سياسة دولية

لماذا يشهد اليهود البريطانيون أكبر تغيير لهم منذ 60 عاماً؟

رفضت بعض أصوات اليهود فكرة أن "إسرائيل تمثل ملاذًا آمنًا ليهود الشتات"- جيتي
كشف تقرير موسّع أعدته شبكة "بي بي سي" عن تحولات عميقة يشهدها المجتمع اليهودي في بريطانيا خلال العامين الماضيين، في ظل تداعيات حرب الإبادة في قكاع غزة، و"تصاعد حوادث معاداة السامية"، واتساع الانقسام الداخلي حول "إسرائيل"، ولا سيما بين الأجيال المختلفة.

وقال فيل روزنبرغ، رئيس مجلس نواب اليهود البريطانيين، إن العامين الماضيين كانا “بالغَي الصعوبة”، مشيرًا إلى أن "الهوية اليهودية باتت أكثر عبئًا من أي وقت مضى في ظل الألم الذي خلّفته أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما تبعها من حرب على غزة". وأكد أن "مقتل يهود بريطانيين واحتجاز آخرين ذوي صلات بالمملكة المتحدة خلال هجوم حماس، ثم الدمار الواسع في غزة، تركا أثرًا عميقًا داخل الجالية".

وأوضح روزنبرغ أن هذه التطورات، إلى جانب الخطاب الحاد المحيط بالصراع، أسهمت في "تصاعد غير مسبوق لمعاداة السامية، وهو الذي تُوّج بهجمات دامية، من بينها إطلاق نار استهدف احتفالات عيد الأنوار اليهودي في شاطئ بوندي بأستراليا، وهجوم على كنيس في مانشستر خلال يوم الغفران، ما انعكس على حياة نحو 300 ألف يهودي في بريطانيا".

ويرى مراقبون بحسب التقرير أن "المجتمع اليهودي البريطاني لم يشهد منذ حرب عام 1967 نقطة تحول بهذا الوضوح، حيث طرأت تغييرات ملموسة على شعور الأفراد بالأمان، وعلى علاقتهم بالمجتمع الأوسع، إلى جانب تحولات في الخطاب حول إسرائيل".

تصاعد المخاوف الأمنية
وقال بن دوري (33 عامًا) من لندن بحسب التقرير: إن "شعوره بالأمان تراجع بشكل ملحوظ، ما دفعه إلى تعزيز انخراطه في المجتمع اليهودي ونشاطه في حملات مكافحة معاداة السامية" وأشار إلى أن بعض اليهود باتوا يتجنبون إظهار رموزهم الدينية علنًا، حتى عند التوجه إلى المعابد.

وأكد التقرير أنه بحسب بيانات وزارة الداخلية البريطانية، ارتفع "عدد جرائم الكراهية ضد اليهود في إنجلترا وويلز من 1543 جريمة في العام المنتهي في آذار/ مارس 2023 إلى 3282 جريمة بحلول ذات الشهر من عام 2024". وأكد “صندوق أمن المجتمع” أن "مستويات معاداة السامية المسجلة خلال العامين الماضيين هي الأعلى منذ بدء توثيقها قبل نحو أربعة عقود".

وفي السياق ذاته، قالت النائبة البريطانية السابقة لويز إلمان إن "شعورها بالضعف كيهودية بلغ مستوى غير مسبوق، لافتة إلى أن الهجوم على كنيس هيتون بارك في مانشستر، الذي ارتبط بمحطات شخصية في حياتها، عمّق هذا الإحساس". وأكدت أن القلق والتوتر والعزلة باتت مشاعر شائعة داخل الجالية.

انقسام حول "إسرائيل"
في المقابل، أظهرت أصوات يهودية أخرى مواقف مختلفة. وقالت المخرجة المسرحية تاش هايمان (33 عامًا) إن العامين الماضيين عززا ارتباطها بهويتها اليهودية، لكنهما لم يزيدا دعمها لـ"إسرائيل"، مؤكدة أن ممارساتها في غزة جعلتها تشعر بانعدام الأمان داخل بريطانيا. ورفضت فكرة أن "إسرائيل" تمثل “ملاذًا آمنًا” ليهود الشتات.

وأشارت هايمان إلى صعوبة النقاش الداخلي بين اليهود البريطانيين حول "إسرائيل"، في ظل استقطاب حاد وانعدام القدرة على حوار بنّاء، مؤكدة أن من الضروري إبراز وجود أصوات يهودية معارضة لسياسات "إسرائيل".

وأظهرت بيانات معهد أبحاث السياسات اليهودية (JPR) وجود فجوة واضحة بين الأجيال في المواقف من الصهيونية و"إسرائيل". فبينما عرّف 64 بالمئة من اليهود البريطانيين أنفسهم بأنهم “صهيونيون”، انخفضت النسبة إلى 47 بالمئة فقط بين الفئة العمرية 20-30 عامًا، مقابل ارتفاع ملحوظ في نسبة من يصفون أنفسهم بأنهم “غير صهيونيين” أو “معادون للصهيونية”.

ويرى الباحث روبرت كوهين أن مواقف الشباب ترتبط بأخلاقيات العدالة والشمولية التي تميّز “جيل زد”، إضافة إلى ضعف الارتباط المباشر بذاكرة المحرقة مقارنة بالأجيال الأكبر سنًا.

توترات داخلية
وشهد مجلس نواب اليهود البريطانيين بدوره خلافات داخلية، بعد توقيع عشرات الأعضاء رسالة انتقدت الحكومة الإسرائيلية، ما أدى إلى تعليق عضوية خمسة نواب. ورغم ذلك، اعتبر بعض المراقبين أن الخطوة كسرت حاجز الصمت وفتحت نقاشًا علنيًا كان محصورًا داخل الجالية.

وأكد روزنبرغ أن أولوية المجلس تبقى حماية سلامة اليهود البريطانيين، مشددًا على ضرورة ألا تُختزل الهوية اليهودية في الألم فقط، بل في الإسهامات المتعددة لليهود في الحياة البريطانية.

ويحذر بن دوري من أن مستقبل اليهود في المملكة المتحدة “على حافة الهاوية”، معتبرًا أن كيفية تعامل الدولة مع "تصاعد معاداة السامية" ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت بريطانيا ستبقى مكانًا آمنًا لليهود على المدى الطويل.

وفي ظل استمرار الحرب وتداعياتها، يبقى المجتمع اليهودي البريطاني أمام مرحلة معقدة، تتداخل فيها المخاوف الأمنية مع الانقسامات السياسية والجيلية، في وقت تتراجع فيه مشاعر التفاؤل حيال المستقبل.