ملفات وتقارير

"اليابانيون أولا".. كيف ظهر اليمين المتطرف في اليابان وما علاقته بـ"الاحتلال"؟

زعيم الحزب عضو في جمعية الصداقة اليابانية – اليهودية - حسابه على إكس
زعيم الحزب عضو في جمعية الصداقة اليابانية – اليهودية - حسابه على إكس
شهدت العاصمة اليابانية طوكيو خلال الأيام الماضية موجة من المظاهرات قادها حزب يميني متطرف احتجاجًا على اتفاقيات ادعى المتظاهرون أنها اتفاقية تعاون أبرمتها الحكومة مع دول إفريقية ومصر، وسط مخاوف حول استقبال عمالة أجنبية ومصرية وتوسيع الهجرة إلى اليابان.

 وكانت اليابان قد أطلقت خلال مؤتمر تيكاد 9 مبادرة جديدة باسم "JICA Africa Hometown"، تهدف إلى ربط عدة مدن يابانية بأربع دول إفريقية لتعزيز التبادل الثقافي والتعاون المحلي عبر أنشطة مجتمعية وتطوعية، حيث تشارك المدن اليابانية وهي: كيسارازو مع نيجيريا، ناغاي مع تنزانيا، سانجو مع غانا، وإماباري مع موزمبيق.

وأدى التفسير الخاطئ للمبادرة على أنها خطوة نحو منح تأشيرات أو استقبال مهاجرين إلى إثارة جدل شعبي واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتهم بعض المستخدمين الحكومة بمحاولة فتح الباب أمام الأجانب، ولكن الحكومة ووكالة JICA أوضحتا أن المبادرة تقتصر على التبادل الثقافي والإنساني، وليس لها أي علاقة بالهجرة أو منح إقامة دائمة.

اتفاقية توظيف العمالة المصرية
في 19 آب / أغسطس 2025، وقعت حكومة طوكيو، ممثلة بالحاكمة يوريكو كويكي، مذكرة تفاهم مع اللجنة الاقتصادية المصرية اليابانية (JEBC)  بحضور رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وهدفت الاتفاقية إلى تدريب وتأهيل العمالة المصرية في مصر قبل انتقالها للعمل في اليابان ضمن برامج مرتبطة بمؤتمر تيكاد.

احتجاجات اليمين المتطرف
على الرغم من توضيحات الحكومة، اندلعت مظاهرات في 12 و13 أيلول / سبتمبر 2025 قادها السياسي اليميني المتطرف يوسُكي كاواي المعروف إعلاميًا بلقب "الجوكر"، احتجاجًا على الاتفاقية بزعم أنها تمهيد لفتح باب الهجرة وتوطين الأجانب في اليابان.



رد الحكومة اليابانية
ردت حكومة طوكيو سريعًا عبر حملة توضيح على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام هاشتاج #TOKYO_CORRECT، مؤكدة أن الاتفاقيات لا تمنح تأشيرات خاصة أو إقامة دائمة، وأنها تقتصر فقط على التدريب والتبادل المؤقت بين اليابان والدول الإفريقية ومصر.



حزب "سانسيتو" اليميني من مقعد واحد إلى منصة سياسية مؤثرة

أظهرت نتائج انتخابات مجلس الشيوخ الياباني في 20 تموز / يوليو الماضي بوادر تحول سياسي ملموس في البلاد، بعد المكاسب الملحوظة التي حققها حزب سانسيتو (参政党)، أحد الأحزاب اليمينية الناشئة، وشعاره "اليابان أولا" وهو ما أثار تساؤلات حول صعود الشعبوية والتركيز على القومية في اليابان، مقارنة بنماذج مثل ترامب في الولايات المتحدة.

حزب سانسيتو: الهوية والبرنامج السياسي
تأسس حزب سانسيتو (参政党) قبل نحو خمس سنوات تقريبًا، أي حوالي 2020، كمجموعة سياسية صغيرة تهدف إلى إعطاء صوت للمواطنين المستائين من السياسة التقليدية والنخبة الحاكمة.

