نشر موقع "
لو ديبلومات" تقرير يسلط فيه الضوء على عودة المشروع النووي الإيراني إلى أعماق الأرض، وبصمت محسوب يعيد إيران إلى قلب لعبة الردع الدولي، موضحاً أن صور الأقمار الصناعية تظهر نشاطاً محمومًا قرب نطنز، حيث تبني طهران شبكة أنفاق ومداخل مخفية لتحصين برنامج نووي يضم أكثر من 400 كغم من يورانيوم مخصب بنسبة 60 بالمئة.
استراتيجية الصمت العملياتي
وقال الموقع الفرنسي، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن طهران تعود مجددًا إلى التقدُّم في أعماق الأرض، فوفقًا لصور الأقمار الصناعية التي حلّلها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، استأنفت إيران بناء موقع نووي تحت الأرض بالغ الأهمية في جبل بيكون، قرب نطنز، وذلك بعد أشهر من الهجمات الأميركية والإسرائيلية التي لحقت ببنيتها التحتية الأساسية وألحقت بها أضرارًا جسيمة، ووراء هذا البناء الظاهري تختبئ عملية إعادة انتشار استراتيجية: نقل الجزء الأكبر من البرنامج النووي إلى أعماق الأرض بهدف جعله بمنأى عن عمليات التفتيش والهجمات الدقيقة. ومن خلال توسيع الأنفاق وتمويه نقاط الدخول، لا يكتفي النظام بإعادة تأهيل موقع فحسب؛ بل يعمل على بناء رادع غير مرئي، مندمج في تضاريس البلاد نفسها.
العراق، ركيزة نفوذ يجب الحفاظ عليها
وأكد الموقع أنه في الوقت ذاته، قام الجنرال إسماعيل قاآني، قائد قوة القدس، بزيارة سرّية إلى بغداد. ورغم أنه أقل كاريزما من قاسم سليماني، فإنه لا يقل عنه منهجية ودقة؛ حيث التقى قاآني بقادة الفصائل المنضوية ضمن الإطار التنسيقي بهدف تخفيف حدة التنافس بينها، والهدف واضح: الحفاظ على تماسك الجبهة الشيعية لضمان النفوذ السياسي والاقتصادي لإيران في العراق، الذي يشكل الحلقة المركزية في ما تسميه طهران "محور المقاومة".
وتأتي الزيارة في لحظة تتراجع فيها القوة الإيرانية في الشرق الأوسط: مقتل حسن نصرالله أضعف حزب الله، والحرب في غزة قضت على جزء كبير من حماس، وسقوط بشار الأسد حرم طهران من أهم حليف سوري لها.
"الصمود لا المواجهة"
وأوضح الموقع أنه تحت قيادة قاآني، اعتمدت قوة القدس نهج حرب هجينة: استعراضات عسكرية أقل، وتنسيق أكثر مرونة، وقيادة لامركزية، ومبادرات محلية. باتت الأولوية الآن لإيران الحفاظ على مواقعها بدلًا من توسيعها، فلم يعد الهدف توسيع "محور المقاومة"، بل صون تماسكه، هذا التحول عكس واقعية جديدة: أدركت طهران أن بقاء نظامها يعتمد على الصمود لا على المواجهة المباشرة. وأصبح العراق، بشبكاته الطاقية والمالية المتداخلة بعمق مع إيران، ملاذًا وساحة اختبار في آن واحد لهذه الإستراتيجية.
حرب غير مرئية بين واشنطن وطهران
وذكر الموقع أنه في اليوم نفسه لزيارة قاآني، أجرى وزير الخارجية الأمريكي ماركو بومبيو اتصالًا هاتفيًا برئيس الوزراء العراقي محمد السوداني طالبًا منه نزع سلاح الميليشيات الموالية لإيران؛ حيث ترى الولايات المتحدة أن العراق هو قلب القوة الإيرانية، ليس فقط بسبب قواعده اللوجستية، بل أيضًا بفضل حلفائه السياسيين. وأمام هذا الضغط، تختار طهران ردًا غير متماثل: تعزيز حضورها السري، توسيع شبكاتها الاقتصادية، وترسيخ موقعها النووي، فجبل بيكون وبغداد وجهان لعملة واحدة: البقاء أمام الخنق من خلال التخفي والصبر والاتساق.
ردع عبر الظلال
واختتم الموقع تقريره بالتأكيد على أن إيران اليوم لم تعد تستعرض قوتها؛ بل تدفنها في الأعماق. ففي باطن أرض نطنز، وفي أزقة بغداد، وداخل الشبكات المصرفية في المنطقة، تبني طهران مقاومة صامتة. لم يعد البرنامج النووي مجرد أداة ردع؛ لقد أصبح سلاحًا سياسيًا. وبإعادة بناء جبل "الفأس"، لا تكتفي إيران بتحدي خصومها؛ بل تذكّرهم بأنه، رغم العقوبات والهجمات، ما زالت لاعبًا لا يمكن تجاوزه في الشرق الأوسط. وإن صمت الجنرال قاآني، البعيد كل البعد عن كونه علامة ضعف، يعكس تحولًا عميقًا في القوة الإيرانية: نظام يضع الأولوية اليوم للعمق الاستراتيجي على حساب الأضواء الإعلامية.