وسط إحباط شعبي وتحولات جيوسياسية.. هل تعيد الانتخابات تشكيل مستقبل العراق؟
لندن- عربي2108-Nov-2507:05 PM
0
شارك
الانتخابات العراقية تجري وسط صراع داخلي وتنافس إقليمي وتقلبات جيوسياسية تشهدها المنطقة – البرلمان العراقي
سينتخب العراقيون برلمانا جديدا في 11 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، في اختبار مهم لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني ولنظام سياسي يعتبره شبان هذا البلد بأنه لا يساهم سوى في إثراء من هم في السلطة بالفعل، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
ما هو المزاج السائد بين العراقيين؟
يؤكد تقرير الوكالة، أن عدد كبير من الناخبين يشعرون بخيبة أمل من التجربة الديمقراطية العراقية التي مضى عليها 20 عاما، قائلين إنها لم تجلب سوى الفساد والبطالة وسوء الخدمات العامة، بينما يتقاسم السياسيون والأحزاب والجماعات المسلحة غنائم الثروة النفطية الهائلة وتوزع الوظائف على الموالين.
بدأ العراق إجراء أول انتخابات برلمانية في 2005 بعد الغزو الأمريكي عام 2003 الذي أطاح بالرئيس صدام حسين، وشابت التجارب الانتخابية الأولى أعمال عنف طائفية، حيث قاطعها طيف من العراقيين وتحديدا "السنة" بعد أن سمحت الاحتلال بالهيمنة السياسية للمكون الشيعي، ورغم انحسار الطائفية إلى حد كبير، لا سيما بين العراقيين الأصغر سنا، لكنها لا تزال متجذرة في النظام السياسي الذي يقسم المناصب الحكومية بين الشيعة والسنة والأكراد والمسيحيين ومجموعات عرقية ودينية الأخرى وفق نهج المحاصصة.
من يخوض الانتخابات؟
ما يقرب من 40 بالمئة من المرشحين المسجلين تقل أعمارهم عن 40 عاما، مما يسلط الضوء على محاولات الجيل الجديد لتحدي الهيمنة السياسية لشبكات السلطة القديمة، ويقود السوداني، الذي تولى منصبه عام 2022 ويسعى لولاية ثانية، ائتلاف الإعمار والتنمية الذي يضم عدة أحزاب (شيعية)، ويركز في حملته الانتخابية على تحسين الخدمات ومحاربة الفساد وتوطيد سلطة الدولة، ولطالما حاول السوداني أن يوازن في علاقاته مع كل من إيران والولايات المتحدة، الحليفين الرئيسيين للعراق.
اظهار أخبار متعلقة
في المقابل، لا يزال ائتلاف دولة القانون، الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، يتمتع بنفوذ، ويتنافس مع الائتلاف الذي ينتمي إليه السوداني وهو الإطار التنسيقي، من أجل فرض الهيمنة داخل الأوساط الشيعية، فيما يقول منتقدو المالكي إن سياساته الطائفية ساهمت في صعود تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، كما أن هناك مجموعة من الأحزاب التي تربطها علاقات مع إيران ولديها جماعات مسلحة خاصة بها تخوض الانتخابات على قوائم منفصلة.
أما القوة السياسية السنية الرئيسية فهي حزب تقدم بقيادة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي. وتتركز شعبية الحزب في غرب وشمال العراق حيث الغالبية السنية، ويدعو الحزب إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة وتمكين المجتمعات السنية بعد صراع وتهميش دام لسنوات، وإلى شمال البلاد، حيث يهيمن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود بارزاني على الحكومة شبه المستقلة في إقليم كردستان العراق، ويسعى إلى الحصول على حصة أكبر من عوائد النفط التي تدعم الميزانية العامة.
