ملفات وتقارير

تحليل: الجزائر قلقة من تزايد النفوذ الروسي في أفريقيا وبدأت بالتحرك

تعمل الجزائر على توثيق علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية  - جيتي
تعمل الجزائر على توثيق علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية - جيتي
بدأت الجزائر في مراجعة تحالفها التقليدي مع روسيا، رغم التاريخ الطويل من التعاون العسكري بين البلدين، مدفوعة بقلق متزايد من النفوذ الروسي المتنامي في ليبيا والساحل ودعم موسكو للجنرال خليفة حفتر.

ودفع ذلك الجزائر إلى توثيق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة واستكشاف مصادر تسليح بديلة، في تحول قد يعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في شمال أفريقيا ويُنظر إليه كجزء من محاولة جزائرية لإعادة تموضعها الإقليمي والدولي.

وبحسب تحليل للمختص في قضايا الأمن والطاقة والتوجهات السياسية في شمال أفريقيا وغربي المتوسط. فرانسيس غيل على موقع "أراب دايجست"، كثّفت الجزائر جهودها لتعزيز حضورها في منطقة الساحل، عبر مشاريع بنية تحتية استراتيجية مثل مدّ كابلات الألياف البصرية بطول 2600 كلم لتحسين الاتصال مع النيجر وموريتانيا، وبناء شبكة سكك حديدية تمتد حتى مناجم الحديد في غارا جبيلات.

كما أنشأت الجزائر طريقا سريعا يربطها بموريتانيا، إلى جانب تطوير مشروع خط أنابيب غاز من النيجر، ما يعكس طموح الجزائر لتأمين عمقها الاستراتيجي ومنافسة النفوذ المغربي والروسي في المنطقة.

وتاليا التحليل كاملا:

رمال متحركة: الجزائر تغير نظرتها إزاء النفوذ الروسي في شمال أفريقيا

ظلت العلاقات الجزائرية الروسية جيدة منذ أن حصلت الجزائر على الاستقلال من فرنسا في عام 1962. بحلول عام 2010، كانت الجزائر ثاني أكبر مستورد للأسلحة الروسية بعد الهند. أما اليوم، فإن القادة العسكريين الجزائريين لا يسرهم تزايد التواجد العسكري الروسي في شرق ليبيا والدعم الذي يقدمه الروس لجنرال الحرب خليفة حفتر هناك. كما أن الجزائر قلقة بشأن ما ترى أنه سلوك معادٍ من قبل الإمارات العربية المتحدة في أرجاء شمال غربي أفريقيا.

تستخدم روسيا قواعدها العسكرية الخمس في الجزائر للتدخل في منطقة الساحل، وبشكل ملحوظ في مالي، الأمر الذي ينجم عنه قلقلة الأوضاع في المناطق الحدودية جنوب وشرق الجزائر. وبذلك تكون روسيا قد حلت محل التواجد العسكري الفرنسي السابق في المنطقة، فيما يعد شكلاً من أشكال الاستعمار الجديد، الأكثر افتراساً والأشد خطورة. ولكن بينما يبدو كما لو أن روسيا تمارس لعبة مفسدة لا أكثر، فإن سلوك الإمارات يبدو أكثر استراتيجية، وأكثر ارتباطاً بما هو عليه من وضع بالمصالح الإسرائيلية في المغرب.

قامت مالي مؤخراً بسحب سفيرها من الجزائر بعد أن أقدمت الجزائر على إسقاط إحدى مسيراتها مستخدمة في ذلك أحد أقمارها الصناعية المطورة محلياً، والذي يمكنها من رصد الحدود عن كثب. رداً على ذلك، أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات المالية. وفي الصيف الماضي، حذرت الجزائر الطغمة العسكرية الحاكمة في مالي وقيادة القوة الروسية الأفريقية المشكلة حديثاً (مجموعة فاغنر سابقاً) بأن عليها أن تتجنب الاقتراب من حدود مالي مع الجزائر أثناء تعقبها لمجموعة من المتمردين كانت قد شنت هجمات إرهابية داخل العاصمة المالية باماكو. كما حذر القادة العسكريون في الجزائر خليفة حفتر من أن القوات الجزائرية سوف تحول بينه وبين تنفيذ تهديداته بالاستيلاء على حقل النفط الليبي الوحيد الذي بقي خارج سيطرته، وهو حقل غدامس، القريب من حدود ليبيا مع الجزائر. فما كان من حفتر إلا أن تراجع. وليس وارداً أن تنسى الجزائر الهجوم الفتاك الذي شُن في عام 2013 على حقل غازها الشرقي، تيغنتورين، على أيدي إرهابيين إسلاميين عبروا الحدود من ليبيا المجاورة.

