ملفات وتقارير

النزعة الاستبدادية والأزمة الاقتصادية تطيحان بشعبية الرئيس الأمريكي ترامب

تراجع جديد في شعبية ترامب بشأن الاقتصاد وفق استطلاع لشبكة CNBC- فوكس نيوز
تراجع جديد في شعبية ترامب بشأن الاقتصاد وفق استطلاع لشبكة CNBC- فوكس نيوز
شهدت الولايات المتحدة واحدة من أكبر موجات الاحتجاج في تاريخها الحديث، فقد شارك نحو 7 ملايين شخص في أكثر من 2500 مدينة وبلدة بجميع الولايات الخمسين في مظاهرات حاشدة تحت شعار "لا للملوك"، رفضًا لما وصفوه بـ"نزعة الرئيس دونالد ترامب الاستبدادية"، بالتزامن مع دخول الإغلاق الحكومي أسبوعه الثالث، كما شهدت عدة عواصم عالمية مظاهرات تضامنية. 


ويقول منظمو الاحتجاج إن هدفهم هو التصدي لما وصفوه بـ"محاولات ترامب لتركيز السلطة في يده"، مؤكدين أن المشاركة الواسعة تعكس "رفضًا شعبيًا لأي توجه استبدادي داخل النظام الأمريكي".

وقال عزرا ليفين، أحد مؤسسي منظمة إنديفايسبل ومن المنظمين الرئيسيين للمسيرات، إنه "لا يوجد تهديد أعظم للنظام الاستبدادي من قوة الشعب الوطنية"، في إشارة إلى حجم التعبئة الشعبية ضد سياسات الرئيس الأمريكي.


"لا نريد ترامب أو أي ملك أن يحكمنا"
من جانبه قال كبير الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر : "لا تدعوا دونالد ترامب والجمهوريين يُرهبوكم ويُسكتوكم"، وشاركت في الدعوة للاحتجاج أيضا المرشحة الديموقراطية للانتخابات الرئاسية لعام 2024  كامالا هاريس ، ونجم هوليوود روبرت دي نيرو، وقال السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز أمام حشد ضخم في تجمع "لا للملوك" في واشنطن: "لا، أيها الرئيس ترامب، نحن لا نريدك أنت أو أي ملك آخر أن يحكمنا"، مضيفًا: "في أمريكا نحن الشعب، سنحكم".


في المقابل، قللت إدارة ترامب والجمهوريون في الكونغرس من أهمية الاحتجاجات، واصفين إياها بأنها "مسيرات كراهية أمريكا"، وألقوا باللوم على حركة "أنتيفا" اليسارية في تأجيجها، واستنكر مسؤولون في حزب ترامب التظاهرات، وذهبوا إلى حد مقارنة المتظاهرين بإرهابيين، وقال زعيم  الجمهوريين  في مجلس النواب مايك جونسون: "أراهن على أنكم سترون في المسيرات أنصارا لحماس وأنتيفا" الحركة السياسية التي صنفها الرئيس الأمريكي أخيرا على أنها "منظمة إرهابية".

ترامب يرد بفيديو "قذارة" ساخر على مظاهرات
وأثار ترامب جدلًا واسعًا بعد نشره مقطع فيديو تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي على منصته "تروث سوشيال"، يظهر فيه مرتديًا زيًّا ملكيًا وهو يقود طائرة حربية ويلقي القاذورات على المتظاهرين، ويعد هذا الفيديو الأحدث في سلسلة من المنشورات التي ينشرها الرئيس الأمريكي، وتظهره في صور وأدوار أسطورية أو ملكية، مثل "محارب شجاع" أو "بابا الفاتيكان"، في محاولة لتعزيز صورته كقائد استثنائي.


