سياسة عربية

مروان البرغوثي.. رمز فلسطيني في سجون الاحتلال رغم الحكم المؤبد

البرغوثي رمزية قيادية قوية في ظل سجون الاحتلال- جيتي
 نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا لمحررة الشؤون الدولية، كاثرين فيليب قالت فيه: إن القيادي الفلسطيني السجين لدى "إسرائيل"، مروان البرغوثي، يحظى بشعبية وثقة من الفلسطينيين أكثر من أي قيادي فلسطيني آخر.

وقالت فيليب إن جدارية على جدار الفصل عند حاجز  قلنديا بالضفة الغربية، تظهر رجلا مبتسما يرفع ذراعيه، ,معصماه مكبلان بالسلاسل ويداه مرفوعتان فوق رأسه.

وكانت تلك اللحظة، قبل أكثر من عقدين، هي آخر مرة رأى فيها الفلسطينيون البرغوثي بجسده، وهو يُقتاد ليبدأ خمسة أحكام بالسجن المؤبد في سجن إسرائيلي بعد إدانته بـ"الإرهاب".

  ويتذكر عرب البرغوثي، نجل القيادي، هذه اللحظات على أنها اللحظة التي فقد فيها والده، حيث كان في سن الحادية عشرة من عمره، حيث هرع نحوه لعناق أخير، لينتهي به المطاف ممدا على أرضية قاعة المحكمة العسكرية، وقد صفعه مستوطن إسرائيلي.

وتضيف فيليب إن الفلسطينيين ينظرون بحنين إلى الماضي عندما كانت الانتخابات لا تزال تعقد، ويرون فيها اللحظة التي فقدوا فيها أفضل فرصة لهم في الحصول على شخصية شعبية تقودهم إلى إقامة الدولة.

 ويبرز البرغوثي مع تزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، بانضمام بريطانيا وكندا وأستراليا وفرنسا إلى أكثر من 150 دولة أخرى، من جديد كمرشح بارز لقيادة أي دولة فلسطينية مستقبلية.

يقول ابنه عرب، البالغ من العمر 34 عاما، وهو رائد أعمال تكنولوجي تلقى تعليمه في كاليفورنيا، وتولى الدفاع عن إطلاق سراح والده والدعوة إلى قيام دولة فلسطينية: "إنه شخصية مُوحّدة".

وتابع: "أعتقد أنه من المثير للاهتمام للغاية أن يختار الفلسطينيون شخصا يؤمن بحل الدولتين كأكثر القادة شعبية في فلسطين".

وتضيف الصحيفة أن مروان البرغوثي، البالغ من العمر الآن 66 عاما، يطلق عليه العديد من الألقاب: مانديلا الفلسطيني، أهم سجين في العالم، وبطل، وأب، وإرهابي، ومدافع قديم عن حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ويصنف باستمرار وبعد أكثر من عقدين من سجنه، كأكثر الشخصيات شعبية في فلسطين، متفوقا بفارق كبير على أي بدائل، من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى خالد مشعل، الزعيم السياسي الباقي على قيد الحياة لحركة حماس.

وذكر التقرير أنه "كسياسي فلسطيني في حركة فتح، في التسعينيات، أقام البرغوثي صداقات وطيدة مع عدد من السياسيين الإسرائيليين، وناقشوا مستقبلا مشتركا حيث يتحدث العبرية بطلاقة".

وكان تحذيره لهم أن "للإسرائيليين حاضر ولا مستقبل، بينما للفلسطينيين مستقبل ولا حاضر. أعطونا حاضرا وسيكون لكم مستقبل".

وقال عرب البرغوثي: "لديه قصص كثيرة عن السياسيين الإسرائيليين الذين التقوا به في التسعينيات وتفاوضوا معه، وجميعهم يقولون إن مروان هو من حذرنا من أنه طالما استمررنا على هذا المنوال، سينفجر كل شيء"، "ثم اندلعت الانتفاضة الثانية"، وهي التي وصفتها الكاتبة [ـ"الدموية التي شهدت شن هجمات انتحارية ضد الإسرائيليين".

 وأشارت أجهزة الأمن الإسرائيلية، التي تواصلت مع البرغوثي، وحتى جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين اعتقلوه عام 2002 إلى أنه "شريك محتمل للسلام".

وتقول الصحيفة إن الكثيرين كانوا يأملون، بمن فيهم رئيس جهاز "الشاباك" السابق عامي أيلون، أن يكون البرغوثي ضمن السجناء الذين بادلتهم حماس في صفقات الأسرى التي بدأت عام 2023.

ووصف أيلون البرغوثي بأنه "القائد الوحيد القادر على قيادة الفلسطينيين نحو دولة إلى جانب إسرائيل، أولا لأنه يؤمن بمفهوم الدولتين، وثانيا لأنه اكتسب شرعيته ببقائه في سجوننا".

وقد نجح البرغوثي في السجن عام 2006، حيث فشل فيه جميع القادة الفلسطينيين، إذا أقنع حماس والجهاد الإسلامي لتوقيع إعلان يدعم حل الدولتين ويعارض الهجمات على المدنيين. أما البرغوثي نفسه، فقد سجن بتهمة تنظيم هجمات قتل فيها خمسة إسرائيليين، رغم أنه أنكرها ورفض الاعتراف بالإجراءات المتخذة ضده في محكمة عسكرية.

