في مشهد مشابه لاقتحام بيت معارض عربي في بلده، اقتحمت الشرطة البريطانية
بيت الطبيبة الفلسطينية واعتقلتها بقانون كان مخفيا في الدُرج؛ قد تكون الطبيبة
غفلت عنه وهي تتحرك مع شعبها بالميدعة البيضاء المقدسة لتصرخ ضد قتل أهلها، هناك
من حيث هاجرت طلبا لرزق بسيط وسلامة مؤقتة. تفصيل بسيط يزين المشهد، لقد قرأت
الشرطة على المعتقلة حقوقها، لكنه إجراء سيختفي قريبا فيتطابق الاعتقال هناك مع
أعمال الاقتحام والجر من الشعر هنا، مسألة وقت فالفضحية قادمة. الآن سيدرك المواطن
الغربي المرفّه في ديمقراطيته ألّا فرق بين نظام 
قمعي عربي وبين نظامه الأمني لابس
القفازات هناك، لقد كانت ديمقراطية مشروطة بالاستعمار وليست مشروطة بالحرية.
الشوارع تعود إلى هدوئها
كان السؤال عن مستقبل حراك الشوارع الغربية يؤرقنا؛ هل سيواصلون الزخم
النضالي الذي بلغوه مع قمة الإبادة الجماعية في 
غزة أم سيهدأون ويستدركون ما فاتهم
من متع؟ كان في انشغالنا بالأمر طلب ضمني بالنجدة؛ أن واصلوا لعلها تنفرج على
فلسطين فتنفرج على بقية العرب. لكنه طلب يخفي كسلا، فلنا أظافر يمكن أن تحك جلودنا
لكننا عجزنا عن استعمالها. لم نظن في هدوء التحليل أن قد بلغ وعي الشوارع الغربية
حد الانتباه إلى أدوار الأنظمة العربية العميلة للكيان في حمايته من شعوبها، فهذه
مشغلة معقدة على الفورة العاطفية أمام مناظر الدم المنساب. علينا أن نعود إلى
رشدنا حتى ندرك أن كل وطن العرب غزة، وإنما الاختلاف في درجة القتل لا في نوعه.
لقد كُشف الترسانة القانونية التي تحمي الكيان وتمنع المواطن الغربي الحر من حريته قبل الجميع، ترسانة بُنيت بصمت وفي غفلة من المواطن المرفّه بالفائض الاستعماري منذ قرنين
لكن أيرلندا أنصفتنا، لقد قدمت رئيسة صديقة لقضية العرب فتخلق أملا في
المزيد من الانتخابات المفضية إلى تقديم الواعين بنوع الظلم المسلط على فلسطين
وجيرانها الخاضعين لنفس المحتل. لنخفف اليأس قليلا وننتظر السيد ممداني يأخذ نيويورك،
أو يتم الانقلاب عليه بعد فوزه فيتسع الخرق على الراتق 
الصهيوني. ستكون فرجة كبيرة
أن تتحرك الدبابة الغربية في انقلاب غربي لا في انقلاب في بلد شرق أوسطي، سيكون
انكشافا وستكون دروسا وسيكون وعيا. الكيان لا يحكم فلسطين، بل يحكم بلدان الغرب
لقد بدأ الدرس وبدأ الانكشاف. ترسانة القوانين المخفية في الدُرج أُخرجت في وجه
الطبيبة الفلسطينية في لندن والباقي في الطريق، لنترحم على روجيه غارودي.
لقد كُشف الترسانة القانونية التي تحمي الكيان وتمنع المواطن الغربي الحر
من حريته قبل الجميع، ترسانة بُنيت بصمت وفي غفلة من المواطن المرفّه بالفائض
الاستعماري منذ قرنين. لقد وُلد في الرفاه وتمتع وغفل عن المظالم التي تجلب له
نفطا رخيصا وخيرات بلا عد، والآن وقد بدأ يفهم ما يجري حوله ويوسع مدركاته لأفعال
حكوماته، سيكتشف ما أُخفي في الأدراج من وسائل قمع ستجره إلى نفس النضال القانوني
الذي يعانيه المواطن العربي منذ قرن. لقد وُضعت التابوهات في غفلة منه، وعليه الآن
البدء بهدمها لاستعادة حريته، والسادة المحامون في كل مكان سيتحولون هناك إلى نفس
الدور لهم؛ هنا قيادة النضال الحقوقي ضد الدكتاتوريات الغربية لابسة القفازت
الحريرية حتى يمكن لمواطن منهم الخروج في مظاهرة فلا يُقتحم عليه بيته.
