سياسة عربية

هل يشجع العدوان على الدوحة دول الخليج وإيران على التقارب؟

العلاقة بين الخليج وإيران اتسمت بالتوتر خلال السنوات الماضية- أرشيف
بعد العدوان الإسرائيلي على الدوحة في التاسع من الشهر الجاري، وبعد مرور ما يزيد عن ثلاثة أشهر من حرب الاحتلال على إيران، بدأت تبرز تساؤلات عن احتمالية زيادة تعاون وتحالف الدول على ضفتي الخليج.

وأثيرت هذه التساؤلات والمطالب في ظل تنامي التهديد لدول الخليج ومن قبلها لإيران، وعلى الرغم من تحسن العلاقة بين إيران والسعودية إلا أنه لا يمكن اعتبارهما حليفين أو شركاء سواء سياسيا أو عسكريا.

وعلى أثر خلافات وصراعات سابقة سواء خلال الحرب العراقية الإيرانية أو حرب اليمن، يبرز السؤال الأهم، هل يزداد تعاون دول الخليج مع إيران، وماذا يمكن لكل طرف منهم أن يقدم للأخر؟ وهل توحد المخاوف من تجدد العدوان الإسرائيلي دول ضفتي الخليج أم تزيد خلافاتهم السابقة علاقتهم توترا؟

دور إيراني محتمل محدود

يرى الأكاديمي والخبير في سياسة الشرق الأوسط، الدكتور محجوب الزويري، أنه "في ظل تنامي التهديد الإسرائيلي لدول المنطقة يبقى الدور المحتمل لإيران في الحقيقة محدود جدا، فهناك تاريخ من عدم الثقة والشكوك موجود بين الطرفين ولا يمكن أن يزول بشكل سريع جدا"
وتابع الزويري في حديث خاص لـ"عربي21"، "إضافة إلى ذلك، قدرات إيران العسكرية وغيرها، تم اختبارها مع إسرائيل وبالتالي ماذا يمكن أن تقدم للمنطقة".

لذلك يعتقد الزويري بأن "أكثر ما يمكن أن يتم بين هذه الدول هو نوع من التنسيق السياسي في المحافل الدولية، أو على الأقل محاولة العمل على ترميم الجراح وإزالة بعض الشكوك الموجودة".

وفي ذات الوقت لا يعتقد الخبير بأن إيران يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال بديلا عسكريا ودفاعيا أو بديلا سياسيا لحلفاء دول الخليج، رغم أنها تحاول أن تقدم نفسها كبديل، لكنه يعتقد بأن الوقائع على الأرض تمنع حدوث ذلك بشكل كبير جدا، وأهم هذه الوقائع أثار الضربة الإسرائيلية وتاريخ من عدم الثقة بين ضفتي الخليج.

وأوضح أن "إيران ليس لديها ما تقدمه لا عسكريا ولا سياسيا، ولذلك كل ما تحاول فعله الآن هو الحد الأدنى، وهو عبارة عن الإدانة والشجب مثلها مثل بقية الدول، بالمحصلة الرسالة اللي تحاول إيران ارسالها للدول العربية، مفادها بأن المشكلة ليست فيها، بل المشكلة إسرائيل".

وأكمل الزويري، "بمعنى إيران تحاول أن تُعيد موقفها كدولة ضحية، وهذا الموقف وُلد عام 1990 عندما اجتاح العراق الكويت، حيث تبنت موقف قريب من الدول العربية، وقالت لهذه الدول إنه إذا كنتم تعتقدون أن إيران هي التهديد أنظروا العراق هو التهديد".

ويوضح، "باعتقادي هذا هو الأمر الذي تسعى إيران إلى محاولة إظهاره، وبالطبع في هذا السياق يأتي موضوع الطمأنة، الآن هي تحاول بالتأكيد ترميم حالة الانتقاد لما جرى في الدوحة في يونيو 2025 ومحاولة إعادة توجيه الأنظار إلى الخطر والتهديد الأكبر وهو إسرائيل، وواضح أنها تسعى إليه منذ الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة".