من المثير للاهتمام أن نلاحظ في هذا السياق إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في فبراير من أنه سوف يعترف بإسرائيل فيما لو، وحينما، تم إقامة دولة فلسطينية. من المعلوم أن عدوه اللدود في شمال أفريقيا، المغرب، اعترف بإسرائيل مقابل اعتراف دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية (وذلك في الأيام الأخيرة من دورة رئاسته الأولى)، والتي تصنفها الأمم المتحدة باعتبارها منطقة بدون حكم ذاتي منذ عام 1963.

اظهار أخبار متعلقة



كان تبون يرغب في الاستفادة من "مذكرة التفاهم في مجال التعاون العسكري" التي وقعت في واشنطن يوم 22 يناير (كانون الثاني) 2025 من قبل الجنرال مايكل لانغلي، آمر القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، والجنرال سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني في الجزائر، والتي صممت من أجل تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات البحث البحري ومكافحة الإرهاب. وكانت الجزائر قد أبدت اهتماماً بشراء نظام رادار دفاع من الولايات المتحدة. ومع أن الرئيس دونالد ترامب حريص على بيع الأسلحة الأمريكية إلا أن خطوة من هذا القبيل قد تؤثر على التوازن الاستراتيجي في شمال أفريقيا، بما يعود سلباً على حليف أمريكا القديم في المنطقة، المغرب.

فيما يتعلق بدول الساحل، تعلم الجزائر أنه يتوجب عليها تعديل استراتيجيتها، وذلك لأن المغرب تقدم عليها في السنوات الأخيرة وأقام علاقات اقتصادية ودينية جديدة مع جميع بلدان الساحل الخمسة. كما أن روسيا تنشط حالياً في كل من مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى. ولذا أقامت الجزائر ما طوله 2600 كيلومتر من كابلات الفايبر أوبتيك من أجل تحسين علاقاتها بالنيجر وموريتاينا وبلدان الساحل الأخرى، كما أتمت مد ما يقرب من 960 كيلومتراً من خطوط السكة الحديدية ما بين الجزائر وتندوف، مما سوف يسمح بتنمية مناجم الحديد الخام القريبة من المنطقة في غارا جبيلات. وبدأ العمل في إنشاء طريق سريع يربط تندوف ببلدة زوريت الموريتانية. كما سوف يسمح خط أنابيب الغاز قريباً بتدفق الغاز من النيجر إلى الجزائر. تتوفر لدى الجزائر كميات ثرية من مختلف أنواع المعادن، ولقد أشارت إلى ترامب بأنها ترحب بالاستثمار الأمريكي الذي كان يتركز تقليدياً في قطاعي النفط والغاز. لعل من المهم التذكير في هذا السياق بأن الولايات المتحدة كانت تشرك معها الحكومة الجزائرية في المعلومات التي كانت تردها من الرقابة عبر الأقمار الصناعية على حقول النفط والغاز الجزائرية أثناء الحرب الأهلية في البلاد خلال التسعينيات في الوقت الذي كانت أوروبا تفرض حظراً مشدداً على بيع الأسلحة إلى الجيش الشعبي الوطني في الجزائر.

ينبغي النظر إلى تصريحات تبون ضمن السياق الدبلوماسي الأوسع، والذي ترجو فيه الجزائر استغلال حقيقة أن ترامب يعلم علم اليقين بأن البلدين اللذين تعول واشنطن على اعترافهما بإسرائيل، إلى جانب المملكة العربية السعودية، هما الجزائر وسوريا، حيث يعتبر اعتراف هذه الدول في نهاية المطاف هو الجائزة الأكبر التي يمكن أن تحصل عليها واشنطن.

