ملفات وتقارير

كيف ينظر العراقيون إلى انسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا؟

الانسحاب يفتح الباب لتحويل العلاقة العراقية الأميركية من مسار أمني وعسكري إلى شراكة استراتيجية شاملة-جيتي
الانسحاب يفتح الباب لتحويل العلاقة العراقية الأميركية من مسار أمني وعسكري إلى شراكة استراتيجية شاملة-جيتي
توصلت بغداد وواشنطن، في نهاية أيلول/ سبتمبر 2024، إلى تحديد موعد رسمي لإنهاء مهمة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في البلاد، على أن لا يتجاوز نهاية أيلول/ سبتمبر 2025 ، وفق خطة يجري تنفيذها على مراحل.

وأجرى الطرفان جولات حوار امتدت لأشهر، على إثر تصاعد مطالب الفصائل المسلحة والقوى العراقية الحليفة لإيران بإنهاء وجود التحالف، خصوصا بعد الضربات الأميركية في حينها لمقار تلك الفصائل ردا على هجماتها ضد قواعد التحالف في البلاد وخارجها، على خلفية حرب غزة.

وأبلغت الإدارة الأمريكية الحكومة العراقية بقرب بدء سحب المئات من الجنود والعسكريين الأمريكيين من قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار غربي البلاد، لأسباب تتعلق بالاتفاق العراقي الأمريكي المتضمن انسحابا تدريجيا للقوات الأميركية العاملة تحت غطاء التحالف الدولي للحرب على تنظيم الدولة منذ العام 2014.

وفي تصريح خاص لـ"عربي21"، قال أستاذ العلاقات الدولية، علي أغوان إن الانسحاب المقرر نهاية أيلول/سبتمبر 2025 سيشمل خروج بعثة التحالف الدولي والقوات الأمريكية القتالية من عدة قواعد عسكرية في العراق، منها عين الأسد والقيارة وبلد والتاجي والحبانية وسبايكر ومعسكر النصر وسكايز وزرباطية والتون كوبري، مع بقاء قوات محدودة في بغداد لحماية السفارة الأمريكية واستمرار الوجود الأمريكي في قواعد إقليم كردستان مثل حرير وحلبجة وأربيل.

وأوضح أن هذا الإجراء جاء بعد ضغوط كبيرة مارستها جهات مسلحة داخل العراق على الحكومة لإنهاء دور البعثات الأجنبية.

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف أغوان أن هناك مخاوف من تكرار سيناريو 2011 وما تبعه من صعود داعش عام 2014، في حين يذهب البعض إلى أن الانسحاب قد يندرج ضمن خطة عقابية تتعلق بالنفوذ الإيراني. وأكد أن الملف يحمل بعداً سيادياً يمكن أن يفتح الباب لتحويل العلاقة العراقية الأميركية من مسار أمني وعسكري إلى شراكة استراتيجية شاملة، مشدداً على أن الاتفاق الرسمي الموقع العام الماضي نص على تحويل مهمة القوات من العنوان القتالي إلى الاستشاري واللوجستي.

ويشكل انسحاب قوات التحالف تحولا ملحوظا في الموقف العسكري لواشنطن بالمنطقة، فقد كشف مصدر أمني عراقي لوسائل إعلام، إن آخر جندي أمريكي سيغادر قاعدة "عين الأسد" بمحافظة الأنبار في 15 أيلول/ سبتمبر المقبل، لتُغلق بعدها مقرات التحالف الدولي هناك بشكل نهائي.

وأضاف، أن "القوات الأمريكية المتمركزة في غرب العراق ستتجه إلى الأراضي السورية، فيما تُنقل القوات الموجودة في العاصمة بغداد إلى قواعد بديلة في أربيل، مع الإبقاء على عدد محدود من العناصر في بغداد حسب الحاجة".

ويأتي هذا التطور تزامنا مع انطلاق أولى مراحل الانسحاب، حيث خرج رتل عسكري أمريكي بالفعل من قاعدة "عين الأسد" باتجاه سوريا الاثنين.

من جهتها، أكدت السفارة الأمريكية في بغداد أن التحالف الدولي يتهيأ للانتقال من المهام القتالية إلى شراكة أمنية ومدنية أكثر تقليدية مع العراق، في إطار خطة لإعادة رسم طبيعة العلاقة المستقبلية بين الجانبين.

وضمن إطار الجدول الزمني المحدد لانسحاب القوات الأجنبية، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، علي نعمة البنداوي، أن "اللجنة الأمنية العليا المشتركة بين العراق والولايات المتحدة والتحالف الدولي تعمل وفق توقيتات زمنية دقيقة لتنظيم انسحاب ما تبقى من تلك القوات".

اظهار أخبار متعلقة


خسائر أم مكتسبات؟
ومع تصاعد مخاوف بعض الجهات من أن يؤدي الانسحاب لخلل أمني، ذكر المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، أن انسحاب قوات التحالف من العراق يعد منجزا للحكومة العراقية.

وأضاف النعمان وفقا لوكالة الأنباء العراقية أن قرار الانسحاب الامريكي في العراق يعتبر مؤشرا على قدرة العراق على التصدي للإرهاب.
 
وأشار إلى أن "انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق هو واحد من إنجازات الحكومة ومؤشر على قدرة العراق على التصدي للإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار من دون الحاجة إلى مساعدة آخرين".