Polling centers and electoral officials across Iraq are readying for the country's upcoming parlaiemntary elections, with most citizens being set to vote on November 11, while military service members and displaced voters are to cast their ballots on November 9. pic.twitter.com/KqB3mR6NRK
وينافس الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة بافل طالباني، الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويدعو الاتحاد إلى توثيق العلاقات مع بغداد وكثيرا ما تحالف مع الفصائل الشيعية. ويهدف إلى الدفاع عن معاقله التقليدية، أما زعيم التيار الصدري (التيار الوطني الشيعي)، مقتدى الصدر، فقد أعلن مقاطعته الانتخابات بسبب الفساد بصورة رئيسية، تاركا المجال مفتوحا أمام الآخرين. ولا يزال تيار الصدر يسيطر على أجزاء كبيرة من الدولة من خلال التعيينات الرئيسية في المناصب الحكومية.
كيف سيؤثر التصويت على العراق؟
ستكون نسبة الإقبال مقياسا رئيسيا لثقة العراقيين في نظامهم السياسي، وسط إحباط شعبي من الفساد المستشري وسوء الخدمات، ومن شأن انخفاض نسبة المشاركة أن يشير إلى استمرار خيبة الأمل، ومن غير المتوقع أن تغير الانتخابات المشهد السياسي العراقي بشكل جذري، فغالبا ما تطول المفاوضات لاختيار رئيس للوزراء، وتنتهي بتسوية بين الأحزاب الأكثر ثراء وتسليحا ونفوذا.
وبموجب نظام تقاسم السلطة القائم على أسس طائفية في العراق، يجب أن يكون رئيس الوزراء شيعيا ورئيس البرلمان سنيا ورئيس الجمهورية كرديا، لكن الحكومة العراقية المقبلة ستواجه ضغوطا شديدة لتحقيق تحسينات ملموسة في الحياة اليومية ومنع تحول السخط الشعبي على الفساد إلى اضطرابات.
كيف سيؤثر ذلك على المنطقة؟
سيتعين على رئيس الوزراء العراقي المقبل أن يتعامل مع التوازن الدقيق بين النفوذ الأمريكي والإيراني، وإدارة عشرات الجماعات المسلحة التي ترتبط بعلاقات أوثق مع طهران والمسؤولة أمام قادتها أكثر من مسؤوليتها أمام الدولة، كل ذلك في الوقت الذي تواجه فيه البلاد ضغوطا متزايدة من واشنطن لتفكيك تلك الجماعات، ولطالما تجنب العراق حتى الآن أسوأ الاضطرابات الإقليمية الناجمة عن حرب غزة، لكنه سيواجه غضب الولايات المتحدة وإسرائيل إذا فشل في احتواء المسلحين المتحالفين مع إيران.
ماذا بعد النتائج؟
من المتوقع أن تظهر النتائج الأولية في غضون أيام من التصويت، لكن المحادثات لتشكيل الحكومة قد تستغرق شهورا، وبعد التصديق على النتائج من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الاتحادية العليا، سيجتمع البرلمان الجديد المكون من 329 عضوا لانتخاب رئيس له ونوابه ثم رئيس الدولة الذي يكلف الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، وسيكون أمام المرشح 30 يوما للحصول على الموافقة على تشكيل الحكومة، وهو إنجاز غير مضمون في العراق.
"تشظي الإطار التنسيقي"
قالت صحيفة ناشيونال إنتريست الأمريكية، إن الانتخابات البرلمانية في العراق قد تُرسّخ هيمنة الإطار التنسيق، كاشفةً في الوقت نفسه عن الانقسامات السياسية العميقة في البلاد وتراجع النفوذ الأجنبي، وأشار كل من الباحثين جوشوا يافي، عضو مركز المصلحة الوطنية، وتامر البدوي، الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، حول ما هو على المحك بالنسبة لبغداد وواشنطن على حد سواء،
اظهار أخبار متعلقة
ويصف البدوي الخلافات داخل ما وصفها بـ"الكتلة الموالية لإيران" التي تحكم العراق حاليًا، أن "الإطار التنسيقي سينقسم إلى ثلاثة قطاعات، الأول يمثله رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، حيث يسعى لمنع رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني من الفوز بولاية ثانية، أما القطاع الثاني فيمثله رئيس الوزراء الحالي، بينما يتأرجح القطاع الثالث بين الاثنين".
