ملفات وتقارير

ماذا وراء "مغازلة" السيسي للمصريين عقب انتخابات البرلمان الأخيرة؟

تعد هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها رأس النظام بمخالفات في النظام الانتخابي- الأناضول
تعد هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها رأس النظام بمخالفات في النظام الانتخابي- الأناضول
أثار إقرار رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الاثنين، بوجود انتهاكات في بعض الدوائر الانتخابية، خلال المرحلة الأولى من انتخابات "مجلس النواب" المصري، التي جرت الأسبوع الماضي، التساؤلات حول أسباب انتقاد السيسي للأجهزة القائمة على الانتخابات، ومغازلة المصريين.

السيسي، وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، دعا "الهيئة الوطنية للانتخابات"، لمراجعة وفحص الأحداث والطعون بشفافية تنفيذا لإرادة الناخبين، مطالبا الجهة الحكومية التي يشرف عليها قضاة، بالإلغاء الكامل لهذه المرحلة من الانتخابات، أو إلغائها جزئيا حال تعذر تنفيذ إرادة الناخبين، وأن "يأتي أعضاء مجلس النواب ممثلين فعليين عن الشعب".



وتعد هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها رأس النظام بمخالفات في النظام الانتخابي رغم شكاوى المعارضة بالداخل من تجاوزات بالانتخابات التشريعية بعهد السيسي، بداية من مجلس "نواب" 2015، و"نواب" و"شيوخ" 2020، إلى جانب 3 انتخابات رئاسية فاز بها السيسي أعوام 2014 و2018، و2024.

ردود فعل واسعة
وفور إعلان السيسي، أعلنت هيئة الانتخابات فحص تظلمات المرشحين البالغة 88 طعناً، فيما تقدم العشرات بطعون على نتائج الجولة الأولى التي كان مقررا إعلانها الثلاثاء، وبينهم المرشح الخاسر عن "حزب المحافظين" بدائرة العمرانية بالجيزة، حكيم يحيى، والنائبة الحالية والمرشحة المنسحبة من دائرة إمبابة، نشوى الديب.

وأشاد الإعلام الموالي بحديث السيسي، ودعم اختيارات المصريين وإنصافه لهم، وبينما ثمن الإعلامي مصطفى بكري، تدخل السيسي، لـ"تهدئة مشاعر المواطنين"، مشيرا عبر موقع "إكس"، إلى مشهد "انتخابات 2010"، التي أغضبت المصريين بعهد الرئيس حسني مبارك.

اظهار أخبار متعلقة



وثمن حزب "الجبهة الوطنية"، الضلع الثالث بـ"القائمة الوطنية" عقب "مستقبل وطن" و"حماة الوطن"، حرص السيسي، "على ترسيخ النزاهة والشفافية في الانتخابات، وصون إرادة الشعب المصري".

وعلى الجانب الآخر، اتهم البعض السيسي، بأنه من أغلق الحياة السياسية، وقصرها على الموالين، ونكل بالمعارضة، ومنع ترشيح المنافسين، مشيرين إلى عشرات المخالفات برعاية نظامه، وبينها غلبة المال السياسي على اختيارات نواب "الشيوخ" التي جرت انتخاباته آب/ أغسطس الماضي، ملمحين إلى ما أثير عن دفع مبالغ بين 25 و50 مليون جنيه للترشح بـ"القائمة الوطنية" لانتخابات "النواب"، مطالبين بانتخابات حقيقية.



وطوال 10 سنوات، ومنذ تدشين أول برلمان في عهد السيسي، 2015، ولمدة دورتين تشريعيتين؛ يشكو مصريون من آثار القوانين المجحفة التي أقرها البرلمان، إلا أن حاجة البسطاء دفعت الكثيرين منهم لقبول الرشى الانتخابية التي بلغت ما بين 200 و500 جنيه، وفق ما رصدته هواتف المصريين.