من جانبه أكد الخبير الأمني العراقي سرمد البياتي أن “العراق آمن، وأنا أصر على ذلك”، لكنه أبدى في الوقت نفسه قلقه من تسريع الانسحاب الأمريكي من قاعدة عين الأسد ومطار فكتوريا.

وأوضح البياتي في منشور على منصة إكس، أن هناك مؤشرات على “تغيير في بعض النقاط من الجانب الآخر في الاتفاق، وربما لا يبقى أي من القوات الأمريكية على الإطلاق”، مشيرا إلى أن “المعلومة ما تزال شحيحة بشأن تحركاتهم”.



 في المقابل اعتبر ناشطون معارضون للحكومة العراقية، أن الانسحاب سيولد فراغا يجلب كارثة على البلاد.

 وقال الناشط مصطفى الدليمي، إن العراق يمر بمرحلة تحد حقيقية، وسط صراع داخلي بين الأحزاب على السلطة والنفوذ والمكتسبات، في وقت ترفض فيه بعض الفصائل تسليم السلاح غير الخاضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة. 

 وأضاف الدليمي أن هذا يأتي بالتوازي مع إقرار قانون الحشد الشعبي، وتصاعد السخط الجماهيري بسبب سوء الخدمات والقمع المستمر للأصوات العراقية المعارضة لسلوك القائمين على النظام.



 من جانب آخر ذكر الباحث السوري فراس الفحام على منصة "إكس" أن الانسحاب يفسر الأنباء المتواترة عن ضغوطات أمريكية على قسد حتى تندمج ضمن الدولة السورية، حيث ترغب واشنطن في مايبدو بترتيب الأوضاع لانسحاب مدروس من العراق وسوريا لا يكون على غرار انسحاب إدارة بايدن من أفغانستان.




شراكة أمنية
من جهتها، أكدت السفارة الأمريكية في بغداد أن التحالف الدولي يتهيأ للانتقال من المهام القتالية إلى شراكة أمنية ومدنية أكثر تقليدية مع العراق، في إطار خطة لإعادة رسم طبيعة العلاقة المستقبلية بين الجانبين.

وضمن إطار الجدول الزمني المحدد لانسحاب القوات الأجنبية، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، علي نعمة البنداوي، أن "اللجنة الأمنية العليا المشتركة بين العراق والولايات المتحدة والتحالف الدولي تعمل وفق توقيتات زمنية دقيقة لتنظيم انسحاب ما تبقى من تلك القوات".

وأضاف أن "الحدود العراقية، وخصوصا مع الجانب السوري، مؤمنة بدرجة عالية"، مبينا أن "العراق يمتلك اليوم ما يقرب من مليوني منتسب في الأجهزة الأمنية، وهو ما يعزز القدرة على التصدي لأي تهديد محتمل، سواء داخلي أو خارجي".

اظهار أخبار متعلقة


جذور الأزمة 

في العاشر من شهر سبتمبر/ أيلول عام 2014، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما عن تشكيل تحالف دولي لمكافحة والقضاء على تنظيم الدولة وذلك من خلال عمليات عسكرية مشتركة تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم.

وتمثل القوات الأمريكية القوام الرئيسي لقوات التحالف الدولي، الذي بدأ عملياته العسكرية بضربات جوية استهدفت مقاتلي التنظيم في العراق وسوريا، واستمر القتال لأكثر من ثلاث سنوات.

وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2017، أعلنت الحكومة العراقية وقوات التحالف النصر على تنظيم الدولة.

وتنشر واشنطن حاليا نحو 2500 عسكري في العراق، ونحو 900 في سوريا في إطار مكافحة تنظيم الدولة.

ومع تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة وانعكاس ذلك العراق بدأت فصائل مسلحة بشن هجمات على قواعد أمريكية في البلاد.

وردت الولايات المتحدة بشن هجمات الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، ضربات استهدفت قادة عسكريين للفصائل ما دفع بغداد للمطالبة بإنهاء مهمة التحالف في البلاد.

ومن أبرز هذه الهجمات ما حدث في مطلع كانون الثاني/ يناير 2024، حين أسفر هجوم أمريكي عن مقتل "مشتاق طالب السعيدي" المُلقب بـ "أبو تقوى" القيادي بحركة النجباء إحدى الفصائل العراقية المنضوية ضمن فصائل الحشد الشعبي وأبو باقر الساعدي القيادي في كتائب حزب الله.

وبينما بررت واشنطن هذه العمليات باعتبارها ضمن حقها في الدفاع عن النفس، اعتبر العراق أن مثل هذه الضربات تُعد أعمالا عدائية من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية والمساس بسيادة وأمن واستقرار البلاد، وتتجاوز الأهداف المُتفق عليها لمهمة التحالف ضد داعش.

وردا على ذلك، أكدت بغداد أن تكرار القوات الأمريكية لضرباتها على البلاد يدفع الحكومة العراقية "أكثر من أي وقت مضى" إلى إنهاء مهمة التحالف الدولي.

وفي شباط/ فبراير 2024، دعا مجلس النواب العراقي إلى إنهاء مهام القوات الأجنبية في البلاد، وأحال للحكومة مقترح قانون بهذا الشأن.
التعليقات (0)

خبر عاجل