هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ظل سؤال النهضة يشكّل الهاجس المركزي في الفكر العربي منذ صدمة الحداثة، لكن هذا السؤال لم يُطرح دائمًا بشجاعة كافية، إذ بقي في الغالب مؤجَّلًا أو محصورًا بين الاستلاب للنموذج الغربي والانكفاء على تراث مأزوم. غير أن ثلاث تجارب فكرية متميزة برزت كمحاولات جادّة لتحرير هذا السؤال من التبعية، وتجديد أدوات طرحه: الجابري بنقده لبنية العقل العربي، وطه عبد الرحمن بإعادة تأسيس العلاقة بين الحداثة والقيم، ونايف بن نهار بتفكيكه للسلطة الدينية. هذه الورقة تقارب هذه المشاريع الثلاثة من زاوية سؤال النهضة، لا بوصفها خلاصات نهائية، بل باعتبارها اجتهادات متعددة تسعى لإعادة تعريف الذات والآخر، وتفكيك العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة، والعقل والتراث، في أفق بناء وعي نقدي ونهضة متحررة من القوالب الجاهزة.
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت ورقة تقديرية بعنوان "محددات الموقف السوري من العلاقة مع إسرائيل"، أعدّها الكاتب والباحث الفلسطيني عاطف الجولاني، تناولت بالتحليل خلفيات التحول المحتمل في موقف القيادة السورية الجديدة تجاه "إسرائيل"، في ظلّ ما يُشاع عن اتصالات غير معلنة وتصريحات للرئيس السوري أحمد الشرع ألمح فيها إلى وجود أعداء مشتركين بين الطرفين، وهو ما يفتح باب التساؤل حول دوافع هذا التغيّر، وحدوده، وتداعياته على مستقبل العلاقات السورية – الإسرائيلية في سياق التحولات الإقليمية المتسارعة.
في زمن تتداخل فيه الوقائع بالرموز، وتُقاس المعارك ليس فقط بموازين النار بل بمفاعيلها النفسية والسياسية، تبرز حرب "طوفان الأقصى" وما تلاها من تطورات على جبهة جنوب لبنان كمنعطف مفصلي في مسار المقاومة وحزب الله تحديدًا، إذ بدا أن الخسارة هذه المرة لم تكن فقط عسكرية أو ميدانية، بل أصابت قلب المشروع المقاوم في رمزيته وقيادته، فاتحةً الباب أمام مراجعة جريئة لمسار طويل من التضحيات، وأسئلة لا يمكن إرجاؤها حول معنى النصر والهزيمة، والحدود الفاصلة بين شلل القيادة واستمرار الحلم.
خلال العقد الأخير، صعّدت دول عربية عدة من سياساتها تجاه الحركات الإسلامية السياسية، وخصوصًا تلك المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، من خلال الحظر والتجريم والملاحقة الأمنية والقانونية، في تحول لافت يعكس إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والدين في المجال العام. وبينما تراوحت إجراءات الحظر بين قرارات قضائية وتشريعية كما في مصر والسعودية والإمارات، واتخذت طابعًا إداريًا وأمنيًا في تونس والأردن، تبرز تساؤلات جوهرية حول مستقبل هذه الحركات: هل ستندثر بفعل الحصار المتزايد، أم أنها ستلجأ إلى خيارات بديلة من التكيف السياسي أو التحول الدعوي أو التخفّي التنظيمي؟ هذه الأسئلة تصبح أكثر إلحاحًا في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، ومحاولات الأنظمة إعادة ضبط المجال السياسي والديني على أسس جديدة.
يواجه الكيان الإسرائيلي أزمة متعددة الأوجه تهدد استقراره السياسي، الاجتماعي، والاقتصادي. تحولت إسرائيل من قوة عسكرية واجتماعية متماسكة إلى مجتمع متصدع يشهد انقسامات حادة، بينما يتزايد العزلة الدولية والأزمة الاقتصادية. تشير تحليلات أبرز المفكرين والمؤرخين الإسرائيليين إلى أن ما يحدث اليوم هو بداية انهيار تاريخي محتمل، تتزامن فيه عوامل داخلية وخارجية تجعل من طوفان الأقصى لحظة فاصلة في كتابة نهاية هذا الكيان، وسط صراع معقد بين قوى دولية وإقليمية، وجيل فلسطيني متجدد يرفض الاستسلام.
