قبل أيام من موعد الاقتراع، تتصاعد التصريحات السياسية في بغداد التي تصف 
الانتخابات البرلمانية لعام 2025 بأنها "
ولادة جديدة للنظام السياسي"، بعد عقدين من أول انتخابات شهدتها البلاد بعد الاحتلال الأمريكي.
ومن المقرر أن تجري في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، سادس انتخابات برلمانية يشهدها 
العراق بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003 وإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
"تأسيس جديد"
ورأى قادة سياسيون أن الانتخابات التي جرت قبل عقدين، وضعت الأساس الأول للنظام السياسي الجديد بعد سقوط النظام السابق عام 2003، فيما تأتي انتخابات العام الجاري لتعيد رسم ملامح هذا النظام، سواء في موازين القوى أو في شكل التحالفات.
وقال محمد الحلبوسي، زعيم تحالف "تقدم" (السني) خلال خطابه أمام جمع من أنصاره، الأسبوع الماضي، إن انتخابات 2025 "ستؤسس لعشرين سنة مقبلة كما فعلت تلك السابقة"، مشيرا إلى أن غياب 
المكون السني عن انتخابات 2005 "كلف البلاد ثمنا باهظا أمنيا واجتماعيا".
وأوضح رئيس البرلمان العراقي السابق أنه في عام 2005 كانت ظروفنا (السنة) السياسية والأمنية غير سليمة، بسبب الاحتلال وعمليات الاعتقال، والكثير من المشكلات الأمنية، إضافة إلى صدور فتاوى ترفض المشاركة بالانتخابات، لذلك غاب المكون السني عنها.
ولفت إلى أن غياب المكون السني عن انتخابات عام 2005، كانت نتائجه سلبية علينا، لأن أبنا المكون لم يذهبوا للمؤسسات الأمنية والعسكرية وحتى من تواجد منهم كانوا بأعداد قليلة ولا تمثل حجم البيئة الاجتماعية التي ينتمون إليها.
وشدد الحلبوسي على "ضرورة الاتعاظ من تجارب الماضي، لأن عدم مشاركتنا في انتخابات عام 2005 دفعنا بسببه ضريبة كبيرة مشاكل أمنية ووصلنا إلى مرحلة التهجير والتجويع".
وأكد القيادي في التحالف ذاته، ظافر العاني، أن انتخابات عام 2025 تشكل "فرصة لولادة جديدة للنظام السياسي العراقي"، مشيرا إلى أن الحقبة التي أعقبت 2005 اتسمت بالإقصاء والطائفية، إلا أن الواقع السياسي اليوم بات مختلفا وأكثر نضجا.
وقال العاني خلال مقابلة تلفزيونية، الجمعة، إن المكون السني ارتكب قرارات غير عقلانية بمقاطعة العملية السياسية بعد 2003، مبينا أن تلك المقاطعة أسهمت في تراجع التمثيل والتأثير داخل الدولة.
وأضاف أن المنهج الإيراني في تلك المرحلة كان يضغط على شركائه بهدف إقصائنا، آملا في تكون علاقة الصداقة مع إيران ضمن حدود العلاقات الطبيعية، ولا نريد للعراق أن يكون "كيس رمل" لصراعات الآخرين.
وعلى الصعيد ذاته، أكد رئيس تيار "الحكمة الوطني" (الشيعي) عمار الحكيم، خلال حشد انتخابي، أن الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2025 تمثل محطة مفصلية في تاريخ العراق السياسي.
وأكد الحكيم أن الانتخابات الحالية توازي من حيث الأهمية انتخابات عام 2005 التي أرست أسس النظام الديمقراطي بعد سقوط النظام السابق، وتأتي أهميتها من أجل تحقيق الاستقرار المستدام، لذلك هذه الانتخابات جدا مهمة كونها تمثل حدا فاصلا.
وشدد رئيس تيار الحكمة على أن "المرحلة المقبلة تتطلب مشاركة واسعة ومسؤولة من القوى السياسية والجمهور لضمان استقرار البلاد وتعزيز المسار الديمقراطي".
