"ويزعل أخويا عبد المنعم (إمام) يقوللي إيه طيب والناس اللي موجودة
(في
السجون) هه، إيهي، لا ده إنقاذ وطن، ده إيه إنقاذ وطني، اللي هيحاسبني عليه مش
إنت، مش إنت اللي هايحاسبني عليه، ربنا مش إنت" (الجنرال
السيسي في رده على
طلب النائب عبد المنعم إمام العفو عن
المعتقلين السياسيين بمناسبة مرور عشر سنوات على
انقلاب الثالث من تموز/ يوليو2013).
هذه العبارة لا تزال ترن في أذني كلما تداعى الناس من عرب ومن عجم، من
مصر ومن
خارجها، لإخراج المعتقلين السياسيين الذين ينكَّل بهم في السجون؛ لا لشيء إلا أن وجودهم
في السجون يمثل من وجهة نظر الجنرال السيسي "إنقاذا وطنيا". وهذه هي المسألة
الأخطر في التعاطي مع ملف المعتقلين والمختفين والمحكومين ظلما وزورا، فالجنرال لديه
عقيدة راسخة بأنه يؤدي مهمة مقدسة وعملا وطنيا، وليس خرقا للقانون ولا مخالفة للدستور
الذي ينص على منع استمرار الحبس بدون محاكمة أو أن حرية الناس مصونة ومضمونة، وأن جرائم
انتهاك حقوق الإنسان لا تسقط بالتقادم.
يرى الجنرال نفس وجهة نظر دولة الكيان تجاه الأسرى الفلسطينيين، وهي أنهم خطر
داهم يوشك أن يعم البلاد إن أطلق سراحهم، ويعتقد الجنرال أن معتقلي الإخوان والتيار
الإسلامي عموما لن يسكتوا إن خرجوا من السجون مع أن هذا حقهم، لأنه يؤمن بأن لديهم
ثأرا معه، وبالتالي فهو يخشى إطلاق سراحهم ولو كان يدرك ويعلم علم اليقين أنهم بريئون
من كل التهم، لكن تبقى هواجسه ومخاوفه التي سوف يموت بسببها موجودة.
يرى الجنرال نفس وجهة نظر دولة الكيان تجاه الأسرى الفلسطينيين، وهي أنهم خطر داهم يوشك أن يعم البلاد إن أطلق سراحهم، ويعتقد الجنرال أن معتقلي الإخوان والتيار الإسلامي عموما لن يسكتوا إن خرجوا من السجون مع أن هذا حقهم، لأنه يؤمن بأن لديهم ثأرا معه، وبالتالي فهو يخشى إطلاق سراحهم ولو كان يدرك ويعلم علم اليقين أنهم بريئون من كل التهم
يؤمن الجنرال وفريق من مستشاريه خصوصا في دولة الكيان ودولة الإمارات؛ أن إطلاق
سراح المعتقلين سيمثل نذير شؤم على حكمه، رغم أن طائفة من المعتقلين هم من كبار السن
والمرضى، وهو يعلم أن المئات قد لقوا حتفهم في السجون، ومرضى بلا علاج ولا دواء، وذنب
هؤلاء في رقبته وحده كما قرر هو وأعلن في تصريحه المكتوب في مقدمة المقال.
ولا يقتصر الأمر على أن الجنرال يرى أن السجون هي المكان الطبيعي لمعارضيه من
رافضي الانقلاب، بل يرى أن السجن هو مجرد محطة قبل الانتقال إلى الدار الآخرة. فوفقا
لتقرير نشره مؤسسة مرسي للديمقراطية، فإن السجون المصرية تحولت إلى مقبرة للمعتقلين
والمسجونين، وجاء في التقرير أن حالات الوفاة بالإهمال الطبي
المتعمد داخل السجون منذ عام 2013 حتى عام 2024 بلغت حوالي 915 حالة وفاة موزعة كالتالي:
- عام 2013 عدد 73 شخصا.
- عام 2014 عدد 166 شخصا.
- عام 2015 عدد 185 شخصا.
- عام 2016 عدد 121 شخصا.
- عام 2017 عدد 80 شخصا.
- عام 2018 عدد 36 شخصا.
- عام 2019 عدد 40 شخصا.
- عام 2020 عدد 74 شخصا.
