قضايا وآراء

حرب أهلية في غزة أم عملاء احتلال؟!

المقاوم ليس في بحبوحة من أمره، أن ينتظر في شأن أشخاص بانت له مواقفهم من عدة مواقف مرصودة، وهو ما عبر عنه ثقة وصمت الأهالي والعائلات عن التصرف الذي قامت به المقاومة.. الأناضول
بعد وقف الحرب في غزة، حدثت مشاهد تم نقلها للإعلام، وكل تناولها من حيث يريد، أو من حيث يفهم، سواء كانت الحقيقة كاملة لدى المتحدث، أم لديه بعضها، فقد كانت المشاهد متعلقة بمعاقبة أشخاص تعاونوا مع الاحتلال، وقاموا بالاعتداء على شخصيات من أهل غزة، أودى ذلك بحياتهم، كان منهم الإعلامي صالح الجعفراوي، وابن الدكتور باسم نعيم، وشخصيات أخرى.

تعمد إعلام اسكاي نيوز، والعربية، وبعض المنصات التي لا تحمل بداخلها أي تضامن مع المقاومة في غزة أو فلسطين، إبراز الحدث على أنه خرق للقانون، وتصفية معاقبة خارجه، فرأينا رافضين لهذا التصرف من المقاومة، سواء من كانت نياتهم حسنة، وتوجهاتهم صحيحة، وهم شخصيات متعاطفة مع المقاومة، لكن موقفها منطلق من موقف حقوقي بحت، بأن المخطئ أو الخائن، لا بد أن يحاسب حسابا قانونيا، فيحقق معه من خلال قاضي طبيعي، ثم يعلن عن تهمته، ثم يعاقب عقابا عن طريقة سلطة تنفيذية، رافضين تحول المقاومة إلى سلطة قضائية وتنفيذية معا.

وهؤلاء لا بد من تفهم موقفهم، وهو موقف نبيل، ينطلق من إيمان هؤلاء الناس بالحقوق، وأن الظروف لا ينبغي أن تجعلنا نتخلى عن المسار الطبيعي للحقوق، وهذه الشريحة موجودة بنسبة ما، سواء في الواقع المعيش، أو على مواقع التواصل، وهي وجهة نظر لا بد من تقديرها سواء على مستوى الفكر والنقاش، أو على مستوى المقاومة والحركة.

حاول الاحتلال على مدار عامين، تجهيز عملاء في المجتمع الغزاوي، وأن يحدثوا اضطرابا في غزة، ولكن المجتمع الفاهم للأمر، أدرك خطورة هذا الاختراق، وهو ما أنهى في يومين ما خطط له الاحتلال في عامين، وخضعت معظم العائلات لسلطة المقاومة، حتى لا يتحول وقف الحرب إلى احتراب داخلي، كما يريد الاحتلال.
وهناك شريحة أخرى اتخذت نفس الأسباب ذريعة لموقف عربي متصهين، فقد هالها أن تخرج المقاومة في اليوم التالي لوقف الحرب، وقد خرجت متماسكة قوية، وتملك زمام أمور المجتمع، فهذه الشريحة خرجت تعلن بأنها مصابة بالحسرة، إذ كانت تتصور أن المقاومة قد انتهت، وأنها لا مكان لها في غزة بعد الحرب، وأن قادتها لا عهد لهم ولا ذمة، فقد وعدوا بأنهم خارج السلطة، فلماذا إذن تواجدوا في المشهد؟!

وتغافل أو تعامى هؤلاء عن نقطة مهمة، أن وعد المقاومة بالانسحاب من الصدارة وإدارة المشهد الغزاوي، هم صادقون فيه، لكن هل معنى ذلك أن ينسحبوا انسحابا يسلم المجتمع الغزاوي لعصابات استأجرها الاحتلال لتفسد المشهد، وتقوم بتصفيات لأبناء قيادات، ولإعلاميين، وهو ما رأيناه بالفعل.

ونسي الصادقون من الرافضين للمشاهد التي نقلت عن أحداث غزة، أنها لا تعبر عن أحداث حرب أهلية كما أراد الإعلام العربي المتصهين أن يصور، ولو رجع الناس لشهور مضت، فقد كانت الشكوى من قبل عن وجود عصابات تسرق المساعدات المقدمة للغزاويين، وهو ما دعا علماء كبار لإصدار فتاوى بتجريم هذا الفعل، وأنها جريمة في الوقت الطبيعي، فما بالنا في وقت مجازر بشعة ضد أهل غزة؟!

حاول الاحتلال على مدار عامين، تجهيز عملاء في المجتمع الغزاوي، وأن يحدثوا اضطرابا في غزة، ولكن المجتمع الفاهم للأمر، أدرك خطورة هذا الاختراق، وهو ما أنهى في يومين ما خطط له الاحتلال في عامين، وخضعت معظم العائلات لسلطة المقاومة، حتى لا يتحول وقف الحرب إلى احتراب داخلي، كما يريد الاحتلال.