"الملوك يقمعون التظاهرات"
وقبيل انطلاق التظاهرات، وضع حكام جمهوريون في عدة ولايات أمريكية قوات الحرس الوطني في حالة تأهب، تحسباً للاحتجاجات المناهضة للرئيس ترامب وسياساته، ونقلت شبكة "سي أن أن " عن السيناتور عن ولاية كانساس روجر مارشال، قوله: "سنضطر إلى نشر الحرس الوطني. نأمل أن تكون سلمية. لكنني أشك في ذلك"، كما أعلن حاكم تكساس، غريغ أبوت، تفعيل الحرس الوطني  قائلا: "هناك حاجة للقوات بسبب المظاهرة المرتبطة بحركة أنتيفا"، كما أمر حاكم ولاية فرجينيا، غلين يونغكين، أيضاً بتفعيل الحرس الوطني في الولاية.

وندد الديمقراطيون بهذه الخطوة، ومن بينهم جين وو، كبير الديمقراطيين في الولاية، الذي قال إن "إرسال جنود مسلحين لقمع الاحتجاجات السلمية هو ما يفعله الملوك والديكتاتوريون. وأثبت غريغ أبوت للتو أنه واحد منهم".

حركة "نو كينغز" 
و"لا ملوك"، هو ائتلاف يضم أكثر من مئتَي مجموعة محلية ووطنية، تسعى للوقوف في وجه الحكم الأوتوقراطي لترمب، ويعترض الحراك على خرق إدارة ترمب حقوقًا ومسلمات في الحياة السياسية الأمريكية، مثل اعتقال واحتجاز مواطنين دون أوامر قضائية، والتلويح بتجاوز الانتخابات، وتدمير الرعاية الصحية، وعدم صون البيئة والتعليم، والانحياز إلى أصحاب رأس المال عبر تخفيضات ضريبية هائلة.

والمرة الأولى التي نزل فيها هذا الحراك إلى الشارع كانت يوم 14 حزيران/يونيو الماضي، إثر تنظيم ترمب عرضًا عسكريًا بمناسبة الذكرى الخمسين بعد المئتين لتأسيس الجيش الأمريكي، الذي تزامن مع عيد ميلاد ترمب التاسع والسبعين، وبالنسبة للمعترضين، فإنهم يقولون إن تنظيم عرض عسكري تقليد غير مألوف في الولايات المتحدة، ويشبه نمط حكم القادة الدكتاتوريين في الدول التي تحتفل بعيد ميلاد زعمائها أو رؤسائها، لذلك يفضلون أن تكون أميركا خالية من العروش والتيجان والملوك.


ومنذ تولي ترامب منصبه قبل 10 أشهر، كثفت إدارته من مداهمات سلطات الهجرة،  وتحركت لخفض القوى العاملة الاتحادية و قلصت التمويل لجامعات النخبة بسبب قضايا تشمل الاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين ضد الحرب في غزة والتنوع في الحرم الجامعي، كما أرسل ترامب  قوات الحرس الوطني  في بعض المدن الكبرى والتي قال إنها ضرورية لحماية مسؤولي سلطات الهجرة والمساعدة في مكافحة الجريمة.

المزاج الأمريكي تجاه ترامب
بعد نجاحه في التوسط لوقف إطلاق النار في غزة، يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه أمام مفارقة لافتة، فرغم تصاعد شعبيته على الساحة الخارجية لمساهمته في وضع اتفاق غزة، إلا أن هناك جمودا داخليا يعكس عمق التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه إدارته، ووفق استطلاع جديد لوكالة "أسوشيتد برس" ومركز NORC لأبحاث الشؤون العامة، لم ينعكس بعد على شعبيته في الداخل الأمريكي، حيث تتراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ويطغى الإغلاق الحكومي المستمر على المشهد السياسي.

انخفاض نسبة تأييد ترامب إلى أدنى مستوى
كما وأظهر استطلاع "CNBC All-America Economic Survey"، أن 55 بالمئة من الأمريكيين لا يوافقون على طريقة ترامب في إدارة الاقتصاد، مقابل 42 بالمئة فقط أبدوا رضاهم، ما يمنح ترامب تقييماً صافياً يبلغ -13 نقطة في الملف الاقتصادي، وهو أدنى مستوى تسجله استطلاعات الشبكة خلال أيٍّ من فترتيه الرئاسيتين.