اظهار أخبار متعلقة


وارتفع تمثيل الحزب في البرلمان بشكل كبير، حيث وصل إلى 14 مقعدًا في مجلس الشيوخ و3 مقاعد في مجلس النواب، بعدما كان يملك مقعدًا واحدًا فقط، ونجح حزب سانسيتو في توسيع قاعدة أعضائه من أقل من 3 آلاف إلى نحو 90 ألف عضو مسجل، حيث يعرف بخطابه المحافظ، الذي يركز على الهوية الوطنية، التعليم، الصحة، ورفض التوسع في استقبال المهاجرين أو اللاجئين، مبررا ذلك بالحاجة إلى الحفاظ على الثقافة اليابانية وتعزيز تماسك المجتمع.

قيادة سوهي كاميا وصعود الحزب
يتزعم الحزب سوهي كاميا، البالغ من العمر 47 عامًا، والذي بدأ مسيرته السياسية كعضو مجلس مدينة سويتا بمحافظة أوساكا، وانتقل لاحقًا من الحزب الليبرالي الديمقراطي بعد فشل انتخابي، ويصفه البعض بأنه نسخة مصغرة من دونالد ترامب، خاصة بعد اعتماد شعاره الانتخابي "اليابانيون أولاً"، مع التركيز على القومية ومواجهة ما يسميه "الغزو الصامت" للمهاجرين.

كاميا يؤكد أن حزبه لا يسعى لمعاداة الأجانب، بل يهدف إلى فرض قيود صارمة على الهجرة للحفاظ على الهوية الوطنية، مع انتقاداته المتكررة لما يسميه "النخبة العالمية" و"الدولة العميقة".

وبحسب تقرير سابق في صحيفة الغارديان يستقطب الحزب مجموعة متنوعة من الناخبين، من المحافظين الساخطين إلى مؤيدي نظريات المؤامرة، مستفيدًا من شعبيته على الإنترنت، حيث تجاوز عدد مشتركي قناته على يوتيوب نصف مليون مشترك.

تعتمد سياسات الحزب على محاور عدة:
الهجرة: الدعوة إلى قيود صارمة على دخول المهاجرين والعمالة الأجنبية، مع التركيز على أولوية اليابانيين في سوق العمل.

القيم الاجتماعية: تشجيع النساء الصغيرات على التركيز على الإنجاب بدلاً من العمل، مع تأكيد احترام "القيم التقليدية" في المدارس.

الأمن والدفاع: دعم امتلاك اليابان للأسلحة النووية، وزيارات نواب الحزب لضريح ياسوكوني في ذكرى الحرب العالمية الثانية.

التأثير على المشهد السياسي

أسفر صعود حزب سانسيتو عن تراجع سلطة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، مع استقالة رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا، مما أتاح المجال لأحزاب صغيرة وصعود اليمين الشعبي.

ويستغل الحزب الواقع الديموغرافي، حيث بلغت نسبة السكان المولودين في الخارج نحو 3 بالمئة فقط، بينما يواجه اليابان تحديات في سد الفجوات بسوق العمل نتيجة انخفاض معدل المواليد إلى مستويات قياسية.



اليمين المتطرف وتأثيره في الشارع
لا يقتصر النشاط على الحزب فقط، بل يشمل أيضًا حركات الشوارع، الاحتجاجات ضد الهجرة، وظهور شخصيات سياسية مثيرة للجدل مثل "الجوكر" يوسُكي كاواي.

ويربط البعض بين صعود هذه الأحزاب والحركات وبين نماذج يمينية شعبوية دولية مثل ترامب في الولايات المتحدة و"حزب البديل من أجل ألمانيا" في أوروبا، مع اعتماد خطاب قومي، ومعارضة الهجرة، واستغلال المنصات الرقمية لبناء قاعدة شعبية.

ويعتمد حزب سانسيتو على استراتيجية متكاملة تجمع بين الخطاب العاطفي، القومية، واستغلال القلق الاجتماعي لكسب الدعم الشعبي:

استغلال مخاوف العمال اليابانيين
يربط الحزب بين الهجرة وسوق العمل المحلي، حيث يدعي أن الأجانب "يأخذون فرص العمل والرواتب" من المواطنين اليابانيين، ويصف الدعم الحكومي المقدم للأجانب بأنه امتياز غير عادل، ما يثير شعور الظلم لدى السكان المحليين.