اتفاقيات عدم اعتداء

وحول إمكانية توقيع دول الخليج وإيران اتفاقيات عدم اعتداء قال الزويري، "إيران لا تملك أن تقدم عدم الاعتداء، بمعنى هي ستقول ذلك فعليا، لكنها لا يمكن أن تقدم أكثر من ذلك، أي هي يمكن أن تقدم تعاون اقتصادي وسياسي وشراكات، ولكن في تصوري لن يكون هناك نوع من التوافقات أكثر من ذلك".

ويرجع الزويري سبب ذلك إلى أن "دول الخليج محافظة جدا في التقدم نحو إيران، بمعنى دول الخليج في معظمها حتى التي كانت تتعامل مع إيران سيكون أيضا تعاملها معها بحذر كبير جدا".

لكنه في ذات الوقت يعتقد "أن الفرصة مواتية لبلدان إسلامية من خارج المحيط، وهنا اتكلم عن تركيا وباكستان بشكل أساسي، ولاحظنا هذا في الاتفاق الاستراتيجي الذي وُقع بين الأخيرة والسعودية أمس، والذي هو انعكاس حقيقي وامتداد لاتفاقات وقعتها تركيا وقطر مع باكستان".

وخلص بالقول، "اعتقد أن باكستان وتركيا أكثر موثوقية عند الحديث عن الدفاع والأمن والاستقرار في منطقة الخليج، وباعتقادي هذا الدور يمكن أن يتنامى تدريجيا، فهناك توافق بين البلدين نفسهما (باكستان وتركيا)، وللآن هما لا ينظران لدورهما في الخليج نظرة تنافسية، وبالتالي هذا يخدم دول الخليج".

إيران ليست العدو الوحيد

من جهتها ترى مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس بلندن، الباحثة صنم وكيل، إن دول الخليج تواجه الآن تهديدا جديدا، ولم تعد إيران هي البعبع وإنما الاحتلال.

واعتبرت وكيل في مقال لها في صحيفة الغارديان البريطانية أن محاولة الاحتلال اغتيال قادة حماس في الدوحة، كانت بمثابة خرقا لخط أحمر لا يمكن حتى لأقرب شركائها العرب تجاهله.

وأضافت: "لطالما بررت إسرائيل الضربات الاستباقية والخارجة عن حدودها باعتبارها ضرورية لأمنها. وعلى مدار عامين، ردا على هجمات حماس في 7  تشرين الأول/أكتوبر، ضربت ست دول في المنطقة بما في ذلك فلسطين، سعيا للقضاء على جميع التهديدات لأمنها".

ووفقا للباحثة الدولية فإن، ضرب عاصمة قطر، الدولة الثرية والشريك الأمني والحليف غير عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) للولايات المتحدة ومكان مفاوضات مضنية بين الاحتلال وحماس بناء على طلب واشنطن، ليس مجرد عملية قتل مستهدفة أخرى.

لافتة إلى أنه يمثل تحولا جوهريا حيث لم تعد الدول العربية ترى إيران على أنها العامل الرئيسي الوحيد المزعزع للاستقرار في المنطقة. بل بات قادة دول الخليج يرون أن إسرائيل أيضا مزعزعة للاستقرار.

وقالت وكيل إن الدول العربية تستنج أن "إسرائيل أصبحت الآن أكبر تهديد للاستقرار في المنطقة.  ومع أن هذا لا يبرر سلوك طهران،  فلا يزال دورها في تأجيج الصراع في العراق ولبنان وسوريا واليمن واضحا. لكن اعتداءات إيران أصبحت مألوفة ومتوقعة للغاية، وربما يكون تقدير قوتها في المنطقة مبالغا فيه".

وعلى النقيض من ذلك، "أصبحت أفعال إسرائيل أكثر جرأة على حساب المعايير، التي افترض القادة العرب أنها لا تزال تحكم منطقتهم".