علوم وتكنولوجيا

رصد أضخم اندماج بين ثقبين أسودين في تاريخ العلم

الحدث وقع على بعد قد يصل إلى 12 مليار سنة ضوئية من الأرض - ناسا
الحدث وقع على بعد قد يصل إلى 12 مليار سنة ضوئية من الأرض - ناسا
رصد علماء الفلك أعنف وأضخم اندماج لثقبين أسودين تم تسجيله حتى الآن، في حدث كوني غير مسبوق أطلق عليه اسم GW231123، تم التقاطه عبر تموجات ضعيفة للغاية في نسيج الزمكان، رصدها مرصد الأمواج الثقالية الأمريكي LIGO بالتعاون مع نظرائه في أوروبا واليابان.

ونتج الحدث، الذي وقع على بعد قد يصل إلى 12 مليار سنة ضوئية من الأرض، عن تصادم بين ثقبين أسودين، تصل كتلة كل منهما إلى ما بين 100 و140 ضعف كتلة الشمس، وهو ما يجعلهما ضمن نطاق "فجوة الكتلة" التي طالما حيّرت العلماء، إذ لا يُفترض أن تنشأ فيها ثقوب سوداء عبر الآليات التقليدية المعروفة، مثل انهيار النجوم المحتضرة. ومع ذلك، فهذا ما حدث، ما يثير تساؤلات عميقة حول نماذج الفيزياء الفلكية المتداولة.

وتعود جذور هذا الاكتشاف إلى نظرية النسبية العامة التي صاغها ألبرت أينشتاين عام 1915، والتي تنبأ فيها بوجود ما يُعرف بـ"الأمواج الثقالية"؛ وهي تموجات في الزمكان تنتج عن أحداث كونية عنيفة، مثل تصادم الثقوب السوداء. أينشتاين، رغم عبقريته، لم يكن يعتقد أن هذه الأمواج قد تُرصد يومًا بسبب ضعفها الشديد، لكن ما لم يتخيله أصبح اليوم واقعًا علميًا، بعد أن نجح مرصد LIGO عام 2016 في رصد أول موجة ثقالية، ومنذ ذلك الحين تم تسجيل نحو 300 اندماج مماثل، إلا أن حدث GW231123 يبقى الأضخم والأعقد بينها.

ما يجعل هذا التصادم مميزًا ليس فقط ضخامته، بل أيضًا الخصائص الغريبة للثقبين الأسودين اللذين اندمجا، فبحسب رئيس معهد استكشاف الجاذبية بجامعة كارديف الدكتور مارك هانام، فإن هذين الثقبين يدوران حول بعضهما بسرعة تقارب الحد الفيزيائي الأقصى الممكن، وهو أمر نادر للغاية، ويصعب تفسيره بآليات تكون الثقوب السوداء المعروفة.

اظهار أخبار متعلقة


ويرجح هانام وزملاؤه أن يكون كل من الثقبين قد نشأ في الأصل من اندماجات سابقة لثقوب أخرى، فيما يُعرف بظاهرة "الاندماجات المتعاقبة"، ما يُدخلنا في دورة كونية تتكاثر فيها الثقوب السوداء بطرق لم نكن نتخيلها سابقًا.

وتعزز هذه الفرضية فكرة وجود فئة وسطى من الثقوب السوداء، لا تنتمي إلى الثقوب الناتجة عن موت النجوم الضخمة، ولا إلى تلك العملاقة الموجودة في مراكز المجرات، بل نشأت بطريقة مختلفة تمامًا عبر تصادمات متكررة، خاصة في البيئات المكتظة مثل عناقيد النجوم الكثيفة.

الأمواج الثقالية، وفق علماء مثل تشارلي هوى وصوفي بيني، باتت اليوم أداة لا تقدر بثمن لفهم الكون الخفي. فالثقوب السوداء لا تصدر ضوءًا، ولا يمكن رؤيتها بتلسكوبات تقليدية، لكن هذه التموجات الكونية تتيح لنا "الاستماع" لما لا يُرى، وتفتح نافذة جديدة كليًا على ديناميكيات لا تزال غامضة في الفضاء.

اظهار أخبار متعلقة


GW231123 ليس مجرد رقم علمي، بل قد يكون بداية مرحلة جديدة في دراسة الثقوب السوداء، تفرض على العلماء مراجعة نظرياتهم، وربما تطوير نماذج أكثر تعقيدًا لفهم طبيعة هذه الأجسام فائقة الجاذبية. خاصة أن أجهزة الجيل القادم مثل Einstein Telescope في أوروبا وCosmic Explorer في الولايات المتحدة قد تجعل من رصد مثل هذه الأحداث أمرًا شائعًا، بدلًا من كونه اكتشافًا استثنائيًا.

وفي الوقت الذي لا تزال فيه العديد من الأسئلة دون إجابة—مثل كيفية تولّد هذه الكتل الهائلة، ولماذا تدور بهذه السرعة الفائقة—تبقى حقيقة واحدة مؤكدة: أينشتاين كان على حق، والعلم لا يزال يسير على خطى نبوءاته، مكتشفًا الكون تموجًا بعد آخر.
التعليقات (0)