أثبتت الحروب الأخيرة
التي خاضتها دولة الاحتلال في العديد من الجبهات العسكرية، أن الدعوات لإحياء عماليق
التاريخ اليهودي القديم، والنقوش على الجدران في غزة، فقد تحولت الحرب الأخيرة إلى
مواجهة عقائدية كشفت فيها دولة الاحتلال عن نفسها كدولة دينية، والآن يبقى السؤال المصيري
حول من سيقود المستقبل: الحاخام الديني أم القائد السياسي.
وأكد الرئيس الأسبق
للكنيست، والوكالة اليهودية، أبراهام بورغ، أن "حرب غزة الأخيرة ظهرت مختلفة عن
كل جولات العنف السابقة، حيث لم تعد هذه حملة عسكرية، بل كانت أول حرب دينية بين
إسرائيل
اليهودية والفلسطينيين المسلمين، حيث حدث صراع عقائدي تحت ستار الأمن، فحركة حماس منفتحة
في عقيدتها، فيما أدار دولة الاحتلال الحرب بروح ودوافع دينية بالكامل، وبعيداً عن
الأيام الأولى من الصدمة والانتقام، اعتمدت جميع مراحل الحرب على خطاب ديني متميز،
كما لم يحدث من قبل".
وأضاف في مقال نشره
موقع ويللا، وترجمته "عربي21" أن "المؤشرات الدينية على الحرب التي
شنّتها دولة الاحتلال ضد غزة ظهرت بدءً بدعوات الحكومة لإحياء العماليق، مرورًا بنقوش
الجنود على الجدران في غزة، وتسلل الزعماء التوراتيين إلى ساحات القتال، ووصولاً إلى
خطط استرداد الأراضي المنهوبة المزعومة، وتسويقها، وكأننا أمام حرب كاملة باسم الله
لم تتوقف، والنتيجة أن هذه هي الحرب التي أصبحت فيها إسرائيل
دولة دينية بالفعل".
وأشار أن "السؤال
المصيري يبرز اليوم: إلى أين نتجه من هنا؟ هل من أجل دولة علمانية، كما تصور مؤسسوها،
أم من أجل جمهورية دينية حيث يصبح الحاخام عضوا في مجلس الوزراء الحكومي، وما هو مصدر
سلطة الدولة: الحاخام أم الملك، الكنيست أم الكنيس؟ وهل تُسخِّن الحرب الأهلية الباردة
على هوية الدولة إلى درجة الغليان والقتل، أم أننا سنجد الشجاعة لفصل الدين عن الدولة
أخيراً، انطلاقا من قاعدة "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله".
وأضاف أن "دولة
الاحتلال تعيش على خط التماس بين هذين المفهومين، فقد تم بناؤها على أسس علمانية، لكنها
ترتكز بشكل كبير على بنية تحتية أسطورية دينية، تتحدث لغة الحقوق المدنية، وتفكر في
الدعوة والاختيار، تحافظ على نظام علماني للقوانين، لكنها تخضع لسلطة
الحاخامات، وتحاول
التمسك بهويتين، سياسية ويهودية، حتى عندما تتعارضان مع بعضهما البعض، مع العلم أن
هذا التناقض ليس أيديولوجياً فحسب، بل اجتماعياً أيضاً".
وأوضح أن "نصف
المجتمع اليهودي تعود أصوله إلى الثقافة الغربية، حيث يعتبر الفصل بين الدين والدولة
أمرًا طبيعيًا، والنصف الآخر يأتي من الثقافة الإسلامية حيث يندمج الدين والدولة معًا
في كل لا يتجزأ، وهذه الفجوة موجودة في كل نقاش عام؛ في الكنيست، في الحاخامية، في
الخدمة العسكرية في المدارس الدينية، في حياة العائلات اليهودية، وفي النظام القضائي،
لكن العقود الأخيرة شهدت انقلاب الصورة، خاصة بعد القرن العشرين، القرن الأكثر علمانية
على الإطلاق، عادت التوراة إلى اللعبة السياسية".
وأكد أن "دولة
الاحتلال باتت تشهد معتقدات قديمة من قبيل الإيمان بالشعب المختار ليكون مبرراً لمظالم
الحكومة، ومصدر التمييز والغطرسة والسيطرة والقمع، مع العلم أن الدين اليهودي الإسرائيلي
ليس صوت الضمير، بل هو آلية تفعيل القوة الأكثر عنفاً التي وُضعت في أيدي اليهود على
الإطلاق، مع أنه عندما يختلط الدين بالسياسة يتضرر كلاهما، وبالتالي فإن التحدي الذي
نواجهه في عصرنا لا يتمثل بإعادة الأمور الضبابية القديمة والملوثة على أساس الترتيبات
الدينية والسياسية، بل في إعادة تعريف النظام الإسرائيلي برمّته".
وأضاف أن "هذا
الوضع الجديد يتطلب ثورة مزدوجة في دولة الاحتلال من ناحية الشجاعة السياسية المطلوبة
لتحرير مؤسساتها من السيطرة الدينية، ووقف ضخ المليارات في المؤسسات الحاخامية، وإلا
فإن مصيرها سيكون الزوال والانهيار كما انهارت قبل قرون دولة الكنيسة، وهذه ليست نبوءة،
بل تحذير تاريخي".
يتزامن هذا التخوف
الاسرائيلي من التحول الى دولة دينية مع تفاقم أزمة تهرب اليهود الحريديم من التجنيد
في جيش الاحتلال مما ينذر بأزمة تصاعدية جديدة في الدولة، لأنهم لا يعتقدون بالحاجة
الماسة للجيش، ولا الشاباك، ولا الموساد، ولا حتى مفاعل ديمونا النووي، ففي دولة الحريديم
تكفي دراسة التوراة من الفجر إلى الغسق من أجل التصدي لحماس وحزب الله وإيران.