- عام 2021 عدد 50 شخصا.
- عام 2022 عدد 40 شخصا.
- عام 2024 عدد 50 شخصا.
قرابة ألف نفس بشرية بريئة قتلت داخل السجون بسبب الإهمال الطبي المتعمد، هذا
الرقم ليس بسيطا فقد لا تفقد الجيوش في المعارك مثل هذا الرقم أحيانا، هذا ناهيك عن
ما يفوق العشرين حالة وفاة في النصف الأول من عام 2025.
النظام الراهن يعلم أن هناك انتهاكات وأن أعداد الوفيات تزداد يوما بعد يوم داخل السجون والمعتقلات وفي مراكز الشرطة، وهو يوفر للشرطة الغطاء السياسي والحماية القانونية بتصريحه "إنقاذ وطن"، وبالتالي فالمسئولية كلها تقع على عاتقه، وأظنه يتباهى بالأمر ويفاخر به غير مبال بآلام المعتقلين وذويهم
هذه الجرأة على النفس البشرية والعدوان بكل وقاحة عليها وعدم الخوف من عقاب
الله سبحانه وتعالى؛ يذكرنا بفرعون مصر القديم الذي لم يكن يخشى الله في ما يفعله،
بل وصل به الحال إلى إرسال هامان ليبحث عن الله الذي يعتبره إلها مزعوما: "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحا
لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ
مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ
وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ". فإذا كانت هذه نظرته لله سبحانه وتعالى، فكيف يقيم اعتبارا
للقانون والدستور الذي تنص المادة 55 فيه على "كل من يقبض عليه أو يحبس أو
تقيد حريته بأي قيد تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه
ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا"؟
في رأيي أن نظام الجنرالات لن يتسامح مع أي صورة من صور المعارضة فما بالك بالمعارضة
الإسلامية، وأن هذا النظام ليس لديه وازع من دين ولا إنسانية ولا قيم حضارية، ومن أين
تأتيه الحضارة والتحضر وهو يتجرأ على الله ويتألّى عليه في خطاباته ويسخر من الذين
يدعون الله ولا يستجاب لهم بأنهم يظلمون الدعاء، أي أنه لن يُقبل دعاؤهم أبدا.
النظام الراهن يعلم أن هناك انتهاكات وأن أعداد الوفيات تزداد يوما بعد يوم
داخل السجون والمعتقلات وفي مراكز الشرطة، وهو يوفر للشرطة الغطاء السياسي والحماية
القانونية بتصريحه "إنقاذ وطن"، وبالتالي فالمسئولية كلها تقع على عاتقه،
وأظنه يتباهى بالأمر ويفاخر به غير مبال بآلام المعتقلين وذويهم. وللأسف فإن الإعلام
الفاسد والخلافات السياسية والعداء للإسلاميين جعل قضية المعتقلين وكأنهم أسرى لدى
النظام؛ لا يجب الإفراج عنهم أبدا إلا مقابل صفقة تبادلية يعلم الجنرال قبل غيره أنها
لن تحدث وهو على قيد الحياة.
ومع كامل التقدير للرسالة التي أرسلها الدكتور صلاح عبد الحق، القائم بأعمال
المرشد العام للإخوان المسلمين، إلى شيخ الأزهر، والتي يطالبه فيها بالتدخل من أجل
الإفراج عن المحبوسين ظلما وعدوانا، إلا أنني لا أعتقد أن نظاما يهاجم الإسلام ويحاصر
شيخ الأزهر سوف يسمع لصوته أو يستجيب لمطلبه، وإن كنت أرى الرسالة مهمة ومطلوبة من
باب إقامة الحجة على الجميع وإبراء ذمة الجماعة أمام الله، بعد أن بذلت كل ما في وسعها
ولم تلق آذانا صاغية في موضوع مثل المعتقلين الذين يعانون عن قصد ويعذبون عن عمد وتُنتهك
كرامتهم، رغم مخالفة ذلك للقانون والدستور الذي ينص في مادته 56 على أن "السجن
دار إصلاح وتهذيب. تخضع السجون للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان
أو يعرض صحته للخطر".
يا رب قد سُدت الأبواب إلا بابك، فاللهم عجّل بنصر منك وفتح قريب وفرج يشفي
صدور قوم مؤمنين.