صحافة إسرائيلية

هآرتس: ضغوط نفسية هائلة في صفوف جيش الاحتلال وتكذيب لرواية قيادته

آلاف الجنود الإسرائيليين يتركون الخدمة بسبب أحداث غزة- فيسبوك
كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تحقيق موسع استمر عدة أشهر، عن حجم الصدمات النفسية التي يعانيها الجنود النظاميون في جيش الاحتلال الإسرائيلي جراء الحرب على قطاع غزة، مؤكدة أن آلاف غادروا الخدمة منذ اندلاع العمليات العسكرية، وبعضهم بشكل دائم، تحت وطأة الإرهاق النفسي، وأحياناً نتيجة صحوة ضمير.

وأوردت الصحيفة شهادات عدة جنود، بينهم جندي في لواء ناحال يُعرف باسم "يوني"، عمل في تأمين سلاح الهندسة في حي بيت لاهيا، الذي روى تجربته مع إطلاق النار على امرأة وأطفالها الذين قتلوا جميعاً إثر اعتقاده بوقوع هجوم من كتائب عز الدين القسام. 

وقال يوني: "كان الدم يملأ المكان... شعرت برغبة في التقيؤ، لكن الضابط قال لي ببرود: لقد دخلوا المنطقة المحرمة. إنه خطؤهم. هكذا هي الحرب". وأضاف: "ما زالت ملامحهم تقض مضجعي. لا أدري إن كنت سأستطيع يوماً نسيانهم".

وأكدت هآرتس أن هذه الحالات ليست فردية، بل تشمل آلاف الجنود الذين شعروا بعدم قدرتهم على أداء مهام قتالية، نتيجة الإرهاق النفسي أو رفض ضمائرهم المشاركة في أعمال القتل. 

ووفقاً لمصادر في إدارة الموارد البشرية بالجيش، فإن عدد الجنود الذين سرحوا بسبب تدهور صحتهم العقلية كبير، بينما تم نقل عدد محدود إلى أدوار لوجستية أو وظائف خلفية.

وحكى جندي آخر، يُدعى "بيني"، أنه كان مسؤولاً عن تأمين المساعدات الإنسانية في شمال غزة، وكان يُجبر على إطلاق النار على المدنيين وفق خطوط وهمية رسمها الجيش، ما تسبب له بصدمة نفسية شديدة، وذكر: "أطلق خمسين إلى ستين رصاصة في اليوم... توقفت عن العد، ولا أعرف كم قتلت". 

وأضاف أن الضباط لم يكترثوا بما يحدث لأطفال، وأن التجربة تركت آثاراً نفسية مستمرة، بما فيها الهلوسات الليلية وشعوره بخطر دائم على حياته.

وقال جندي آخر، "آهارون"، إنه عانى من صدمات متكررة إثر انفجارات وأعمال قتالية في بيت حانون، مما أدى إلى خوف شديد من الأصوات المفاجئة وصعوبة التحكم في نفسه، حتى اضطر للانتقال إلى قسم الدعم النفسي بعد أسبوعين من طلبه المتكرر.

ولفتت هآرتس إلى أن الجيش الإسرائيلي يتلكأ في الإفصاح عن أعداد الجنود الذين يعانون اضطرابات نفسية أو حاولوا الانتحار، مشيرة إلى أن معلومات رسمية أظهرت أن 1135 جندياً من القوات النظامية ومن الاحتياط أُعفيوا من الخدمة بسبب أعراض ما بعد الصدمة، بينما يقدر الصحفيون أن العدد الحقيقي أعلى بكثير، ولا يشمل المحاولات التي وقعت بعد التسريح أو بسبب مشكلات نفسية أخرى.

وقالت الصحيفة إن الجيش يرفض نشر تفاصيل محاولات الانتحار، مؤكداً فقط أن هناك حالات انتهت بالموت فعلياً، من بينها ضابط هندسة خدم في جنوب غزة، أقدم على الانتحار بعد أن كتب لعائلته بأنه بخير.

تأتي هذه الشهادات في وقت يتزايد فيه الضغط على جيش الاحتلال الإسرائيلي من الداخل والخارج، حيث تعكس تزايد الأزمات النفسية في صفوف الجنود هشاشة روايات القيادة العسكرية بشأن السيطرة على الحرب، وتثير تساؤلات حول تداعياتها على قدرة الجيش على أداء مهامه القتالية.