ورغم معرفة حماس بجاذبية البرغوثي الشعبية، إلا انها وضعت اسمه على رأس القائمة لتحرير السجناء الفلسطينيين مقابل الأسرى الذين تم أسرهم في 7 تشرين الأول/ أكتوبر  2023.

وجاءت أشد معارضة لإطلاق سراحه، وفقا لمصادر إسرائيلية وفلسطينية، من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية نفسها محمود عباس. يقول عرب البرغوثي: "نعلم أن اسمه مدرج في القائمة، من المنطقي أن يكون اسمه على رأس القائمة. نحن كفلسطينيين نحتاجه حقا. يدرك الجميع أنه من الإيجابي بالنسبة لنا أن يكون لدينا قيادة ذات مصداقية باستثناء هذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية، لأنهم كانوا صريحين جدا في أنهم لا يريدون حل الدولتين".

ومع ذلك، فإن صراحة البرغوثي بشأن فساد السلطة الفلسطينية وعدم فعاليتها تجعله شخصية تتحدى قيادة عباس بنفس القدر.

يقول عرب البرغوثي: "إنه شخص مستعد للتضحية بنفسه، لا أن يلقي محاضرات على الشعب الفلسطيني عن التضحية وهو يقيم في مكتب فاخر وسيارة فاخرة"، في إشارة لاذعة للإدارة الفلسطينية التي لا تحظى بشعبية كبيرة، والتي مضى عليها 19 عاما دون انتخابات ديمقراطية. ويضيف: "أي فلسطيني يعارض إطلاق سراحه عليه إجراء فحص الحمض النووي".

ودفع تزايد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية قادة "إسرائيل" إلى الإدلاء ببعض تصريحاتهم القاطعة المعارضة لحل الدولتين. وفي مقابل التشاؤم الفلسطيني بشأن الدولة هناك شعبية البرغوثي الشخصية، فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أُجريت في أيار/ مايو في غزة والضفة الغربية بأنه سيفوز بثلثي الأصوات في سباق ثلاثي ضد عباس ومشعل.

وشهدت الحرب في غزة انحسارا في دعم المقاومة العنيفة، بينما تجاوز دعم الدولة على حدود عام 1967 النصف. ويشير عرب البرغوثي إلى أن "أكثر من نصف الشعب الفلسطيني لم يكونوا قد ولدوا حتى عندما دخل والدي السجن".

وفي ظل عدم إجراء انتخابات وطنية منذ عام 2006، لم تدل غالبية الفلسطينيين بأصواتهم قط. وفي عام 2017، قاد البرغوثي إضرابا جماعيا عن الطعام شارك فيه آلاف السجناء للمطالبة بتحسين ظروفهم، ونشر مقالات افتتاحية في الصحافة الدولية تروج لحل الدولتين. وردت إسرائيل بتشويه صورته ونشر فيديو زعمت فيه أنه  كسر الإضراب بتناول الشوكولاتة والوجبات السريعة.

في الشهر الماضي، شاهد الإسرائيليون والفلسطينيون صورة جديدة كليا لأشهر أسير لديهم عندما نشر وزير الأمن اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، مقطع فيديو له وهو يهدد البرغوثي النحيل في زنزانته. وسمع بن غفير  وهو يسخر منه قائلا: "لن تنتصر! عليك أن تعرف هذا من خلال التاريخ".

ولم يكشف عن مكان التقاط الفيديو، فمنذ 7 تشرين الأول/اكتوبر 2023، نقل البرغوثي من سجن إلى آخر، واحتجز في الحبس الإنفرادي، وتعرض للضرب مرارا وتكرارا، بما في ذلك في إحدى المرات التي وصفتها عائلته ومحاموه بأنها "محاولة اغتيال".

ويخشى غيرشون باسكين، المفاوض الإسرائيلي في عملية إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط الذي كانت حماس تحتجزه عام 2011 من أن الظروف القاسية ستجعل البرغوثي عاجزا عن القيادة حتى لو أُطلق سراحه غدا. يقول باسكين إن ظروف السجناء الفلسطينيين المدانين أصبحت جدا، وفوق أي تصور في دولة تدعي أنها ديمقراطية.

 ويضيف: "بصفته قائدا ورمزا للشعب الفلسطيني، كانت معاملة بن غفير للبرغوثي أشد قسوة من معاملة معظم السجناء الفلسطينيين الآخرين. حتى لو أُطلق سراحه، فليس من الواضح إطلاقا ما إذا كان سيسمح له بالعودة إلى الضفة الغربية". ويضيف: "سيحتاج بلا شك إلى فترة من الرعاية الطبية والتأهيل، ولن يكون لديه الكثير من الوقت للتركيز على السياسة الفلسطينية والنضال لكسب دعم جيل الشباب الفلسطيني الذي لا يعرفه إطلاقا".

ويضيف باسكين: "أنا متأكد تماما من أننا سنرى مروان البرغوثي مجددا على الساحة السياسية الوطنية الفلسطينية".