طب وصحة

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في التحقق من "العسل المغشوش"؟

بحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) بلغ الإنتاج العالمي للعسل نحو 1.9 مليون طن عام 2023- CC0
بحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) بلغ الإنتاج العالمي للعسل نحو 1.9 مليون طن عام 2023- CC0
نشر موقع "كونفيرزيشن" مقالا للأستاذ المشارك في الجغرافيا الطبيعية، جامعة نورثمبريا،  ماثيو باوند، والأستاذ المساعد، كلية نيوكاسل للأعمال، جامعة نورثمبريا، سعدات ياور والأستاذ المساعد، علوم الحاسوب والمعلومات، جامعة نورثمبريا قالوا فيه إن معظم العسل يأتي  من مستعمرات نحل مُدارة، حيث تجمع آلاف النحلات العاملات رحيق الأزهار، وتعيده إلى الخلية وتحوله إلى عسل، ولكن مع ازدياد الطلب العالمي وارتفاع أسعار أنواع العسل المتخصصة، أصبح العسل من أكثر الأطعمة غشا في العالم.
 
وعادة ما يتخذ الغش في العسل شكلين، يتضمن النوع الأول تغيير العسل نفسه، يخفف بعض المنتجين العسل بشراب سكر أرخص. بينما يعمد آخرون إلى إنضاج العسل غير الناضج صناعيا عن طريق تجفيفه، أو حتى تغذية النحل بمحاليل سكرية مباشرة، مما ينتج عنه منتج يشبه العسل الحقيقي فقط.

وفحص تحقيق مشترك أجرته المفوضية الأوروبية والمكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال العسل المستورد إلى الاتحاد الأوروبي بين عامي 2021 و2022، وجد أن 46 بالمئة من الشحنات المختبرة أظهرت علامات على احتوائها على شراب سكر مضاف، والدافع هنا اقتصادي، حيث أن إنتاج العسل الطبيعي مكلف ويستغرق وقتا طويلا، بينما شراب الأرز أو الذرة أرخص بكثير في التصنيع والبيع.
التضليل في المنشأ والجودة.

أما النوع الثاني من الاحتيال وهو أكثر دقة، حيث تزعم الملصقات أن العسل يأتي من نبات أو مكان معين، بينما في الواقع، تم مزجه من مصادر أقل جودة أو مستوردة. عسل مانوكا مثال معروف على ذلك، يُباع بسعر أعلى بكثير من عسل السوبر ماركت العادي، مما يجعله هدفا جذابا للتضليل في الملصق.



وغالبا ما يختار المستهلكون العسل لاعتقادهم أنه طبيعي أو صحي، كما وتظهر الأبحاث أيضا أن الكثيرين على استعداد لدفع المزيد مقابل عسل محلي نقي وقابل للتتبع، ومع ذلك، لا تنتج معظم الدول، بما فيها المملكة المتحدة، ما يكفي من العسل لتلبية الطلب المحلي وتعتمد بشكل كبير على الواردات، وهذا يُتيح فرصا للخلط وإعادة وضع العلامات والغش قبل وصول العسل إلى رفوف المتاجر.

لا يقتصر الغش في العسل على الخسارة الاقتصادية فحسب، بل يثير أيضا مخاوف بشأن سلامة المستهلك. فعندما يغير العسل لتحقيق الربح، فأن الصحة نادرا ما تُعتبر أولوية، وقد وجدت دراسة أوروبية أن بعض أنواع العسل المستورد تحتوي على آثار من المبيدات الحشرية والمعادن الثقيلة والأدوية البيطرية والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، وهذه مواد قد تكون ضارة، عند تناولها بكميات كبيرة أو عند التعرض لها لفترات طويلة.

اظهار أخبار متعلقة



كما ويمكن لبعض المبيدات الحشرية والمعادن الثقيلة أن تؤثر على الجهاز العصبي أو الأعضاء، وقد تُسبب الأدوية البيطرية ردود فعل تحسسية أو مقاومة للمضادات الحيوية، خاصة وأن الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات هي مواد كيميائية تتشكل أثناء الاحتراق غير الكامل، وبعضها معروف بأنه مواد مسرطنة.

وعلى الرغم من أن الآثار الصحية لهذه المواد في العسل غير مفهومة تماما، تشير بعض الأبحاث إلى أن العسل المغشوش الذي يحتوي على شراب سكر إضافي يمكن أن يُسبب ارتفاعا حادا في مستويات السكر في الدم مقارنة بالعسل الطبيعي، مما قد يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري. كما يقوض الاحتيال ثقة الجمهور ويُصعّب على النحالين النزيهين المنافسة.

توجد بالفعل أدوات علمية مصممة لحماية أصالة العسل. تُمكّن الاختبارات الكيميائية من الكشف عن شراب السكر الذي لا ينبغي أن يكون موجودا في العسل الأصلي. وهناك طريقة أخرى، تعرف باسم "علم تحليل حبوب اللقاح"، تتضمن فحص حبوب اللقاح الموجودة طبيعيا في العسل لتحديد النباتات والمناطق التي أتت منها. ينتج كل نوع نباتي حبوب لقاح مميزة يمكن للمتخصصين التعرف عليها تحت المجهر.

ومع ذلك، فإن تحليل حبوب اللقاح يتطلب جهدا مكثفا ويتطلب خبراء مُدرّبين. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي. فقد تم اختبار نماذج التعلم الآلي لتحديد حبوب اللقاح في العسل، والنتائج الأولية واعدة. وتشير العديد من الدراسات إلى معدلات دقة تتجاوز 90 بالمئة.



يكمن التحدي في تعقيد حبوب اللقاح. فكل حبة لقاح هي بنية ثلاثية الأبعاد يُمكن أن تظهر في اتجاهات لا حصر لها، وكل نوع نباتي يُنتج حبوب لقاح بخصائص فريدة. لكي يعمل الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، يجب تدريبه على قواعد بيانات صور شاملة لأنواع حبوب اللقاح المعروفة. حاليا، لا تزال هذه القاعدة غير مكتملة.
 
ومع ذلك، فإن دمج التعلم الآلي مع التحليل الكيميائي قد يُغير طريقة فحص العسل. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساعد في أتمتة تحديد حبوب اللقاح ومطابقتها مع البيانات الكيميائية، مما يسمح للجهات التنظيمية والمنتجين بفحص المزيد من العينات بسرعة ودقة أكبر. هذا من شأنه أن يُصعّب على العسل المغشوش التسلل عبر سلاسل التوريد والوصول إلى خزائن المنازل. لا تزال هذه التقنية في طور التطوير، لكن التوقعات إيجابية، في الوقت الحالي، قد لا تزال جرة العسل على مائدة فطورك تحمل أسرارا. ولكن مع تطور الأساليب العلمية وتطور الذكاء الاصطناعي، نقترب من مستقبل يُعتمد فيه على العسل ليس فقط لحلاوته، بل أيضا لسلامته.

التعليقات (0)