استدل الستار رسميا اليوم الثلاثاء على مسار أطول محاكمة في تاريخ
موريتانيا، والتي خضع لها الرئيس الموريتاني السابق
محمد ولد عبد العزيز وعدد من أركان حكمه في الملف المعروف بـ"ملف
فساد العشرية".
وحسب مراسل "عربي21" فقد أيدت الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا، الثلاثاء حكم محكمة الاستئناف الصادر بحق الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز والمتضمن سجنه 15 سنة ليصبح باتا ونهائيا.
وأيدت المحكمة أيضا الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بحق عدد من المشمولين في الملف ومن بينهم صهر الرئيس السابق محمد ولد امصبوع، والمدير الأسبق للشركة الوطنية للكهرباء، محمد سالم ولد إبراهيم فال، ورجل الأعمال محمد الأمين ولد بوبات.
أبرز التهم
وأمن أبرز التهم الموجهة للرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، والتي أكدتها المحكمة العليا، غسيل الأموال، الإثراء غير المشروع وإخفاء العائدات الإجرامية.
بينما أكدت التهم الموجهة لبقية المشمولين في الملف، وهي تهم تتعلق بالإثراء غير المشروع وغسيل الأموال والإخلال بالواجبات القانونية وإخفاء العائدات الإجرامية.
تجدر الإشارة إلى أن السلطات الموريتانية جمدت 41 مليار أوقية (أكثر من 100 مليون دولار) في إطار القضية، أكثر من نصفها من ممتلكات ولد عبد العزيز وأفراد عائلته، بحسب وسائل إعلام محلية.
بداية مسار التقاضي
بدأ مسار محاكمة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، سنة 2020 حين شكل البرلمان الموريتاني لجنة عهد إليها بإجراء تحقيق في فترة حكم الرئيس السابق وهو ما تم بالفعل في نفس السنة.
وفي عام 2021 أحيلت نتائج التحقيق للقضاء، ليبدأ مسار محاكمة الرئيس الموريتاني السابق وأركان حكمه.
واستمرت محاكمة ولد عبد العزيز والمتهمين معه في الملف، أمام المحكمة المختصة بجرائم الفساد سنة كاملة انتهت بإصدار أحكام تراوحت ما بين السجن والحرمان من الحقوق ومصادرة الأموال، حيث قضت بسجن ولد عبد العزيز 5 سنوات، بعد إدانته بتهم عديدة، من بينها "غسل الأموال والإثراء غير المشروع"، كما قضت بمصادرة أمواله وحرمانه من حقوقه المدنية.
بعد ذلك استأنف الحكم أمام محكمة الاستئناف التي قضت بحبس ولد عبد العزيز 15 سنة، ثم انتهى مسار التقاضي اليوم الثلاثاء حين أكدت المحكمة العليا حكم محكمة الاستئناف.
ماهو "ملف العشرية"؟
هو الملف الذي اتهم فيه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وعدد من أركان حكمه والمقربين منه، ويتعلق بالفترة الزمنية التي أمضاها ولد عبد العزيز في السلطة وهي عشر سنوات.
وأثير الملف بعد توتر العلاقة بين الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، وسلفه محمد ولد عبد العزيز، حين ترأس الأخير اجتماعا لحزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم حينها وذلك بداية تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
فبعد أيام من هذا الاجتماع، وقع عشرات من نواب البرلمان عريضة عبروا فيها عن رفضهم لمحاولة ولد عبد العزيز الهيمنة على الحزب، ليتم تشكيل لجنة من البرلمان عهد إليها سنة 2020 بإجراء تحقيق في فترة حكم الرئيس السابق وهو ما تم بالفعل، ليبدأ مسار محاكمة اعتبرت الأطول في تاريخ موريتانيا.
رئيس مثير للجدل
ينظر إلى الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز على أنه أكثر رؤساء موريتانيا إثارة للجدل.
وولد عبد العزيز، الرئيس التاسع لموريتانيا، حكم البلاد لولايتين رئاسيتين، لكنه لم يترشح للانتخابات الرئاسية التي أجريت في 22 تموز/ يونيو 2019 بل مهد الطريق أمام الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني الذي انتخب رئيسا للبلاد في العام نفسه.
وقبل ذلك تولى ولد عبد العزيز العديد من المناصب العسكرية بينها منصب قائد أركان الحرس الرئاسي، وشارك بالعديد من الانقلابات العسكرية في هذا البلد العربي الغرب أفريقي.
وكان آخر الانقلابات التي شارك فيها، الانقلاب الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، سنة 2007.
قاد ولد عبد العزيز عملية إفشال الانقلاب العسكري الذي استهدف الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع سنة 2003، لكنه بعد سنتين قاد مع عسكريين آخرين انقلابا عسكريا أطاح بولد الطايع سنة 2005.
ولعب ولد عبد العزيز دورا رئيسيا في وصول الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، للسلطة سنة 2007، ثم أطاح به في انقلاب عسكري بعد ذلك بسنة ليتولى السلطة في البلد لفترة انتقالية، ثم يتم انتخابه لفترتين رئاسيتين.
ونظرا لأن الدستور الموريتاني لا يسمح بأكثر من ولايتين رئاسيتين، قرر ولد عبد العزيز عدم الترشح للرئاسة ودعم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، لكن لم تمر سنة حتى توترت علاقاتهما.
هل يفرج عن الرئيس السابق بعفو رئاسي؟
وعقب تأكيد المحكمة العليا للحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف، تسائل عدد من المتابعين عن ما إذا كان الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني سيتدخل للإفراج عن سلفه محمد ولد عبد العزيز بعفو رئاسي بمناسبة ذكرى الاستقلال التي تحتفل بها البلاد في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام.
وكان فريق دفاع الرئيس السابق ولد عبد العزيز، قد استبق جلسة المحكمة العليا، ببيان طالب فيه الرئيس الحالي
محمد ولد الغزواني، بالتدخل لطي ملف موكلهم وإنهاء.
وقال منسق هيئة الدفاع، المحامي محمدن ولد اشدو، في مؤتمر صحفي مساء الأحد الماضي، إنهم حاولوا الاتصال بالرئيس غزواني منذ بداية الملف، وراسلوا الرئاسة، مضيفًا أن المحيطين بالرئيس حالوا دون إتمام اللقاء.
ودعا ولد اشدو، ولد الغزواني إلى التدخل العاجل لتدارك ما وصفه بالوضع الخطير، معتبرا أن المعطيات التي وصلته بشأن الملف "عارية من الصحة، وما تم ترويجه حول استقلال القضاء وضرورة احترام فصل السلطات ليس سوى مبررات واهية لإبعاده عن التدخل، والواقع يُظهر بوضوح اختطاف القضاء وتسخيره لصالح السلطة التنفيذية" وفق قوله.