتد"
بالرغم من الإفراج عن عدد من المحتجزين عبر لجنة العفو الرئاسي، التي أعيد تفعيلها في نيسان/ أبريل 2022، فإن وتيرة الإفراجات قد اقتصرت على الجنائيين، ولم ترق لتوقّعات المنظمات الحقوقية وتيار المعارضة المدنية، بل إنّ السلطات تواصل سياستها في "إعادة تدوير المعتقلين"، وتوقيف النشطاء واعتقال المعتقلين السابقين.

ومنذ العام 2013، تشنّ السلطات الأمنية حملة اعتقال واسعة بحق قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، تبعتها حملات بحق جميع أطياف المعارضة، لكن الرواية الرسمية لا تعترف بوجود معتقلين سياسين، وبالتالي لا تُعلن السلطات عن الأعداد الدقيقة للمعتقلين.

تقديرات حقوقية صدرت في نيسان/ أبريل 2021، عن "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، أكّدت أنّ: "عدد السجناء والمحتجزين بمصر 120 ألفا، مقدرة المحبوسين احتياطيا بـ(37 ألفا) والسجناء السياسيين والجنائيين (82 ألفا)".

لكن "منظمة العفو الدولية"، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2024، قدّرت عدد المعتقلين السياسيين بالسجون ومراكز الاحتجاز المصرية بأكثر من 70 ألف سجين.

"من بدر 3 إلى الأمم المتحدة"
في تطور لافت، وجّه معتقلون داخل "قطاع 2 بسجن بدر 3"، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قالوا فيها: "منذ أكثر من 12 عاما، يقبع عشرات الآلاف من معتقلي الرأي والسياسيين بالسجون، محرومين من أبسط حقوقهم، ويتعرضون وأسرهم لأشد صنوف المعاناة".

الرسالة التي وقّعها عن المعتقلين: السفير محمد رفاعة الطهطاوي، والمحامون عصام سلطان، وصبحي صالح، وأحمد أبوبركة، وأسامة مرسي، ومحمد البلتاجي، وسعد الحسيني، تضيف: "كثيرون منّا محتجزون دون أحكام، ومن صدرت بحقهم أحكام فقد حوكموا أمام محاكم لا تتوفر فيها أدنى معايير العدالة المتعارف عليها دوليا".

وتابعت: "نحن على وجه الخصوص في قطاع 2 بسجن بدر 3، نعاني من حبس انفرادي كامل، وحرمان تام من الحركة خارج الزنازين أو رؤية ضوء الشمس، ولا يُسمح لنا بأي زيارة أو تواصل مع أهلنا.".

وتوضّح أنهم كتبوا "هذه الرسالة بعدما حاول 12 من زملائنا الانتحار، ودخل 39 آخرون في إضراب مفتوح عن الطعام"، معربين عن أملهم أن يصل صوتهم عبر الأمم المتحدة.


ويشهد الملف الحقوقي المصري، مؤخّرا، أحداثا مؤسفة، وصلت حد محاولات انتحار بالسجون ومقرات الاحتجاز وقاعات المحاكم، ووفاة معتقلين سياسيين بالإهمال الطبي المتعمد، ولجوء قيادات بجماعة الإخوان المسلمين لخيار الإضراب عن الطعام لمواجهة جرائم التعذيب، والتغريب، وإعادة التدوير، وتوقيف المعتقلين السابقين.

الوضع غير الإنساني للمعتقلين، وفق منظمات حقوقية، يقابله رئيس النظام، بغض الطرف عن مطالبات سياسيين بإنهاء معاناة أكثر من 60 ألف معتقل منذ منتصف 2013، فيما يتعرّض معتقلي جماعة الإخوان المسلمين في سجن "بدر3"، إلى انتهاكات "الحرمان من الزيارة، والطعام من خارج المعتقل، والتريض، وصلاة الجمعة، والعلاج، والحبس الانفرادي".

ومنذ 20 حزيران/ يونيو الماضي، قرّر 10 معتقلين بدء إضراب مفتوح عن الطعام، وهم: محمد البلتاجي، وعبد الرحمن البر، وأسامة مرسي، وخالد الأزهري، وأمين الصيرفي، وأسعد الشيخة، ويسري عنتر، وعمرو زكي، وصبحي صالح، وجهاد الحداد، ليرتفع العدد إلى 39 معتقلا من أصل 58 بقطاع 2.

ووفقا للوصف الحقوقي، فإنّ هذا: "الوضع اللاإنساني، وعدم استجابة السلطات لمطالب المعتقلين، دفع نائب محافظ الإسكندرية الأسبق حسن البرنس، لكتابة وصيته: من عنبر الموت"، مؤكدا أنه: "قدّم روحه لله رفقة العشرات من زملائه المعتقلين في قطاع 2 بسجن بدر 3 ليسمع أحرار مصر والعالم صرختهم ويطالبهم برفع ظلم السنين عنهم".