هذه الرسائل تبث عبر الفيديوهات والوسائط الرقمية، مستهدفة الأسر والشباب العاملين، مما يعزز التضامن مع الحزب على أساس حماية الحقوق الاقتصادية.

اظهار أخبار متعلقة


التركيز على الفروقات الثقافية
يسعى الحزب لإثارة غضب اليابانيين عبر تسليط الضوء على أخطاء الأجانب في المعاملات والتصرفات واختلاف الثقافات بين الشعوب، بما في ذلك مجموعات معينة مثل الأكراد والصينيين، ويُبرز في محتواه الإعلامي تلك التصرفات واختلاف العادات والثقافة التي تؤدي إلى نزاعات أو سوء تفاهم.

هذه الاستراتيجية تستثمر الطبيعة التحفظية والخجلية للشخصية اليابانية التقليدية، حيث يشعر المواطن الياباني بالتهديد الثقافي أو الاجتماعي من النشاط الأجنبي.



استغلال المشاكل الاقتصادية والاجتماعية
ركز الحزب على تداعيات جائحة كورونا والتضخم وسوء الأحوال المعيشية، مع ربط هذه التحديات بسياسات الحكومة وانفتاحها على العمالة الأجنبية.

وتعد الرسالة الأساسية هي أن المواطن الياباني يتضرر اقتصاديًا بينما يحصل الأجنبي على امتيازات، وهو ما يثير التعاطف والغضب في آن واحد، ويعزز الولاء لحزب سانسيتو.

الخطاب القومي والوطنية
يروج الحزب لفكرة الأولوية لليابانيين في كل مجالات الحياة، من العمل والتعليم إلى الثقافة والموارد العامة.

ويبرز الحزب الرموز الوطنية والقيم التقليدية، ما يخلق شعورًا بالانتماء لدى قاعدة واسعة من الناخبين، خصوصًا الشباب المحافظين.

زعيم الحزب وعلاقته بالاحتلال الإسرائيلي
يعد زعيم حزب " سانسيتو " سوهي كاميا شخصية جدلية تثير الجدل بين الحين والأخر حيث كان عضو في جمعية الصداقة اليابانية – اليهودية، وكان يشارك في فعاليات للتقريب بين البلدين.

رغم نشاطه السابق، بدأ إخفاء هذه المعلومات رسميًا، وقام بمسح الصور والفيديوهات التي تثبت مشاركته، في محاولة لتجنب الانتقادات أو الاتهامات بمعاداة القومية اليابانية.


Image1_9202522114114887927239.jpg

في مناسبة علنية صهيونية سابقة، صرح كاميا أنه كان لا يسعى لعضوية البرلمان، وأن هدفه كان تعزيز العلاقات وتحسينها بين اليابان وإسرائيل، لكن لاحقًا تبنى خطابًا أكثر قومية ليكسب قاعدة شعبية محلية.

هذا التناقض بين النشاط الدولي والخطاب المحلي يعكس استراتيجية الحزب في إخفاء أي روابط قد تُضر بالوطنية اليابانية في أعين ناخبيه.

البدايات التاريخية لليمين الياباني بعد الحرب العالمية الثانية
بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، واجهت اليابان إعادة بناء شاملة، وظهرت تيارات يمينية تقليدية تركز على الحفاظ على الهوية الوطنية والقيم الإمبراطورية.

وخلال العقود التالية، كانت الأحزاب الكبرى مثل الحزب الليبرالي الديمقراطي تحافظ على سياسات محافظة، لكن دون دعم صريح لليمين المتطرف، حيث بقيت هذه الحركات صغيرة ومجتزأة، غالبًا خارج البرلمان.

التحولات الاقتصادية والاجتماعية وأزمة الهجرة

منذ أواخر التسعينيات وأوائل الألفينات، بدأت اليابان تواجه شيخوخة سريعة للسكان ونقصًا في العمالة، مما دفع الحكومة لاستقدام عمالة أجنبية محدودة، وهو ما خلق جدلًا شعبيًا حول الهجرة.

استغل بعض السياسيين الناشئين هذا القلق الشعبي لتقديم خطاب يميني متشدد، مركز على الهوية الوطنية، وحماية الثقافة اليابانية من "الغزو الأجنبي"، وهو ما يمثل الأرضية التي انبثق منها حزب سانسيتو.

التعليقات (0)

خبر عاجل