وأشار الباحثان إلى أن مقتدى الصدر دعا أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات لكونه يُدرك حجم التقلبات الجيوسياسية في المنطقة، فلربما تتكشف سيناريوهات عديدة، ولذلك يُفضل هذا الزعيم الشيعي أن يكون مستعدًا لكل شيء، بالتزامن مع مساعيه لإضعاف منافسيه في الحكومة، وعندها تكون له الأفضلية.
Podcast | As Iraq prepares for parliamentary elections on November 11, deep political rivalries and fading foreign influence are reshaping the country’s future. https://t.co/LwFNz5LZl3
ويضيف البدوي أن تواصل رئيس الوزراء السوداني مع الشركاء الغربيين والإقليميين، بما في ذلك حضوره مؤتمر شرم الشيخ بشأن غزة، كان "بادرة لإرضاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"، مضيفًا أن السوداني "أراد تقديم أدلة كافية على قدرته على التعاون مع الولايات المتحدة لضمان فوزه بولاية ثانية". ويضيف أن طهران لا تزال تتمتع بنفوذ كبير في العراق، لكن واشنطن "تتمتع بنفوذها الخاص من خلال الإنذارات السريعة... 'انزعوا السلاح أو سنضرب'، محذرًا من أن الزعيم العراقي القادم سيحتاج إلى "حوار وطني، يُقر بأن هذه ليست المرحلة التي نحتاج فيها إلى جماعات مسلحة". ومع ذلك، فإنه يتوقع أن يهيمن إطار التنسيق على التصويت، فلا أحد يجرؤ أن يترشح ضدهم".
"لا يمثل العراقيين" ولعل منشور أمين عام كتائب الإمام علي، شبل الزيدي، على منصة "أكس" يكشف حجم الانقسامات السياسية داخل البيت الشيعي، فبعد انتشار فيديو لمبعوث الرئيس الأمريكي مارك سافايا مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوادني، قال الزيدي: "إنه من المهين أن يتصدر صغار النفوس وقليلي الهمة (حسب تعبيره) قيادة العراق، مؤكدا بالقول: "لن نرضى لأنفسنا الذلة، ونرفض التملق المهين للمبعوث الأميركي، فهذا لا يمثلني ولا يمثل الشعب العراقي بكل طوائفة”.
مبعوث الرئيس الأمريكي مارك سافايا يصور فيديو من المكتب الرئاسي: "أنا مع السيد الرئيس السوداني".. ورئيس الوزراء يرد: أنت تملك قلباً صافياً وروحك عراقية وسعيد بصداقتك pic.twitter.com/HfD57UCYOQ
التقلبات الجيوسياسية قد تشل الحكم بدوره، قال معهد نيولاينز الأمريكي للدراسات، إنه لا ينبغي النظر إلى هذه الانتخابات كحدثٍ مستقل، بل كحلقة وصل بين ساحتين متشابكتين، وهما "الصراع الداخلي والتنافس الإقليمي في ظلّ تقلبات جيوسياسية كبرى يشهدها الشرق الأوسط منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث لا ينفصل التشرذم الداخلي عن التنافسات الخارجية.
وأوضح المعهد، أن الانقسامات المتفاقمة داخل التكتلات الشيعية والسنية والكردية وفيما بينها، وتفاعلها مع صراعات النفوذ الإقليمية، قد تُطيل أمد تشكيل الحكومة، أو حتى تُشلّ الحكم، وقد تفتح الباب أمام عدم الاستقرار بعد فترة من التعافي النسبي.
عزوف عن المشاركة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وخلال منتدى سياسي افتراضي بمشاركة مينا العريبي رئيسة تحرير صحيفة "ذا ناشيونال"، ومنقذ داغر، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة غالوب الدولية، وجيمس جيفري، سفير الولايات المتحدة السابق لدى العراق وتركيا، أجمعوا على أن الإقبال الشعبي على الانتخابات انخفض بشكل مطرد منذ الانتخابات البرلمانية الأولى عام 2005، وهو ما يعكس حجم الإحباط المتزايد من النظام السياسي الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه فاسد وفشل في تحقيق مصالح الشعب، كما أن تفسير السياسيين السائد للدستور سمح لهم بالتلاعب بعملية تشكيل الحكومة من خلال المناورات والمساومات بعد كل الانتخابات.