اظهار أخبار متعلقة



مثلها مثل الهند، التي ظلت لعقود تفضل السلاح السوفياتي والروسي، خلصت الجزائر إلى مجموعة من الاستنتاجات في ضوء الإخفاقات العسكرية الأولية التي منيت بها روسيا في أوكرانيا في عام 2022. وها هي الآن تسعى لشراء أسلحة أمريكية معقدة لأسباب عسكرية وجيوسياسية. ومثلها مثل الهند كذلك، تعلم الجزائر أن الولايات المتحدة متقدمة تكنولوجياً على روسيا على الرغم من النجاحات الروسية في مجال الصواريخ فوق الصوتية. وهل هناك سبيل أفضل لإعادة ضبط علاقتها مع روسيا من شراء الأسلحة الأمريكية ومنح الشركات الأمريكية بعض عقود التعدين المجزية؟

لا ريب في أن السياق التاريخي مهم. فبعد عام 1962 تعاون جهاز الأمن العسكري، المخابرات الجزائرية، بشكل وثيق مع المخابرات الروسية (كي جي بي)، إلا أن هذه الروابط لم ترق إلى مستوى التحالف. فقد أخفق الاتحاد السوفياتي في إقناع الجزائر بالسماح له باستخدام القاعدة البحرية في مرس الكبير في الغرب الجزائري. منذ عام 1962، تعاون جهاز الأمن العسكري، وخليفته من بعده، مع نظرائهم حول العالم. كان كبار ضباط الجيش يتلقون تدريباتهم تقليدياً في الأكاديميات العسكرية الروسية. ولكن ما لبثت مشتريات السلاح الكبيرة من الغرب منذ سنة 2000 – الدبابات من ألمانيا، وسفن المراقبة والطائرات العمودية من إيطاليا، والرادارات والطائرات المسيرة وغير ذلك من المعدات من الولايات المتحدة والصين وتركيا – أن أخرجت جيلاً من الضباط الذين يفضلون تلقي التدريب في الأماكن الأخرى.

مع ارتفاع أسعار النفط بعد عام 1999، استغل القادة العسكريون في الجزائر الفرصة لإبرام صفقات ضخمة لشراء الأسلحة. كانت روسيا أكبر المستفيدين، وذلك بعد عقود من العلاقات الطيبة بين الطرفين. رفضت الجزائر التنديد بغزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، وفيما بعد رفضت التنديد بالقمع الروسي في الشيشان. كما عارضت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، ولطالما انتقدت الدعم الأمريكي والأوروبي الكبير لإسرائيل. تدعم الجزائر القضية الفلسطينية، ولم تأل جهداً في استخدام عضويتها في الأمم المتحدة لمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، ولكن دونما نجاح يذكر.

منذ عام 1962، والبقرة المقدسة في الدبلوماسية الجزائرية هي الرفض المطلق للتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة. إلا أنه وقع الإخلال بالالتزام بهذه العقيدة عندما أرسل الرئيس بومدين قوات وطائرات للدفاع عن نظام ناصر في 1967 ثم في 1973. ثم تدخلوا في تونس لمواجهة الجماعات الإسلامية بعد عام 2011 بموافقة تامة من الحكومات التونسية المتعاقبة.

كانت العقيدة الاستراتيجية الجزائرية تقليدياً ترى في بلدان الناتو العدو الرئيس. إلا أن الجيل الجديد من الضباط الجزائريين يشعر بالانزعاج الشديد من استخدام روسيا لليبيا وسيلة لتعزيز تواجدها في أفريقيا بما يفضي إلى إثارة القلاقل على حدود الجزائر. ولا يسرهم كذلك الدعم الاستراتيجي القوي الذي تقدمه الإمارات العربية المتحدة للجنرال حفتر وتزعجهم علاقاتها الوثيقة مع المغرب.

قد يكون آن الأوان للجزائر أن تقلص من اعتمادها على روسيا، والتي تشتري منها 73 بالمائة من أسلحتها. لا ريب في أن مثل هذا التغيير من شأنه أن يساعد أوروبا على تحديث استراتيجيتها تجاه الجزائر وشمال أفريقيا، تلك المنطقة التي تشترك معها في الكثير من العلاقات التجارية، والاستثمار، والأمن، ناهيك عن ملايين المواطنين الأوروبيين الذين ينحدرون من أصول مغاربية. كما قد يشجع ذلك الاتحاد الأوروبي على بذل بعض الجهود السياسية للتقريب بين المغرب والجزائر، وإصلاح ذات بينهما، وهو الأمر الذي لم يقدم عليه حتى الآن.
التعليقات (0)

خبر عاجل