يطرح موضوع العلاقة بين الإسلاميين وحرية النقد سؤالًا جوهريًا حول مدى رسوخ الممارسة النقدية داخل التنظيمات الإسلامية، ومتى يصير النقد جزءًا أصيلًا من آليات العمل الحركي لا استثناءً مؤقتًا أو لحظة دفاعية، فعلى الرغم من أن بدايات بعض هذه الحركات ارتبطت بمراجعات فكرية عميقة، إلا أن الممارسة العملية أظهرت مقاومة شديدة للنقد الداخلي، وميلاً لتأجيله تحت ذرائع شتى، تبدأ من التحذير من خدمة الخصوم وتنتهي باتهام الناقد بالخروج عن الصف أو الطعن في التضحيات، مما يستدعي فحصًا دقيقًا لبنية الفكر الحركي الإسلامي، وجيناته التنظيمية، وحدود قدرته على إنتاج نقد ذاتي دائم يواكب تحولات الواقع.
في كتابه "العقل المحاصر: أنماط التفكير المعيقة لنهضة المجتمع العربي"، يقدم مروان دويري قراءة جريئة ومتعمقة في البنية الفكرية والثقافية السائدة في المجتمعات العربية، محاولاً تفكيك الأنماط الذهنية المتجذرة التي تُكبل إرادة التغيير وتعيق التقدم. يستعرض دويري، من خلال عدسة التحليل النفسي والنظرية المنظومية، كيف تُعيد العقلية العربية إنتاج الانهزام والتبعية، عبر نماذج تفكير تقليدية، مغلقة، تبريرية، وقدرية، تحوّل الإنسان العربي إلى ضحية ساكنة في وجه الظلم والتخلف. هذا الكتاب ليس فقط تشخيصًا نقديًا، بل دعوة حافزة لتحريك المياه الراكدة، وفتح بوابة التفكير الحر في سبيل استنهاض مجتمع ما زال عالقًا بين أمجاد ماضية وأزمات حاضرة.
لا يمكن التعامل مع "صفعة بريجيت لماكرون" بوصفها مجرد مشادة زوجية أو لقطة مثيرة للفضول، بل هي حدثٌ بصري مشحون بطاقة رمزية هائلة. فقد فجّرت هذه الصفعة تفاعلات دولية، وأعادت ترتيب رمزية الجسد الرئاسي، وكشفت حدود الصورة المصطنعة للرئيس "المثالي" الذي طالما سوقته فرنسا لنفسها. صفعة لم تقتصر على وجه ماكرون بل لامست وجه فرنسا، في زمن تهتز فيه أعمدة إرثها الاستعماري ونفوذها الدولي.
عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة حوارية رفيعة المستوى تحت عنوان "هل يكفي تهديد الاحتلال بالعقوبات؟" لبحث التواطؤ الأوروبي في استمرار المجازر بحق المدنيين في قطاع غزة، في ظل التهديدات الأوروبية المتأخرة بفرض عقوبات على إسرائيل. ناقشت الندوة، التي جمعت سياسيين وخبراء من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، الدور الملتبس الذي تلعبه أوروبا بين الخطاب الأخلاقي والدعم العملي للاحتلال، وسلطت الضوء على ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع الجرائم الإسرائيلية، مطالبة بإجراءات حازمة تشمل تعليق الاتفاقيات، ووقف صادرات الأسلحة، ودعم المحاكم الدولية، في لحظة تُختبر فيها مصداقية القانون الدولي أمام أعين العالم.
تشهد سياسات الاحتلال في قطاع غزة تصعيداً غير مسبوق يستهدف تهجير السكان الفلسطينيين قسراً من خلال أدوات مركّبة تشمل العدوان العسكري والحصار والتجويع، وفي مواجهة هذا المخطط الخطير، أصدر مركز الزيتونة للدراسات ورقة علمية جديدة تدعو إلى تبنّي خطة استجابة اقتصادية فلسطينية شاملة تُعزز صمود السكان وتواجه محاولات تفريغ القطاع ديمغرافياً، عبر رؤية استراتيجية تنموية تسعى للتحرر من التبعية وبناء اقتصاد مقاوم ومستدام.