بقي الموقف الذي صور في فيديوهات، سواء ما كان منها صحيحا، وما كان مفبركا، وما رفضه ناشطون في المجال الحقوقي، وهو موقف متفهم كما ذكرت من قبل، ولست هنا بصدد الدفاع عن هذا أو ذاك، لكني بصدد أمر آخر، وهو تصوير لماذا تختلف وجهات نظر الفاعلين على أرض المعركة، عن المشاهدين من المتحدثين عن مسائل حقوقية هم صادقون في موقفهم، لكن طبيعة كل شخص في موقعه تجعل خطابه مختلفا، وتجعل تصوراته، وأفعاله كذلك مختلفة عن الآخر.

وكي أقرب وجهة النظر، عندنا نموذج تاريخي أسوقه دوما في هذه الحالة، وهو موقف المدني والعسكري، المدني في سياقه، والعسكري في ساحة الوغى، وهي معركة دونت في تاريخنا الإسلامي، خلاف دار بين صحابيين جليلين، بين عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، رضي الله عنهما، وذلك في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في خلافته، وذلك في قصة قتل مالك بن نويرة، حيث خرج خالد لقتال المرتدين ومانعي الزكاة، ودار حوار بين خالد ومالك، فهم منه خالد أن مالكا ليس معهم على نفس الدين، ومشكوك بنسبة كبيرة في ذلك، فقام بقتله، ووصل الأمر لعمر وهو القاضي.

رفض عمر فعل خالد، وقال لأبي بكر: إن في سيف خالد رهقا، أي: طيشا، ونسب الطيش لسيف خالد، ولم ينسبه إليه، وهو أدب شديد من عمر، رغم رفضه لما فعل خالد، كانت وجهة نظر عمر القاضي الجالس في مجلس القضاء في المدينة، أن خالدا قتل رجلا مسلما، كان عليه أن ينتظر ويتمهل في أمره، أو أن يحيله إليه في قضائه، ليحكم فيه، وأن على أبي بكر أن يعزل خالدا، لأنه بذلك تجاوز.

وكانت وجهة نظر خالد أنه عسكري في ساحة الوغى، وأن مالك هو من أوائل من لقيهم من الخارجين عن القانون وقتها بمنع الزكاة، وفهم من أجوبته أنه لا يؤمن بالإسلام، فقال له خالد: لماذا لا تدفع الزكاة؟ فقال مالك: كنا نعطيها لصاحبكم، يقصد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: أوليس لك بصاحب؟! وفي لغة العسكرية لا يستطيع عسكري أن يغادر قبيلة، وينطلق لما بعدها، وقد ترك كبيرها وهو مشكوك في أمره، وليس واثقا فيه، وخالد صاحب فكرة وجود ثغرة في جيش المسلمين في غزوة أحد، والذي لم يهزم في معركة قط، ولا يمكن له أن يترك خلف ظهره من لا يثق في ولائه، لأنه سيكون ثغرة يكون فيها هلاكه.

تغافل أو تعامى هؤلاء عن نقطة مهمة، أن وعد المقاومة بالانسحاب من الصدارة وإدارة المشهد الغزاوي، هم صادقون فيه، لكن هل معنى ذلك أن ينسحبوا انسحابا يسلم المجتمع الغزاوي لعصابات استأجرها الاحتلال لتفسد المشهد، وتقوم بتصفيات لأبناء قيادات، ولإعلاميين، وهو ما رأيناه بالفعل.
سمع أبو بكر وجهة نظر الطرفين، وفهم أن الخلاف بينهما نابع عن وظيفة كل منهما، وليس عن تشكيك طرف في نية الآخر، أو صدق مقصده، فقال أبو بكر: يا عمر كف لسانك عن خالد، فصمت عمر.

وهو خلاف كثيرا ما يثار، وكثيرا ما أتذكر هذا الحدث، ففيه حل لهذا الإشكال، وتفكيك لوجهات النظر المختلفة، وهو ما نراه في تصرفات ننكرها أن نرفضها من حيث موقعنا، بينما يفعلها المقاوم أو السياسي من موقعه.

المقاوم ليس في بحبوحة من أمره، أن ينتظر في شأن أشخاص بانت له مواقفهم من عدة مواقف مرصودة، وهو ما عبر عنه ثقة وصمت الأهالي والعائلات عن التصرف الذي قامت به المقاومة، فالمجتمع الغزاوي يعرف كل شخص فيه قاصيه ودانيه، ويملك هؤلاء الأهالي أن يعبروا عن رفضهم بكل وسائل الرفض، لو كان لديهم شكوك في صفاء صفحة هؤلاء، أو غيرهم، وهذا لا يعني صحة كل ما تقوم به المقاومة، لكن هذه المسألة باعتراف المجتمع الغزاوي، تتحرى فيه المقاومة بشكل كبير، وتحسن التعامل معه، بما لا يمثل تجاوزا، أو يخسرها الحاضنة الشعبية، بل تصبر طويلا في ذلك، مخافة أن ينتج عن أي تصرف تقوم به تفخيخا للمجتمع.

Essamt74@hotmail.com