أما، جيمس جيفري، قال إن أكثر ما يهم أمريكا هو رؤية حكومة عراقية راغبة في الحد من النفوذ الإيراني، مرجحا إمكانية نشوء ائتلاف يمنع المرشح الأوفر حظًا - وهو السوداني حاليًا - من تشكيل حكومة، كما حدث سابقًا في السياسة العراقية، وبغض النظر عن ذلك، فإن نظرة الولايات المتحدة إلى العراق ستعتمد كليًا على موقف الحكومة الجديدة من قضايا محددة، وتحديدًا ميليشيات الحشد الشعبي، والعلاقات مع الأكراد، ودور العراق الإقليمي.
وأضاف جيفري، أن اهتمام واشنطن الأساسي في نهاية المطاف ينصبّ على تشكيل حكومة، لا على الجمود السياسي المطول، لأن عدم الاستقرار في العراق من شأنه أن يفتح الباب أمام اضطرابات شعبية وتنامي النفوذ الإيراني، مقللا من خطر الحشد لكونه لأنه لم يشارك بشكل مباشر في القتال ضد إسرائيل، فيما أشار إلى أن دوره الوحيد في السياسة العراقية كان استنزاف الموارد من الدولة ومساندة إيران ظاهريًا، وهو أمر مقبول بالنسبة لواشنطن، حسب قوله.
اظهار أخبار متعلقة
بدوره، قال منقذ داغر، إن نسب التأييد الشعبي لأي سياسي لم تتجاوز الـ30 بالمئة، وبحسب الاستطلاعات فقد انخفضت نسبة المشاركة في الانتخابات بشكل حاد منذ عام 2005 التي تجاوزت الـ80 بالمئة حينها، ومن المرجح أن تتراوح نسبة المشاركة في انتخابات هذا العام ما بين 30 بالمئة و40 بالمئة، وقد أقنعت المخاوف بشأن الفساد وضعف الثقة بالعملية الانتخابية العديد من العراقيين بعدم التصويت، ومن المرجح أن تؤدي مقاطعة الصدر إلى انخفاض هذه النسبة أكثر.
Iraqis are going to the polls on November 11. At stake is not just the future of U.S. relations and the disposition of American forces, but also the trajectory of Baghdad’s relations with Iran. @MUNQITHDAGHER explained whether Tehran will play a role in the contest.
من المرجح أن تواجه مفاوضات الائتلاف بعد الانتخابات نفس العقبات التي واجهتها في عام 2021، عندما فاز الصدر باثنين وسبعين مقعدًا، لكن الـ"إطار التنسيقي" الذي تهيمن عليه الميليشيات عرقلها، لافتا إلى توتر علاقة السوداني بالإطار التنسيقي الذي اختاره في البداية، لدرجة أنه تغيب عن آخر اجتماع للائتلاف، كما أشار إلى أن السوداني لم يُعالج ملفي الفساد ونفوذ الميليشيات المدعومة من إيران.
تشكيل حكومة وفق المصالح في تقرير جديد لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، جاء فيه أن "فرص السوداني في تولي ولاية ثانية بعد الانتخابات المقبلة لا تزال غير مرجحة"، موضحةً أن النظام السياسي القائم في العراق يمنح سلطة تشكيل الحكومة للتحالفات داخل الإطار التنسيقي، الذي قالت إنه "يضم قوى لا تؤيد تجديد ولايته"، وترى الصحيفة أن التوازنات الداخلية في الإطار التنسيقي "تجعل بقاء السوداني في منصبه مرتبطًا بتفاهمات معقدة تتجاوز صناديق الاقتراع إلى حسابات النفوذ والمصالح بين القوى الشيعية".