الديمقراطية المشروطة بالحرية
يكتب الدكتور زهير إسماعيل (من تونس) أن ديمقراطية الغرب كانت مشروطة
بالرفاه المادي وليس بالحرية الشاملة الكونية. ونوسع الفكرة؛ إن الرفاه المادي
للمواطن الغربي كان مشروطا بالاستعمار سواء بمرحلته العسكرية المباشرة أو بمرحلته
غير المباشرة، أي بواسطة اصطناع العملاء الذين ضمنوا دوما تدفق الخيرات بكلفة
منخفضة للاقتصادات الغربية، وتمتع المواطن بالشبع وبالحرية في مجاله الضيق فلم
ينتبه إلى كلفة رفاهه المنتزعة من شعوب بعيدة عنه، بل كان من رفاهه أن يزور هذه
الشعوب سائحا ويعاين فقرها إلى حد بلوغ مرحلة السياحة الجنسية، وهي رق منظم تُدفع
كلفته للوكالة السياحية الغربية فلا يسأل السائح الغربي عن سببه، لقد عاش حرا حتى
أنه يُشفق على عذارى تايلاند اللواتي يُهيّأن  له في غرفة إقامته ويلغو بحقوق المرأة.
إنها معركة الحرية الكونية ضد الكيان الأداة وضد أنظمة بلادك التي خلقته واستعملته واستعملت أنظمتنا ضدنا من أجلك، وما زالت تناصره وتنظم الانقلابات العسكرية في بلادنا، وها قد بدأت تقتحم عليك بيتك لأنك مسست تابوهات حُرّم عليك المساس بها في غفلة منك
كان الكيان وسيلة لرفاه المواطن الغربي، فبفضل الكيان ودوره ظل النفط
العربي رخيصا، والآن حصحص الحق. ثمن ذلك الرفاه كان الدم العربي، وآخر دفعة منه
كانت في غزة. فهل يوازن هذا الكائن الغربي السعيد بين رفاهه وبين وعيه بالحقيقة؟
لقد كان عليه أن لا يثور مع غزة ليظل سعيدا بما بين يديه لكنه ثار، فهل يكمل ثورته
في صناديق الانتخابات الجديدة؟
لحظة الحقيقة
لم تفاجئنا هولندا التي سبقت، خاصة وأن بعض أسباب سقوط الحكومة واستعجال
الانتخابات كان فيه من ثورة الشارع الهولندي المفاجئة مع الحق الفلسطيني. لقد
توقعنا خطابا انتخابيا فلسطينيا وميلا إلى من يقول به ولكن لم يظهر لنا، والفرز جار
والنتيجة ذاهبة في هذا الاتجاه.
وأيا كانت النتائج الآن (أو في بلد واحد) فإننا نعول على وعي متدرج
بالحقيقة التي تجلت. 
حرية المواطن الغربي ليست تامة، بل فيها من حرية الحيوان
المدلل بخيرات لم يسأل عن مصدرها كثيرا. ومثل هذا الوعي لا يكتمل في مظاهرة بل
يحتاج زمنا للنضج والتأثير. لقد كان يجب أن تحتل حكوماته مباشرة أو بواسطة محلية
وبالكيان الصهيوني مصادر الثروات والأسواق ليتمتع برفاهه وحريته، وكان الكيان أداة/
ثكنة احتلال ليس إلا.
كيف يمكنك أن تكون حرا هناك وتقبل أن يكون مواطن الثروات المقموع حرا مثلك
ولو كلفك ذلك تعديل إنفاقك اليومي إذا تراجع دخلك؟ أي أن ترى الحرية حقا شاملا يضم
إليك كل بشر مهما كان تاريخه وموقعه على الخرائط المقسمة بفعل الاستعمار الغربي.
هل يمكنك أن تتخيل حرية كونية مشروطة بالحرية للجميع، وهو الأمر الذي بدأ في غزة
وسينتهي بالقوة (دعك من سؤال الوقت) إلى تحرير شامل سيصلك أثره؟
أيها المواطن الغربي الجميل الذي ناصر غزة وبكى مع أطفالها المقهورين: إنها
معركة الحرية الكونية ضد الكيان الأداة وضد أنظمة بلادك التي خلقته واستعملته واستعملت
أنظمتنا ضدنا من أجلك، وما زالت تناصره وتنظم الانقلابات العسكرية في بلادنا، وها قد
بدأت تقتحم عليك بيتك لأنك مسست تابوهات حُرّم عليك المساس بها في غفلة منك. لعلك
تفهم الآن بعض عجزنا دون حريتنا، فمرحبا بك في السجن الصهيوني الكوني. نحن الآن
إخوة في معتقل كبير، هيا نتحرر معا.