دور المُصلح
ومثّل إعلان السيسي، الذي جاء مناقضا لبيان وزارة الداخلية المصرية عن عدم وجود انتهاكات خلال جولة الاقتراع، مفاجأة كبيرة لعموم المصريين، وللقائمين على هندسة "القائمة الوطنية" المكونة من 12 حزبا مواليا، والمشرفين على العملية الانتخابية في "جهاز الأمن الوطني"، وحزب "مستقبل وطن".

وفي قراءتهم لهذا المشهد، أكد سياسيون ومعارضون مصريون، أن "السيسي خلال الفترة الماضية، يمارس دور الرئيس المصلح، لما ترتكبه أذرعه السياسية والسيادية والأجهزة الإدارية والحكومية من أخطاء، في محاولة منه لتصدير صورة جديدة له بهدف هندسة فترة رئاسته القادمة".

وأشاروا إلى أنه "مؤخرا قام بتصدير رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في القرارات والإجراءات التي يتضرر منها المصريون، وخاصة رفع أسعار السلع والخدمات وتقليص الدعم، والاتفاقيات المثيرة للجدل ببيع أراضي استراتيجية أو شركات عامة، لخليجيين، حفاظا على صورته".

وقبل منشور السيسي، عن انتخابات البرلمان، بشهرين، وفي 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، رفض رأس النظام إقرار قانون "الإجراءات الجنائية" المثير لغضب المحامين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، رغم إقرار البرلمان لمواده، وأعاده لمجلس النواب الذي أقر تعديلات السيسي.

اظهار أخبار متعلقة



حينها، ووفق قراءة البعض، بدا السيسي، داخل صورة رئيس النظام الأكثر حرصا على المصريين، وعلى تحقيق العدالة، ومراعاة حقوق الإنسان، أكثر من نواب البرلمان، والحكومة.

وحول أسباب انتقاد السيسي، لانتخابات النواب علنا، وما يثار عن طرح نفسه بصورة المنقذ للمصريين تمهيدا لتعديلات فترة رئاسته بعد 2030، وما يطرحه البعض عن مخاوف النظام من نتائج قد تغضب الشارع كما حدث عام 2010، واحتمالات وجود جبهة داخل النظام ترفض دور "جهاز الأمن الوطني"، بهندسة الانتخابات، وصراع بين الأجهزة السيادية، تحدث سياسيون مصريون لـ"عربي21".

ارتباك المنظومة
السياسي المصري مجدي حمدان موسى، قال إن "محاولة تصوير ما قاله الرئيس باعتباره (إنقاذ) للمصريين من أزمات حكومته أو باعتباره (صوتا أعلى من الدولة)، طرح يتجاهل حقيقة أن الأزمة ليست في الكلام، بل بغياب أية إرادة حقيقية لإصلاح سياسي يضمن انتخابات نزيهة ويحترم مبدأ الفصل بين السلطات".

وأكد لـ"عربي21"، أن "الحديث عن (تجاوزات انتخابية) أو (إرجاع قوانين للبرلمان)، لا يعكس شجاعة سياسية بقدر ما يعكس ارتباكا داخل المنظومة التي صنعت مشهد معلول يتحكم بالعملية الانتخابية، ثم الحديث عن الأخطاء بعد وقوعها".

المرشح الذي أعلن انسحابه من انتخابات النواب، يرى أن "الإشارة إلى الانتهاكات الانتخابية لا تعني بالضرورة صراعا مؤسسيا لكنها قد تعكس خشية حقيقية من تكرار سيناريو 2010، حين أدى التزوير الفج لانفجار غضب شعبي وثورة يناير".

وختم قائلا: "إذا كان هناك من يخشى غضب الشارع اليوم، فالخوف لا يأتي من المعارضة ولا المرشحين، بل من ممارسات صناعة المجال العام على مقاس الأجهزة، ومن إصرار الدولة على تجاهل الدروس القاسية".