أما على الجانب الكردي، فإن الانتخابات المقبلة ترى فيها القوى الرئيسة في إقليم كردستان العراق، فرصة لإنهاء معضلة تشكيل الحكومة في أربيل، والتي لم تر النور رغم مرور أكثر من عام على انتهاء العملية الانتخابية فيها.
"العشر الأواخر"
وعن مدى ولادة النظام السياسي في العراق من جديد بعد انتخابات عام 2025، قال المحلل السياسي، غانم العابد، إن "هذا الطرح لا يعدو كونه شعارات انتخابية لتحفيز الجماهير، لأن هذه القوى ترى عزوفا عن الانتخابات من الشارع العراقي، بعد فشل مرير منذ عام 2005 وحتى اليوم".
وأضاف العابد لـ"عربي21" أن "دخول شخصيات وقوى معاقبة من الخزانة الأمريكية بقوة للعملية الانتخابية، يثير تساؤلات عما إذا كانت الولايات المتحدة ستعترف بمخرجات الانتخابات، خصوصا إذا حصلت هذه الأطراف على عشرات المقاعد داخل مجلس النواب".
وأشار إلى أن "العملية السياسية الحالية في العراق ربما هي في العشر الأواخر من عمرها، لأن هذا النظام السياسي أثبت فشله نتيجة الفساد وإخفاقه على كل المستويات، ولاسيما في الملف الصحي والاقتصادي والخدمي، إضافة إلى مشكلة المياه وجفاف الأنهر".
وبشأن إقليم كردستان، رأى العابد أن "توزيع المناصب في الحكومية المركزية وحكومة الإقليم دائما ما يكون هو الحل للأزمة في الإقليم، وأن ثمة شبه اتفاق بين الطرفين الرئيسين، هو أن يكون رئيس الجمهورية من الاتحاد الوطني، وأن رئيس الإقليم من الديمقراطي الكردستاني".
وأكد العابد أنه "المفاوضين من الطرفين الكرديين يمران حاليا في حالة جمود، لذلك أعتقد أن توزيع المناصب في بغداد قد يكسر هذا الجمود، وبالتالي يجري الحراك مجددا لتشكيل حكومة الإقليم".
ومع أن حسم المناصب في بغداد من شأنه تحريك تشكيل حكومة الإقليم، لكن مسألة تشكيل الحكومة العراقية المقبلة بين القوى السياسية ليس بالأمر السهل أو ممكن أن يحصل في وقت قريب، وفقا للعابد.
من جهته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" العراقي إحسان الشمري، إن "كل من يتحدث عن تأسيس لمرحلة جديدة أو ولادة ثانية للنظام السياسي فهو أمير غير صحيح بالمطلق، وإنما يندرج ضمن الدعاية الانتخابية.
واستبعد الشمري في حديث لـ"عربي21" حصول أي تغيير على إثر الانتخابات البرلمانية من قبيل تأسيس لمرحلة جديدة في النظام السياسي الحالي، واصفا الحديث عن ذلك بأنه " كذب وتدليس على الناخبين".
وبخصوص انعكاس الانتخابات على وضع الإقليم، قال الشمري إن "القوى الكردية اتفقت منذ 6 أشهر على ربط تشكيل حكومتها في إقليم كردستان العراق بالانتخابات البرلمانية العامة للبلاد، وأن الأمر يتعلق بتوزيع المناصب في الحكومة العراقية المقبلة".
وأكد الشمري أنه "بعد توزيع المناصب بين القوى الكردية الرئيسة، وتحديدا في بغداد سواء منصب رئيس الجمهورية أو الحقائب الوزارية المخصصة لها، والتي عددها يصل إلى 4 وزارات".
وأظهرت نتائج انتخابات برلمان الإقليم في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، تقدّم "الديمقراطي الكردستاني"، بـ39 مقعدا، يليه منافسه التقليدي "الاتحاد الوطني"، بـ23 مقعدا، ثم حزب "حراك الجيل الجديد" المعارض، بـ15 مقعدا، فيما حاز "الاتحاد الإسلامي" على 7 مقاعد.