صحافة دولية

تصاعد البطالة في بريطانيا..هل يدفع ثمنها العمال بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي؟

- جيتي
سلط الكاتب الاقتصادي ويليام كيغان، في مقال بصحيفة "الأوبزرفر"البريطانية، الضوء على تفاقم أزمة البطالة في المملكة المتحدة، معتبرا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يشكل العامل الأعمق والأكثر تجاهلا في تفسير تراجع النمو وارتفاع معدلات البطالة، ولا سيما بين الشباب.

ويستهل كيغان مقاله بالإشارة إلى تحول بوصلة السياسات الاقتصادية في السنوات الأخيرة، حيث بات التركيز الأساسي منصبا على معدلات النمو أو انعدامها، بعدما كان الاهتمام في العقود السابقة موجها بشكل أكبر إلى معدلات التوظيف والبطالة.

5 بالمئة بطالة.. والشباب في قلب الأزمة
ويشير الكاتب إلى أن معدل البطالة في بريطانيا بلغ، الأسبوع الماضي، 5 في المئة، مع بروز البطالة بشكل خاص بين فئة الشباب، وهو ما وصفه بأنه “خبر مروع”. ويرى أن هذا الواقع يفسر قرار بنك إنجلترا خفض أسعار الفائدة، في محاولة لاحتواء التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.

ويستحضر كيغان تجربة اقتصادي بريطاني بارز في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فرانك بيش من كلية لندن للاقتصاد، الذي كان يعد شخصية مثيرة للجدل آنذاك لدعوته صانعي القرار إلى استهداف معدل بطالة لا يتجاوز 2.5 في المئة للحد من الضغوط التضخمية. ويعلق الكاتب بأن مثل هذا الهدف، الذي كان ينظر إليه سابقا باعتباره “متهورا”، بات اليوم يبدو مرغوبا ومثاليا في ظل الظروف الراهنة.

أسباب متعددة..لكن بريكست في الصدارة
ويقر كيغان بأن تداعيات جائحة "كوفيد-19" لعبت دورا مهما في ارتفاع معدلات البطالة، إلى جانب السياسات التقشفية التي أطلقها وزير المالية الأسبق جورج أوزبورن منذ عام 2010. كما يشير إلى أن الثقة بين الشركات والمستهلكين تضررت مؤخرا بسبب الطريقة “المرتبكة” التي أدارت بها وزيرة المالية الحالية راشيل ريفز التحضيرات المطولة لميزانيتها الثانية.

غير أن الكاتب يؤكد أن كل هذه العوامل لا يمكن أن تحجب “الحقيقة الجوهرية”، والمتمثلة في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي يصفه، مستعيرا تعبير اللورد نيل كينوك، بأنه “الماموث المختبئ في خزانة المكانس”.

ويقول كيغان إن صورة أكثر دقة بدأت تتضح مؤخرا، على المستويين الكلي والجزئي، لحجم الاضطراب وإهدار الوقت وضياع الفرص التي عانت منها الشركات والتجار والمواطنون العاديون نتيجة بريكست.

ويستشهد بدراسة أجرتها جامعة أمريكية خلصت إلى أن الناتج الاقتصادي البريطاني يقل بنحو 6 إلى 8 في المئة عما كان سيكون عليه لو لم تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويحذر الكاتب من أن الأسوأ لم يأت بعد، إذ إن تأخر تطبيق بعض ترتيبات الخروج يهدد، اعتبارا من نهاية العام المقبل، بتحويل السفر الروتيني للمواطنين البريطانيين إلى دول القارة الأوروبية إلى “كابوس حقيقي”.

انتقادات لستارمر وتردد سياسي
وينتقد كيغان موقف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي كان في السابق من أنصار إعادة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو على الأقل إلى الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة، لكنه يبدو اليوم، بحسب الكاتب، “مرتبكا ومشلولا”، في وقت بات فيه حتى بعض أبرز مؤيدي بريكست ينظرون إلى الخروج بوصفه “كارثة”.

وينقل الكاتب عن توم بالدوين، كاتب سيرة ستارمر، قوله إن بعض الوزراء، في ظل تراجع شعبية رئيس الحكومة، قد يجدون مصلحة سياسية في الدعوة إلى إعادة الانضمام إلى الاتحاد الجمركي، خاصة مع تزايد التململ داخل أروقة السلطة.

الرأي العام تغير.. والقيادة مترددة
ويشير كيغان إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أن غالبية الناخبين البريطانيين، بمن فيهم من أيدوا بريكست سابقا، باتوا يؤيدون العودة إلى الاتحاد الأوروبي. 

ومع ذلك، يلاحظ أن ستارمر وفريقه – باستثناء نائب رئيس الوزراء ديفيد لامي – ما زالوا يتعاملون مع الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة بوصفهما “خطوطا حمراء” لا يجوز تجاوزها.

ويصف الكاتب البديل الذي تطرحه الحكومة الحالية، والمتمثل في ما يسمى “إعادة ضبط بريكست”، بأنه ضعيف ومحدود، بل ويتم التفاوض عليه بشروط غير مواتية لبريطانيا. 

ويقر بأن إعادة إدماج برنامج “إيراسموس” لتبادل الطلاب خطوة إيجابية للشباب، لكنها، كما هو الحال مع اتفاق الصيد الأخير، تصب في مصلحة الاتحاد الأوروبي أكثر من بريطانيا.

“نحن أقوى داخل الاتحاد”
ويخلص كيغان إلى ما يصفه بالحقيقة “البديهية” التي يدركها المؤيدون لأوروبا منذ عقود، وهي أن بريطانيا تكون أقوى وأكثر ازدهارا كجزء من الاتحاد الأوروبي مما هي عليه في حالة العزلة.

وفي هذا السياق، يستحضر حديثا لوزير المالية الأسبق جورج أوزبورن خلال نقاش في مؤسسة وينكوت، حين سئل عما إذا كان يؤيد إعادة الانضمام إلى الاتحاد الجمركي. ورد أوزبورن بأن حكومة عمالية يمكنها اتخاذ هذه الخطوة ثم خوض الانتخابات العامة، متسائلا: ماذا سيقول المحافظون حينها؟ هل سيعدون بالانسحاب مجددا؟ ومضيفا أنه “لن تجد شركة واحدة في البلاد تفضل العودة إلى حكومة محافظة تخرج من الاتحاد الجمركي من جديد”.

ويختم كيغان مقاله بتوجيه رسالة مباشرة إلى رئيس الوزراء البريطاني قائلا: “الكلمة الآن للسير كير”، في إشارة إلى أن القرار بات سياسيا بامتياز، وأن الفرصة لا تزال قائمة لتغيير المسار.