اظهار أخبار متعلقة



ويرى نائب رئيس حزب "تكنوقراط مصر"، محمد حمدي، تصريح السيسي، "بمثابة استعراض لإظهار نفسه بعيدا عن فساد الانتخابات الموثق بالفيديوهات، وبشهادات مرشحين تابعين للنظام، انتهت أدوارهم".

وأكد لـ"عربي21"، أنه "لو أرد السيسي فعليا وقف المهزلة وتعديل المسار لما نشر عبر الإنترنت، واتبع القنوات والإجراءات الرسمية بوزارة العدل، ويخرج القرار من هيئة الانتخابات كونها المختصة وليس بتوجيه رئاسي".

ولفت إلى أن "السيسي ضمن ولاء مجلس النواب عبر نجاح 284 عضوا عبر قوائم مغلقة أعدتها المخابرات العامة، والحربية، والأمن الوطني، بجانب نسبة 5 بالمئة يعينهم السيسي (28) عضوا، وضمن أغلبية برلمان مهمته الأولى تعديل الدستور وتمديد فترة الرئاسة".

هروب من مصير 2010
وأشار إلى أنه "كان يرجو خروج انتخابات الفردي انتخابات حقيقية، حيث أعطت الأجهزة الأمنية فرصة لمرشحين مسيحيين لضمان حشد الكنيسة، ولمرشحي عائلات كبرى بالصعيد والوجه البحري، لكن جهاز الأمن الوطني لعب لصالح الأقرب له سواء بالموالاة أو بالمال السياسي".

ويعتقد حمدي، أنه "لذلك فإن السيسي، أراد بهذا التصريح غسل يده من الظهور الفج للشكل الانتخابي الفاسد وإبراء ذمة وهروبا من مصير انتخابات 2010، مع شكل استعراضي؛ بأنه الرئيس النزيه الذى سمع شكاوى المرشحين وأبناء الشعب المحتجين فوقف إلى جانب الحق والعدالة طمعا في استرداد شعبية زائفة".

وختم حديثه متسائلا: "إن كان السيسي مصلحا، لماذا لم يتدخل في الفساد المعلن لتكوين القوائم من الأساس، والتي ضمنت نجاح القوائم دون منافسة".

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وصف السياسي المصري المعارض يحيى موسى، اعتراف السيسي، حول تجاوزات الانتخابات ودعوته لإلغائها جزئيا، أنها "حادثة تنبئ عن كثير من الأمور".

ورأى الناشط تامر شرين شوقي، أن بيان السيسي، فيه تلميع للرئيس وأنه "لا أحد غير الرئيس"، مؤكدا أنه يضع "النظام كله في صورة الماريونيت، وأن كل شيء في يد الرئيس".

من جانبه يرى الباحث في الشؤون القانونية والدستورية أن هناك رغبة لدى السيسي، في "تمرير برلمان لا تشوبه شائبة التزوير كونه البرلمان الذي سيعدل الدستور بالشكل الذي يمنحه استمرارا مريحا في الرئاسة"، ملمحا في المقابل إلى أنه "يؤدب أجهزته ويقوم سلوكها ويصحح خطواتها".


وأشار السياسي إسلام لطفي، إلى احتمال وجود صراع بين الأجهزة السيادية، قائلا: إن "القوائم الانتخابية التي ضبطتها الأجهزة الأمنية هناك جهاز تلاعب بها منفردا، وهذا معناه أن معركة تحديد أصحاب الكعب الأعلى شغالة وبقوة، والانتخابات أبرز تجلياتها".


من جانبها، قالت خبيرة التخطيط الاستراتيجي سالي صلاح، إنه تصريح يعني "أن الأزمة خرجت عن السيطرة، وأن السلطة تحاول احتواء الشارع قبل أن يغلي، والتحقيق غالبا سيُستخدم كحاجز دخاني: إحالة، تهدئة، ثم طي الملف. ليس بحثا عن الحقيقة، بل شراء وقت".


التعليقات (0)