سلطت صحيفة "
يني شفق" التركية الضوء على التداعيات الجيوسياسية
لهجوم
الاحتلال على
الدوحة، والذي أدى إلى تغيرات خطيرة في توازنات المنطقة.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته
"عربي21"، إن لهذا الهجوم انعكاسات مباشرة على دول الخليج والاحتلال
وتركيا، حيث بدأت ملامحها بالظهور من خلال نقاشات حول "الناتو العربي"،
إضافة إلى القمة المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية التي انعقدت
في الدوحة.
وأوضحت أنه في ضوء هذا المشهد الجديد، تبدو
أنقرة وكأنها تتحضر لإحداث تحول في سياستها تجاه
سوريا.
وقالت إن الإعلام العبري حرص عند تناوله تفاصيل
العملية على إبراز ما سماه "التكنولوجيا المتقدمة لإسرائيل"، متحدثا عن
طائرات غير مرئية وذخائر دقيقة التوجيه. غير أن السردية تغيرت بعدما تبين أن وفد
حركة حماس المفاوض نجا من الاستهداف.
وأوضحت الصحيفة أن الاحتلال يحاول بإصرار تكريس
الانطباع بأن الهجوم نفذ عبر "الطائرات"، مشيرة إلى أن أول تصريح رسمي
صدر عن تل أبيب أكد "عدم انتهاك أجواء السعودية والإمارات". أما صحيفة
وول ستريت جورنال فنقلت أن 12 طائرة حربية إسرائيلية استهدفت الدوحة عبر إطلاق
صواريخ باليستية دقيقة بعيدة المدى من جهة البحر الأحمر.
وتضيف أن هناك شكوكا جدية تحيط بالرواية
الإسرائيلية، إذ يؤكد منتقدوها أنه لم يسجل على الرادارات أي تحليق للطائرات، ولو
وجدت لرصدتها أنظمة قطر أو السعودية على الأقل لحظة إطلاق الصواريخ.
كما أن استخدام صواريخ بعيدة المدى ينطوي على
مخاطر إصابة مبانٍ أخرى، وقد صرح رئيس وزراء قطر قائلا: "استخدم سلاح لم نتمكن
من رصده".
ومن هنا يطرح التساؤل: هل كان هجوم الدوحة
نتيجة عمل تخريبي من الداخل؟ وبالنظر إلى سوابق عمليات الموساد داخل إيران تصبح
هذه الفرضية غير مستبعدة، ما يستدعي التوقف عندها بجدية.
وقالت الصحيفة إن رئيس الوزراء الإسرائيلي
نتنياهو، حينما ذكر "قطر وبعض الدول"، لم يسم تلك الدول صراحة لكن
الإيحاء بتركيا كان واضحا. فإنه من الجلي أن محاولة استهداف
تركيا بوسائل عسكرية
يتجاوز قدرة إسرائيل، مع ذلك يبقى الحذر مطلوبا.
وأوضحت أن المراقبين يوصون بالعمل في مجالات
متعددة تشمل الأمن السيبراني، والتصدي لمحاولات التخريب والاغتيال، بالإضافة
إلى مراقبة التطورات التي قد تفعل خطوط صدع إقليمية، ومتابعة ملفات قسد وحزب
العمال الكردستاني وكذلك التوترات مع اليونان وقبرص؛ حيث إن الاحتلال يعمل بالفعل
على بعض هذه المحاور، لكن من المرجح أن تزداد حدة تحركاتها.
وقالت الصحيفة إن ما كشفه ذلك الهجوم بالنسبة
لدول الخليج هو أن الولايات المتحدة لم تتصد للعدوان الإسرائيلي، ولم تبدِ رغبة في
ذلك، الأمر الذي سيدفع نحو تحالفات جديدة وبناء منظومة أمنية مغايرة. ورجح التقرير
أن تسعى دول الخليج إلى توسيع تعاونها مع دول مثل تركيا وباكستان بدلا من الارتماء
في أحضان الصين وروسيا، حتى لا تثير قلق واشنطن.
وسلطت الضوء على قرار مجلس جامعة الدول العربية
بشأن "رؤية أمنية إقليمية مشتركة"، متسائلة عما إذا كان ذلك يمهد لتأسيس
"ناتو عربي". بالإضافة إلى مساعي مصر لإنشاء قوة دفاع مشتركة. لكن مع
تضارب المصالح الإقليمية وضعف القدرات العسكرية يبقى تنفيذ مثل هذا المشروع صعبا،
وإن تحقق فسيعتبر انعكاسا لنظام عالمي متعدد الأقطاب.
وتلفت الصحيفة إلى أن مصر تجري بالفعل مشاورات
مع أطراف مختلفة بشأن هذه الفكرة، لكن لم يتضح ما إذا طرحت على أنقرة أم لا. ومع
ذلك، تؤكد الصحيفة أن دول الخليج مضطرة إلى التنسيق مع تركيا لضمان أمنها، إذ إن
أنقرة التي ساهمت في بناء الأمن الأوروبي من خلال صناعاتها الدفاعية المتطورة،
يمكن أن تلعب الدور نفسه في الخليج، بما يعزز نفوذها ويوسع مجال تأثيرها. ففي
الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال لمحاصرة تركيا في سوريا وشرق المتوسط، قد تجد النفوذ
التركي يمتد إلى فنائها الخلفي.
وأشارت الصحيفة، إلى أن امتناع إدارة ترامب عن
وقف هجوم الدوحة أعطى قوات سوريا الديمقراطية مزيدا من الجرأة، متسائلة: إذا كانت
واشنطن قد انحازت كليا إلى جانب الاحتلال، فهل بقي جدوى للحديث معها في ملف قسد؟
كما أن اللقاءات التي يتوقع أن يجريها الرئيس أردوغان على هامش اجتماعات الجمعية
العامة للأمم المتحدة ستحدد مسار المرحلة المقبلة، إذ أن أنقرة تقترب من نقطة تحول
في سوريا عبر إعطاء أولوية للدبلوماسية، وهو ما بدأت تلوح بوادره في الكواليس.