ووفق الاستطلاع فأن معدل التأييد العام لترامب تراجع من 46 بالمئة إلى 44 بالمئة، في حين ارتفعت نسبة الرفض بنسبة نقطة مئوية واحدة لتصل إلى 52 بالمئة. وأشارت CNBC إلى أن هذه الأرقام تعكس "اتجاهاً في ولايته الثانية، حيث تسجّل نسبة الموافقة على أدائه الاقتصادي معدلات أدنى من نسبة التأييد العامة له".

كذلك، أظهر الاستطلاع أن غالبية الأمريكيين غير راضين عن تعامل ترامب مع القضايا الاقتصادية المتعددة. إذ لم يوافق سوى 34 بالمئة على تعامله مع التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، بينما 62 بالمئة أعربوا عن رفضهم. ووصفت CNBC هذه النتائج بأنها "الأسوأ لترامب" في هذا الملف منذ بدء ولايته الثانية، كما أظهر الاستطلاع أن 56 بالمئة من الأمريكيين يرفضون سياسات ترامب الجمركية، في حين يؤيدها 41 بالمئة فقط.

وعبّر المشاركون في الاستطلاع عن نظرة تشاؤمية تجاه الاقتصاد الحالي والمستقبلي، حيث قال 72 بالمئة إن الاقتصاد الحالي “متوسط أو سيئ”، بينما رأى 27 بالمئة فقط أنه جيد أو ممتاز، أما بشأن التوقعات المستقبلية، فقد اعتقد 46 بالمئة أن الاقتصاد سيتدهور خلال العام المقبل، مقابل 32 بالمئة فقط يعتقدون أنه سيتحسن.

خسائر الحزب الجمهوري
أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قلقه من احتمال تكبد حزبه الجمهوري خسائر في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، وهو اعتراف نادر بالهشاشة السياسية من رئيس اعتاد على إظهار الثقة المطلقة في نفسه وفي قاعدته الشعبية، ويأتي هذا القلق، بحسب مجلة نيوزويك، في وقت يشهد فيه الداخل الأمريكي إغلاقاً حكومياً شلّ عمل مؤسسات فيدرالية عدة، ما يزيد من الضغوط السياسية على إدارة ترامب ويضاعف المخاطر المحيطة بمستقبله السياسي.

ووفق تقرير أصدره معهد بروكينغز في آب/أغسطس الماضي، تكبّد حزب الرئيس خسائر في 20 من أصل 22 انتخابات تجديد نصفي منذ عام 1938، باستثناء حالتين: الأولى عام 1998 حين فشل الجمهوريون في إزاحة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون من منصبه عبر محاولات العزل، والثانية عام 2002 حين تمتّع الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن بمستويات شعبية قياسية عقب هجمات 11 أيلول/سبتمبر.

من هذا المنطلق، يدرك ترامب أن حزبه قد يكون مقبلاً على معركة صعبة في تشرين الثاني/نوفمبر 2026، خصوصاً في ظل تراجع معدلات تأييده الشعبي منذ مطلع ولايته الثانية، معترفا خلال مقابلة مع شبكة أو إيه إن، حيث قال: "الشيء الوحيد الذي يقلقني هو أنه إذا نظرتم إلى سنوات طويلة مضت – لا أملك الأرقام الدقيقة – لكن الرئيس الفائز بالرئاسة يبدو دائماً وكأنه يخسر في التجديد النصفي لولايته".

وأظهر مؤشر فوت هاب Vote Hub تراجع شعبية ترامب، حيث بلغ في 30 أيلول/سبتمبر 10 نقاط، ووصلت نسبة التأييد 43 بالمئة فقط مقابل رفض 53 بالمئة، وهذا التراجع يعكس تحدياً سياسياً حقيقياً، إذ يرى محللون أن استمرار الإغلاق الحكومي وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية قد يؤديان إلى تآكل إضافي في قاعدة الدعم للرئيس، رغم ولاء أنصاره المتشددين.

التعليقات (0)

خبر عاجل