"مستجدات أزمات المعتقلين"
وفي أحدث استغاثات المعتقلين كشف مركز "الشهاب لحقوق الإنسان" عن استغاثة المعتقلين وليد دهشان، وعمر عدلي من سجن "بدر 2"، من تنكيل الأمن الوطني بالمعتقلين المنقولين للسجن، عبر منع الزيارة، والطعام القانوني، والخدمة الطبية، وإغلاق الغرف، وحرمانهم من التريض، ووضعهم بغرف التأديب، مع انتشار أمراض جلدية.



ومن سجن "أبو زعبل 2"، كشفت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، عن وضع صحي كارثي يعاني منه الأكاديمي المصري والخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد، علي عبد العزيز، الذي جرى اعتقاله في كانون الثاني/ يناير 2024، ويعاني حاليا من "غيبوبة متكررة وورم خطير يهدد حياته، وترفض سلطات السجن إجراء الجراحة العاجلة له".



غياب الحد الأدنى من الرعاية الطبية داخل السجون، بحسب تأكيد منظمات حقوقية أدّى الجمعة الماضية، إلى وفاة الأكاديمي المصري، محمد أحمد غنيم، (57 عاما)، والمحتجز بسجن "وادي النطرون 440"، إثر إصابته بأزمة قلبية.

وبينما لا يوجد رقم رسمي لعدد وفيات المعتقلين، فإنّ تقديرات منظمات حقوق الإنسان، تشير إلى أكثر من 1300 حالة وفاة منذ عام 2013 وحتى نهاية 2023، فيما تواصل توثيق حالات الوفاة الناتجة لظروف الاحتجاز المتردية والإهمال الطبي وسوء المعاملة.

"تنكيل مستمر ووضع لا إنساني"
عن أوضاع المعتقلين المصريين وما يجري من حراك وإضرابات في سجن "بدر 3"، وتوقعاتها لمآلات هذا الحراك وقدرته على إحداث تغيير في ملف المعتقلين، تحدثت الحقوقية المصرية، سمر الحسيني.

وتقول إنّ: "الدولة المصرية لديها سياسة تنكيل مستمر مع قاطني هذا السجن بالتحديد مع الأخذ في الاعتبار نوعيتهم العديد منهم من قيادات جماعة الإخوان المسلمين"، مؤكدة: "من الطبيعي لو افترضنا أنّ هناك جريمة؛ فالجريمة لها عقوبة، ولكن العقوبة لابد أن تتم في أوضاع إنسانية".

وتبيّن: "نتحدث هنا عن أناس حُرموا من الزيارة لسنوات، وليس لديهم اتصال بعائلاتهم ومحاميهم، ولا قدرة لهم على الإبلاغ عن الانتهاكات التي يتعرضون لها، والإهمال الطبي المتعمد والمستمر لمدد طويلة ما يجعل حياتهم في خطر، وبينهم أناس في سجن انفرادي لمدد غير محددة بالمخالفة للقوانين الدولية والمحلية".

وتوضح أنّ: "السجن الانفرادي عقوبة داخل العقوبة، وهناك قواعد تنظم هذا الوضع، ووجود أفراد في سجن انفرادي يعدّ نوعا من أنواع التعذيب، والمعاملة اللاإنسانية".

"رسائل للدولة"
الحسيني، ترى أنه "على الدولة المصرية أن تسمح للمنظمات الدولية وفي مقدمتها هيئة الصليب الأحمر والمنظمات المحلية المستقلة بعمل زيارة عاجلة للسجن، والاستماع لشكاوى الناس، وتسجيل إضرابهم عن الطعام المستمر منذ فترة، كمحاولة للحصول على حقوقهم الإنسانية البسيطة".

وتطالب الدولة المصرية أيضا بأن "تسمح بزياة عاجلة لهم، وتفتح تحقيقا في الانتهاكات التي تمت، والتجاوزات الجسيمة التي يقوم بها مسؤولي سجن بدر، بحق المعتقلين".

وفي نهاية حديثها ترى الحقوقية المصرية أنه "على الدولة المصرية أن تراجع بشكل عام، وضع السجون، وأن تكون هناك آلية مستقلّة متعلقة بالسجون والتفتيش عليها"، وأيضا "تسمح للهيئات المعنية بحقوق الإنسان أن تذهب بشكل عاجل ودوري لمتابعة أوضاع السجناء، وتسجل شكاواهم، وتتعامل مع تلك الشكاوى، وترى كيف تتعامل الدولة مع تلك الشكاوى، وكيف تُجرم الدولة الاعتداءات الجسيمة التي يتم ارتكابها ضد المعتقلين".